الأنا الهادئة / بقلم : محمد مجيد حسين

 

قراءة تحليلية لنص أنا  للشاعرة الرقيقة المائزة مايا خوري

 

أنا

أنا  التي  ترثي  النجوم  اذا  هوت

ندية  الزنبق  تململت

أنا

عذبة  الثغر

سلاف  الشهد

ضحكة  نامت  على  فمي  ومضت

اشياء  أشتاقها

 

تذوي  بين  جفن  الصبح وآخر  نظرات  الغسق

في  مطهر  نيرانك  توقدت

لتخترق  حتى  نسغ  ملاذي

تكون  لي  اخطائي

واعتذرت

اعتذرت عيناي  كثر  السؤال

الضارب  في  الضباب

ما قبلت  في  مدامعها  اعتذار

ليفلت  في  مهب  جنوني  الغرام

أنا

سلاف  الشهد

عذبة  الثغر

على اغصان  هذا الفم

ضحكة  نامت  على  فمي  ومضت

مايا خوري

الشعر ذاك الكائن المُتواري ما بين الوجع والأمنيات الهاربة  حيث يتوهج  الشهد في مملكة النحل هو السلافة المُخمرة على مدار الصدى المسترسل والمُنبعث من ينابيع القلوب الساحرة.

ثمة أسئلة تطرح نفسها هنا هل يملك الشعر من الأدوات ما يسمح بإعادة بناء القيم التي على أساسها أخذ الشعر مكانته في التاريخ وبنسب متفاوتة في مُختلف الحضارات هنا سنحاول إسقاط جملة من الأسئلة على نص الشاعرة الصديقة مايا خوري التي  استهلت  مُغامرتها هنا بضمير رفع منفصل  أنا وهذا الضمير عادة ما يُشكل نواة شرخ في منظومة التقارب الحسي ما بين الذات والآخر ولكن اقحام الضمير المنفصل هنا أحدثة هزة في وجدان المُتلقي حيث الأنا هنا تنسج نول التكامل مع الآخر المكمل والمستقبل للجمال في حوار صامت ( تكون لي أخطائي ) هنا تم كبح جماح الأنا لتغدو مساحة للحوار مع الآخر الحبيب الاعتراف  الإستباقي بوجود الأخطاء يؤسس ارضية التشارك ويقوض مفهوم التعالي في جوهر الأنا الأستطانية التي عادة تُبنى على إقصاء الآخر وبشكل مؤلم لكن شاعرتنا وفي مقطع آخر تواظب السير على الدرب الوعر من خلال

(واعتذرت

اعتذرت عيناي  كثر  السؤال

الضارب  في  الضباب  )

هنا ثمة ترويض عميق للأنا المتعالية من خلال اعتذرت عينايَّ فالعين تُشكل محور العلاقة مع الآخر وإذا ما بلغت العين النضوج الذي يحفزها على الاعتذار على كثرة الأسئلة الغامضة غير خاضعة لمنظومة المتطلبات ذات الأهمية التي تبنى الراحة النفسية على اساسها نستطيع أن نستسغ أبعاد الأنا التي تبحث عنها مايا خوري هي الذات الناقدة العاقلة.

لنتابع اسقطتنا

( أنا

سلاف  الشهد )

هنا تعود الأنا لنرجسيتها  ولكن من بوابة الجمال بعيداً عن ثقافة الأقصاء التي تهدم جسور التواصل مع الآخر فالسلاف والشهد رمزان تم توظيفهما هنا بنية ابراز سمات معينة في شخصية الشاعرة المنحدرة من ثقافة منفتحة تملك سمات التأقلم مع الآخر المختلف والمتطور.

 

(عذبة  الثغر

على اغصان  هذا الفم

ضحكة  نامت  على  فمي  ومضت )

بهذه القطعة الشعرية الدافئة تنهي شاعرتنا نصها هذا حيث تكمل شروط الواجب توفرها في النص الحديث  عبر هذه الصورة السرمدية  (ضحكة نامت على فمي ومضت ) هنا ثمة مسافة من الاشتهاء الباذخة بين الفعلين  نامت  ومضت  وهذان الفعلان مرتكزان على اغصان هذا الفم هنا ثمة تشبيه بليغ حيث بات الفم يوازي المساحة التي تأخذها الشجرة في الفراغ عادة هنا تعود مايا خوري إلى سحرها الروحي من خلال توظيف مُذهل لعضو جسدي وهو الفم ولكنها أضافت  إليه مساحة روحية عبر إيصال الفم بتخيل ساحر إلا وهو أغصانه والمتمثلة بالضحكة التي تنبعث من الفم وتتحرك معظم اعضاء الوجه لتعبير عن أثر موقف ما واحياناً تشارك حتى اليدين في حركة البهجة والتي تعكس حالة شعورية معينة

هذه مايا بدفئها السامقة ونقاء خطابها الشعري تدرك وتتدارك مفاتن الجمال المغروسة في الآخر ومن زوايا مختلفة , مايا خوري مشروع شاعرة متكاملة ببصمتها الوارفة وظل روحها الذي يبعث السكينة في النفوس القارئة في صميم توهج أشعة الشمس الحارقة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!