الذئاب و لكلاب / بقلم : نصرية ساسي

في إحدى العصور الذهبية التي لم نسمع عنها إلا في الكتب التاريخية أو الأسطورية ..قرر مجلس شعب حين رأى العدل منتشرا في المدينة واطمأن إلى أن المساواةِ متفشية بالسليقة أن يتخلصوا من كل كلاب المملكة حتى يتسنى لأطفالهم و نسائهم العيش بسلام آمنين …و التجول في الغابات و البساتين سالمين . ودارت الايام و السنون حتى مات ذلك الملك العادل..فحزن الشعب كثيرا و اعلنوا الحداد لعام كامل …و لم يكن من مواساة لهم سوى توسمهم كل خير في وريث الملك الشرعي وهو شاب في مقتبل العمر ..قوي و وسيم تلقى دراسته في بلاد اجنبية ..عرفت بدعوتها و تسويقها لمبادئ العدل و الحرية …و لكنهم لم يكونوا يعلمون ان ولي العهد طيلة فترة دراسته الموهومة كان يقضي ليالي حمراء في العلب الليلية و كان ينفق المال الذي كان يرسله له الملك على فتيات الليل الشقية إلى ان ادمن شرب الخمر و الحشيش و السهر و الكسل …..وكانت سفرته على مافيش.
تظاهر الملك الشاب في ايامه الاولى بالورع و التقوى ليكسب قلوب الشعب كأبيه …و ليتمكن من أسرار المملكة و كسب ثقة حاشيته و ذويه…فكان يقوى على نفسه كثيرا لخبث في نفسه و شره في غريزته ..و ما إن استبد بالحكم حتى أطلق العنان لشهواته ..و أشعل الاضواء الحمراء لسهراته ..و أخذ يسقي بماء الحياة نزواته…فكبر شجعه و كبرت معه النفوس الخبيثة حتى تكاثرت الذئاب من حوله كالذباب و زينت له هرجه و مرجه تحت ستارة الاصحاب…و اصبحت الذئاب البشرية تنهش عرضه و شرفه و تشرب دمه حتى نفد ما معه و اذعن في إفساد مال الشعب …الذي كان يتكبد شديد العناء و التعب …
ضجر الشعب حين اشتم رائحة المجون و الجنون.. وتمللمل حين أحس بوقوع الخطر و اقتراب شديد الضرر.
و ذات أمسية ، كانت الرياح فيها شرقية ..و النسمات كانت سحرية …اجتمع من بقي صالحا من نواب الشعب ..و كان اغلبهم من الشيوخ الهرمة ..من ذوي العقول متمرسة… شرعوا يفكرون في وسيلة للتخلص من هذه البذرة العفنة و العبوربسلام من هذه الورطة النتنة…و لم يجدوا بدا من الإعلان عن الخطة بكل جد و جدية ..تقدم اكبرهم سنا و كان عاقلا فخطب بصوت مرتعش قائلا :
-أيها الشعب ،لقد أخطأنا حين قتلنا كلابنا ..فقد كانت حمى لديارنا و شياهنا !و كانت أأمن لحياة اولادنا و نسائنا ..يالغبائنا ..لقد رسمنا بذلك عارنا !و لنطلق لذلك حملة او دعوة لتربية الكلاب بين شرائح الرعية و ليكن ذلك فرضا لا فضلا. ..لعلها تكبر يوما ما و تريحنا من هذه الذئاب …لقد سئمنا فعلا من هذا العذاب …
ثم ألقى بصوت عال بعض الدعوات و أطلق من عينيه سيلا من العبرات و نزل من المنبر متثاقل الخطوات وهو يتمتم ببعض الكلمات:
آسف يا وطني ..
التهمتك ذئاب
بدون مخالب
و لا انياب
و نحن ماذا سنفعل ؟
سننتظر خلاصك
بانتظار حلول بعض
الكلاب…
آه !من هذا العذاب!
حتى الخلاص
سراب في سراب.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!