إهداء من الشاعر محمد النعيمي إلى الشاعر ناصر النجار

لصحيفة آفاق حرة:
_______________

الله واحدٌ
ونحن
اثنان ..
شبيه الروح كأنه للروميّ شمسٌ
كأنه صدى صوت..
مَنْ طالبَ بالنجاة وقت سكرةِ الموت الأخيرة ..
توأم التكوين..
طعم التوت بيدين طفل تلوَّن بالشقاء الشهيِّ ..
كأننا بلبلان في طريقٍ
نغرِّدُ كي نستريح ..
نقولُ ما تقوله غيمةٌ قبل وداعِ السماءْ ..
نقول المطر..
نقول الصفاء ..
نقول الحقيقة المدفونة
بعباءة أبي يزيد
الله واحدٌ
ونحن
اثنان..
نستقيمُ في الطريقِ عندما
نمتهنُ الحدادةَ
ونطرقُ حديدَ الحياةِ
كي يلين ..
فهل لي أن أقول لنصفِ الروحِ الشريدةِ الآويةِ إليكَ:
كلُّ عام وهي بخير ..
فنحنُ
العمرُ المنقسمُ كرغيفِ الخبزِ
بيدِ المسيح ..
جسدان يأكلان الوقت ذات الوقت قصائدَ
شوقا حزنا كرزا..
ويأكلنا شبحُ الزمنِ
الطويلِ فيعبثُ بالملامحِ
وكأنَّه يهددنا الرحيل
فلم يدرِ الزمنُ بأنَّ الرغيفَ
ٱيةُ الزاهدين..
لم يعلم بعد أننا نُعجنُ كلَّ يومٍ
ونحترق ونعيدُ تكوينَ الخبز لا لنحيا !!
بل ليأكلنا جوعُ الحياةِ ويشبع ..
ونعيدُ من جديدٍ تكوينَ الرغيفِ
ويقسمنا
نبيٌّ أراد أن نتشارك العشاءَ خبزًا وحبًّا..
فتقسمنا
يدُ المسيحِ من جديد ..
نصفين
جسدين
روحَيْن
ونحن نشكلُ الهُويةَ بعزف البلابلِ
نبوح الحقيقة أُغنيةً
يُظنُّ أنها لحنٌ خفيفٌ
لكنها وجعٌ دفين ..
كلُّ عام وهي بخيرٍ معك..
كلُّ عام ونصف الرغيف
يُسكتُ
جُوعَ القلوبِ فتشبعْ ..

م. نعيمي
__________
لا يُخفى على أحدٍ ممَّن يتتبع ظلَّ هذين الشاعرين الممهرين قصيدة النثر بأنَّ ثمَّة أثيرٌ ناقلٌ لعطريهما ذهابًا وإيابًا لا يتلمَّس عطره سواهما..
لطالما تبارزا شعرًا نثريًّا وأمتعانا برحلتهما التي يأخذانا بها على جناح عنقاء تسمو نحو سماء تضجُّ بصورهما الفنية معًا ..
والبادي البائن أنَّ قولًا يجمعهما بين ثناياه يحملان مفتاح فكَّ رموزه..
فيبدو أحدهما كما الجناح الأيمن يشرع باسم نبض الكَلَم الساحر ليلحقه الجناح الأيسر مرفرفًا دافعًا الهواء نحو الأرض قبل أن يغادرا هذا الكون المضرَّج بالدماء والممتلئ بالعويل والخيبات نحو واقع حالم ساحر اختارا أن يسكناه برضى وسكينة..
وليس أقرب إلى صورة تلك العلاقة بين النعيمي والنجَّار من علاقة الرومي بصاحبه التبريزي.. فاستحضرهما النعيمي هنا في هذا النص مقرِّبًا الصورة إلى أذهاننا، لتلك المحمولات الذهنية التي تجلَّت في ذاكرة العقل العربيِّ المطلع على تجربة المتصوفين : الرومي والتبريزي..
فقطعَ بذلك أشواطًا وفَّرت عليه الشرح والتبيان حين استحضر صورة الأخيرين وأطَّر بهما اللوحة التي سنقف أمامها مستقرئين رحلة النعيمي والنجَّار في علاقتهما الفريدة وتجربتهما الشعريَّة، حين يدفع أحدهما مدادَ الآخر نحو الجمال البديع والحسِّ المرهف الأثر في أحايين كثيرة متكررة..
وقد جاء النعيمي في هذا النصِّ بصورٍ مكثَّفة اختزلت الخطاب المراد في نداءاته المتتابعة والمتجولة بين: شبيه الروح..وصدى الصوت.. وتوأم التكوين.. وبلبلين يغردان معًا ليصلا الواقع بالصورة المتخيلة التي يرسماها واقفين جنبًا إلى جنب فوق غصنهما.. كلَّما تفتت رغيفهما الذي يقتان عليه أعاداه من جديد صورة أخرى وتشاركا الغداء كما تشارك تلاميذ عيسى خبز العشاء الأخير..
ليشكِّلا رؤيةً شعريَّة فنيَّة متناغمة تناغمًا يشفُّ عن هُوية مشتركة تبين كلَّما تراشقا القصيد بينهما..
ولعلَّ هذا التناغم بين النجار والنعيمي يشبه أكثر ما يشبه تناغمًا حادثًا بين عازفي آلتين موسيقى تسدُّ إحداهما ثغرةً شذَّت عن نَفَسٍ اختنق بين نوتتين حين لم يتسنَّ للعازفِ التقاط أنفاسه أثناء أمسية موسيقية رائقة ساحرة..
دمتما بخير مبدعين معًا .. وكل عام وأنتما بخير وألفة..

د.ريمان عاشور
اسطنبول/ ١٣-٩ من عام الجائحة

عن هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!