وصية بستاني مجهول / بقلم : الشاعر محمد القلاوي .

هذه مملكتي ، وليس لي سواها

هنا ترقد عظام أسلافي لتحلم بي

تحت حجر ناعم تتزاور عنه شمس المغيب

هنا شجيرة ضريرة تلعق يديّ الخشنتين ،

وهناك ظل شحيح تنقره الطيور .

هذه مملكتي ، وليس لي سواها

بستانيا كنت مثل أبي ، وجدي ،

طيور الحديقة تعرفني ،

زغب خفيف يورق على ذراعيّ كل صباح ،

ولم أنجب طفلا يخلفني فبمن سأوصي الزهور ؟!

هذه حديقة الله ، وأمام  بابها المكسور أجلس مرتعدا

فوق رأسي راية سوداء تتماوج من عصف الرياح

من هنا هرولت الغيوم  صاخبة

والتمعت فوق رأسي بضع نجمات نسيتها أنامل حراس المساء

لا تتعجل يا صاحب القارب ،

وهبني خمس دقائق أخرى

لأدفن مع فأسي رنين العتمة الباردة

هبني دقيقتين

لأمسح عن رأس شجيرة وحيدة نثار الغبار

وأحرر طيرا كسير الجناح .

تمهل قليلا أيها الربان

ولا تعدني بحديقة أخرى على الضفة البعيدة

فقد علمتني الطيور أن للبهجة شرفتان ، وللبكاء شرفة واحدة

فلماذا لم أصغ إلى أسرار الرياح بما يكفي ؟!

لماذا لم أرقب نمو الزنابق بما يكفي ؟!

لماذا تتراجع كلما خطوت مبتعدا  أصداء الغناء ؟!

جيوبي فارغة فهبني خمس دقائق أخرى

لم أقرا سوى كتاب الورود

شغلتني وشايات اليمام عن أنين المآذن ،

شغلتني ثرثرة الغيم عن نواح الكنائس

فدعني ألقي نظرة أخيرة يا صاحب القارب

ولا تتعجل بالرحيل .

ربما على عجل سأدس في عروة قميصي وردة

ربما سأدس في جرابي عشر سنبلات يابسات

وفي جيب معطفي سأدس حفنة من بذور

ها أنا أرحل

هذه وردة سوداء سأغمض عينيها خلسة لكي لا تراني أغادر

وهذه أطياف أسلافي ستتجول هادئة في ممرات الحديقة

وعلى آثار خطايّ  ستورق ورود الصقيع

أمدد يديك أيها الربان فسأرحل الآن

فلا تتبعيني أيتها الطيور ،

وإذكريني أيتها الرياحين

أعيريني  جناحين فقط أيتها الفراشات

وأنتم أيها الأسلاف الطيبون

احرسوا قنديلي مضاءً ليرشد روحي عندما يأتى  الربيع

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!