fbt

لحظة عامرة- بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

 

عمان / لصحيفة آفاق حرة
_____________________

تطلق العنان لدخان النرجيلة (الشيشة) باحتلال مساحة من أفق تسرح فيه نظراتي المستغرفة في تأمل شيء بعيد غير واضح الملامح.. تخمينات: يا إلهي.. إنه يشبه فيلًا.. لا.. لا.. أقرب ديناصور.. عندما رفع خرطومه تأكّدت منه.
بشراهة تنفث من فمها ما تشفطه بقوّة نفسها من الخرطوم الممتدّ إلى فمها.
خُيّل لي أنها بحالة عصبية غير مكترثة للنسمات المنطلقة من مياه البحيرة عن يمينها، ولا للصوت الشجيّ القادم من آلة تسجيل أدمنت أم كلثوم في مثل هذا الوقت من كلّ يوم. على الأقلّ منذ عشر سنوات في أوّل مرّة قدمتُ إلى هذا المقهى الهادئ؛ تنفيذًا لموعد هامٍّ آنذاك حسب اعتقادي.
نسمة رطبة مُسرعة أزاحت سُحُب الدخان.
“أوه..!! أين اختفى الفيل.. إنّهما فتاتان تتهامسان. اليمنى منهما تميل برأسها قليلًا إلى اليسار.. أظنّ أنّهما التصقتا، وراحت تحكي لها عن حبيبها المشحون بطلعة بهيّة منذ أوّل لقاء، إذا اشتبكت عيونهما”.
نهضتُ مُسرعًا دون استئذان من أحد، الكرسي المقابل لي ما زال شاغرًا، خمس دقائق طافت موعدي الذي أنتظره.
“مواعيدٌ كاذبةٌ.. لم تزل تَكْويني بالتأخير.. لكن لماذا أنتظر..!!؟، سَذاجتي تقودني في كلّ مرّة لموعد فاشل”.
ما زالت السيّدة تشفط الدّخان بعصبيّة.
– “أوووف”.
قرعَتْ سمعي تنافُسًا مع قرقرة النارجيلة، وأنا أقتربُ منها مُغادرًا المكان، ملامحُ خيبتي انعكست على عدسة نظّارتها السوداء.
ابتعدتُ. همْسُ الفتاتين يتناغم بصعوبة مع “أوف” السيّدة بتآلفٍ مُقلقٍ على ساحة تفكيري، وقرقرة النارجيلة طاغية، لم تترك لي مجالًا لاستعادة شكلي عن نظّارتها.
تشويش مُربِكُ أذهلني نسيانًا لهدفي.

عمان – الأردن
٢٠٢٠/٧/٢٣

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!