الشهادة الإبداعية  التي  قدمها  الشاعر  والفنان التشكيلي محمد العامري في  ديوان مقام الضباب للشاعر  علي الفاعوري

 

أشهد على خفته … وأراه
أن تشهد على الشعر  يعني  بالتأكيد  سوف تتورط  بارتكاب حالة القشعريرة التي كانت  تنتاب  الشاعر  حين  سكب تلك النصوص  في آنية  الألم ، فكيف لي أن أكون حمالا  لألم  الآخر  كونه  بكى  بمعزل  عن عينيك ، لكنني  سأقتفي  اثر البكاء  في غرفته  الشعرية  وأثلام القصيدة لأنها  تدلني على ابتلال  الورق  وتنهدات  الحروف وحرقة  الغياب ، لأنني عرفته في  لحظة الوجد … ينأى ، عرفت انه  يخبيئ  البكاء  في  حقيبته هناك ،  ولا يرى  سوى  شظايا  لمرآة  شربت  دفتر الذكريات ، فكان  على  شعر  في  جل  لحظاته  الغائرة  في  التذكر ، واستدراج لحظات بعيدة  كانت  قد هربت  منه في قميص  الشجرة حيث  يقول :
رأيتها  هناك …
ولم يكن في الليل  غير  نجمتين نامتا بقربها
ولم يكن  سوايا
وعندما أفقت  فوق  رملها
وجدتني  شظايا
تتحول العلامات في  نصه الشعري  الى فيوض للمعنى  والبنية  في أن  مشفوعه  بعمق الإستعارة والمجاز ، لذلك
نقبض على مناخات  علاماتية تتحرك لإثارة المعنى
ومدياته التأويلية ،  حيث  تصبح الأشياء  والقرائن  شاهدة على  حالة داخلية  خاصة في  لحظة الكتابة  وظروفها  الانسانية والعاطفية  وصولا  الى التساؤلات  المركبة  للوجود الماضوي  والآني ،  وأرى الى أنه  قد فتح  شباك الزمن ” الآن ”  على دفاتر  الزمن ” الماضي ”  ومزج بين انويتين  ليقدم أكسير حياته ووجوده عبر  أسئلة  تبدو  بسيطة للوهلة الأولى  لكنها  في  غاية  التعقيد  النفسي  بل  تصل  الى حد  الهلوسة  كندم متأخررممه  في  القصيدة ، لذلك  ظل  الشاعر  يمتح  من  ماضيه  ليروي  به  حاضره  المر .
فيقول :
أمشي  إليك  محتملا بصلاة أصحاب  قدامى
كل  ما في  الشعر بعض منك
يا  وجع اليتامى
فاليتم هنا دلالة صريحة على الواحدية  والوحدانية  والتحديق  في  الذات مباشرة  لتصبح مرآته  سبيل  التشاكي  الذي يفيض ليغذي  قصيدته  بعاطفة جحمية تنثال بشكل  متداع  لتؤجج  الأنثيالات  قوة  العاطفة  وفاعليتها ،  ويتحقق ذلك دراماتيكيا  عبر الإلتزام  بوحدة  الإيقاع الصافي .
ونرى إلى قوله :
فلا شيء  مثل البقاء  وحيدا بهذا  المساء
ولا شيء مثل البقاء  بقرب  القصيدة
فقهوتك المشتهاة
نبيذ قديم
وأشجار  ماء .
فلا تمر  القصيدة منه  إلا ومعها حفنة من  بكائه ،  كمن  تذكر  المسكوت  عنه  في ألم النفس  الغائرة  في  العزلة ، عزلة السوأل  عن الأنا والآخر ، فهو  يقوم  بمحض إرادته  باستدراج  الألم  والتلذذ به وذلك أقرب إلى المازوخية  الشعرية  في التعبير  عن الحالة  الشعورية  للشاعر  والنص  كوحدة  واحدة ،  ونراه  لا يتذكر  من أبيه  سوى  جملة الحنين  والبكاء  عليه ،  فهي  ظاهرة تراجيدية  في شعرية  الفاعوري  الذي استطاع أن يمرر  الألم للمتلقي  بصورة خفية ، حيث  يقول :
ذات  صيف  بعيد
شدني من يدي
وقال :
ستبكي  كثيرا  علي
يا بني
ثلاثون  صيفا  مضت  بعدها
وما زال  وجه أبي في  يدي
ما زال  وجه أبي  حنطتي
ورغيف  عيالي
يبقى  علي  الفاعوري  الذي تأخر  في إعلان  ديوانه الأول  يقدم  حزنه  بصورة جلية  كاحتجاج  على مشهدية  السواد في  الحالة العامة

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!