قدرٌ  بلا معنى / بقلم : سامر ادوارد

آفاق حرة 

خرج الطفل الصغير, ذو الستة أعوام، أسمر البشرة نحيف القوام تنتشر الندوب على جميع أجزاء جسمه. فلم يعد جسد صبى رطبا لينا , بل جثة عجوز بال . خرج من كوخه القديم الذي تمر منه كل حالات الطقس صيف شتاء . ذهب الطفل هائما على وجهه  لا يعرف إلى أين المسير. لكنه لم يحتمل الجوع أكثر من ذلك. عرج بين القبور  لعله يهتدى إلى طريق يصل به إلى مبتغاه. وصل إلى الطريق الرئيسي  نظر إلى جانبيه عن اليمين و اليسار،  ربما يجد خبزاً أو عابرا في الشارع يحن عليه حتى لو بكسرة خبز جافة . وجد أكواما من القمامة ….  ما أكثرها  نبش بأنامله  الرقيقة  قلبها من جميع الاتجاهات  . فلم  يجد شيئا. فلربما زائر آخر قد سبقه إليها . أكمل الصبى الرحيل شاهد عن قرب بيوت العبيد وجدهم يأكلون و يشربون . اقترب منهم أكثر طالباً منهم أي شىء من ذلك الساقط من موائدهم . رفض الجميع إعطاءه أي شيء .

لماذا تحجرت قلوبهم هكذا؟

تجلت مشاعر الخوف في قلب الطفل شاهدهم وحوشا كاسرة بأنياب غادرة هرب منهم مسرعاً انعطف ناحية اليمين و أكمل المسير ، اهتدى إلى باب واسع ينتهي إلى طريق واسع منير  ,  شاهد الأضواء والزينة تملأ كل المكان.

بيوت جميلة وأبراج عظيمة، و ملاهٍ تملأ أرجاء المكان.  شاهد بيوت الجمال والفنادق .اقترب من أحد المطاعم الفاخرة،  مريدوها هم من يرتدون أجمل وأغلى الثياب. كانت رائحة الشواء تبهر العقول،  فما بالك بهذا الصبي الجائع المحروم  تسلل الصبي بين  أرجل الداخلين  محاولاً الفوز ولو بشيء بسيط،  قطعة خبز لا أكثر، أو بعض من الأحمر او الأخضر.

 

حتى من دون لحم . لاحظه عمال المطعم، جذبوه من بين الطاولات، لكموه وضربوه، و إلى خارج المطعم ألقوه كالكرة المطاطة.  فاصطدم بأرضية الجسر. نهض الطفل يعاود رحلة البحث عن الطعام.  جذ بته رائحة الخبز الساخن على بعد بضعة أمتار منه.  ذهب إليها، وجد فرنا عظيمة البناء, تقدم  كل المخبوزات الفاخرة.  تقدم الطفل بشجاعة  يدفعه الجوع القارص، مد يديه العاريتين، يسأل البائع خبزا، أرسله لصاحب الفرن , ضحك و طلب منه مالا مقابل الخبز. لم يفهم الصبي شيئا مد يده بإلحاح، و زام مثل القطة الرضيعة  عندما يبعدها أحد عن أمها. و لكن اعطاه رغيفا مشوه المعالم  فرح الطفل بالصيد الثمين،  أكله دون وعى  فلا عجب  لطفل لا يعرف معنى الذهب والفضة، فلم يشغل باله الاِ رغيف خبز، أو كوب لبن يملأ بطنه الخاوية.

مد السير إلى الشارع الطويل وجد الابراج الضخمة تجاورها الفنادق العظيمة، دخل إليها بكل بساطة لم يلاحظه أحد  صوت ضجيج عالٍ، و رقص و طبول وموسيقى، وحناجر تصـرخ بكلمات غير مفهومة، و أناس بوجوه غريبة و ثياب ليس لها معنى،  و طاولات ممتدة بطول الصالات الكبيرة وعليها كل أنواع الأطعمة الفاخرة . فاقت موائد الملوك. ها هو الصبى التائه بين جموع البشر. جرّته الرائحة إلى مبتغاه، مد يديه الصغيرتين الملوثتين بكل انواع القاذورات. وهو يجهل أي نوع من الأطعمة هذه. و قبل أن تصل هذه الأصابع الضعيفة الرقيقة النحيفة إلى مسعاها حتى صدتها ألوف الأيدي الضخمة القبيحة،  ترفض استكمال مسيرتها, يالحظ الطفل البائس.  صرخت تلك الأفواه صاحبة الأيدي البشعة، و تخرج منها رائحة قذرة . كيف لك أيها الغبي أن تتجرأ  لتأكل من طعام الملوك ؟

 

 

 

 

 

اشتد الغضب عليه, أمسكت  إحدى هذه  الأيدي المتوحشة الصبي من كتفه، ترفعه للأعلى ، ثم ألقته إلى الأسفل  فسقط في جوف خروف داخل صينية الأرز الكبيرة  دفن الصبى داخلها  تهاوت عليه جميع الأيدي  تتلقفه، واحدة تلو الأخرى.

قاموا بإلقائه في بهو الفندق العظيم، جحظت عيون الطفل،  و اغرورقت بالدموع، وقد سالت قطرات دم من أنفه و فمه . و انتشرت على وجهه،   أصبح ككرة لحماً بين مائدة الطعام، و بصوت واحد قيل له ؛ نم و استرح أيها الطفل الصغير فليس عندنا لك أكثر من ذلك ……….

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!