تعتيم / بقلم الأديبة: لميس الزين

“سوريا – حلب”

لاحظ مؤخَّراً أنَّ سيرةَ الأستاذ حسن قد خفتَتْ أو كادَت تتلاشى بعد أن كانَت جزءا بارزاً في أحاديث الصّباح والمساء. وأحياناً الليل.
فقد عجزَ عن إقناعها أنَّه لا يستطيعُ أن يكونَ مثل زوجِ أختِها الأستاذ حسن من دون أن يخسرَها، ومن دون أن يثير زوبعةً من النقاش المحتدم، ستنتهي بليال من النوم على الكنبة. فهو بطبعِه رجلٌ مسالمٌ لا يحلمُ بأكثرَ من حياةٍ بسيطة هادئة، الأمر الذي تراه هي محدوديّة، انعدام طموح، وبلادة.
كلَّما دقَّ الكوزُ بالجرَّة، ذكرت له الأستاذ حسن. يتأخَّر قرضُ البنك، فتحكي عن قرضٍ استخرجَه لبنتِ عمتِها. يشتكي الابن من عدم قبولِه في معهد التمثيل، فتقفزُ حكاية من حكايات الشاطر حسن الذي دبَّرَ قبولاً لابن جارة أختِها حنان المسعدة؛ حرم الأستاذ حسن. تتشاجرُ مع مديرتِها في المدرسة فتتحسَّر على زوجٍ مثل الأستاذ حسن، زوج ذكرُه كافٍ لجعلِ تلكَ الشّمطاء تكفُّ عن مضايقتِها، بل ربَّما تودَّدت إليها. إلى آخر سلسلة الخيبات التي لا تنتهي بحياة رجل بسيط مثله.
أمَّا الأستاذ حسن؛ فهو رجلُ العصر المثالي. رجلٌ يَعرفُ من أينَ تؤكَلُ الكتف؛ أيّاً كانت حاجتُك في دوائر الدولة، فهناك من يعرفه الأستاذ حسن، قادر على مساعدتك. وكلمة مُساعدة هنا حتما لا تعني المُساعدة لوجه الله فلا شيءَ بالمجانِ حتى وإن بدا كذلك. فما تدفعُه اليومَ تستردُّه غداً. وهنيئاً لمن أكثرَ الزرعَ عندَ أصحاب الأيادي الطولى، حفلات وولائم وخدمات تمتدُّ من الكرسي إلى السرير بكل ما يتصادفُ بينَهما، لأنه حين سيحتاجُ خدمةً معيَّنة، له أو لأحبابه، لن يكلّفَه الأمرُ أكثر من اتّصالٍ لحبيبنا أبي فلان. أمَّا إن لم تكن تعرفُ إحدى نسخِ الأستاذ حسن، فعليك أن تتقبَّلَ حقيقةَ أنك صلبٌ وجافٌّ، وطباعُك مستوحشةٌ، وأمثالُك صعبُ التّعامل معهم. والأهمُّ أنَّ عليك الوقوفَ بطابورِ الانتظارِ؛ الطابور الذي يحصلُ كثيراً أن تتخيَّلَ أو تتأمَّلَ أنَّه يتحرَّكُ لكنَّه في الحقيقة لا يفعل. لماذا؟ لأنَّ معارفَ الأستاذ حسن وأمثالَه يصلونَ من النوافذِ الخلفيَّة، وبيسرٍ يغادرونَ مُبتسمين.
حاولَ أن يتقرَّبَ من عديله، لكنَّ الأخير لم يبدِ ترحيباً برجلٍ ثقيلِ الظّلّ مثلَه، لا يسهر، لا يشرب، لا يدخِّن، حتّى إن رويتَ له دعابةً من العيار الثقيل لن يضحكَ ربَّما، لأنَّه لم يختبر تلك الأمور.
فكَّرَ كثيراً وهو عائدٌ إلى البيت بأسبابِ اختفاءِ سيرة الأستاذ حسن، ولما لم يجد جواباً عزا الأمرَ إلى أنَّ الله قد استجابَ لدعائه أخيراً، وهداها إلى القناعة بأنَّه، زوجها المحبَّ، هو سندُها الوحيدُ، وأنَّ الصدقَ والنبلَ أهمُّ من المظاهر. إلى أن لقيَ عديلَه الآخرَ واستوقفَه قائلاً:
– هل عرفت ؟؟
– ماذا ؟
– حنان في حالة انهيار.
ثم اقترب وهمس في أذنه جملة قالَها بابتسامة خبيثة.
الأستاذ حسن؟ هل هذا معقول ؟ لا يمكن.

 

عن أيمن قدره دانيال

كاتب - شاعر - اعلامي - عضو الاتحاد العام للاعلاميين العرب 2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!