البيان الأنثوي والإيغال بالتخيل / كتب : فتحي حمزاوي في قصيدة رنيم أبو خضير

 

 

“بيان” مُضاعفٌ تشكّلت منه مختلف الصّور الشّعرية في هذه القصيدة. وقد رصدنا أشكال هذه المضاعفة في مستويين على الأقلّ:

* تجلّي البيان في تعدّد أشكال الحضور المختلفة للمجاز، استعارةً وتشبيها وكنايةً

* تجلّيه أيضا في الإيغال بالتّخييل إلى أقصى مناطقه، حيث تميّز ذاك التّخييل بالمفاجئة من ناحية، وبالغرابة واللّامنطق من ناحية ثانية.

وسأقف على بعض الصّور الشعريّة التي توفّرتْ على هذه الخاصّيات لأبرهن على حضور الخصائص المُشار إليها:

1 على منوال التّشبيه:

أ/ ” الوحدة تسيل مثل دم بين أفخاذ امرأة وحيدة تحيض”، تشبيه تمثيلي بين مشهدين مُركّبين:

– المشبّه صورة الوحدة وهي تسري في روح الشّاعرة تهيمن عليها بالكلّية وتشملها نهائيّا

– المشبّه به دم الحيض المتدفّق على ضفاف أفخاذ امرأة هي أيضا وحيدة.

تتأتّى الغرابة في التّشبيه من تشخيص المشبّه المجرّد/الوحدة وبثّ حركة الحياة فيه من خلال نسبة فعل ” السّيلان” إليه، وهو فعل حيويّ وإن كان يلعب دور القتل النّفسير والتّدمير الشّعوري في عالم الشّاعرة الدّاخليّ. وتزداد الغرابة في اقترانها بدقّة اختيار الشّاعرة وجرأتها في التقاط المشبّه به وتصيّد مرجعيّته غير المتوقّعة إذ كانت بقلم ” الأنثى”، أتحدّث عن مشهد مسيل دم الحيض على الفخذين بالرّائحة التي لا تعرفها إلّا المرأة وبالألم الذي لا تكابده إلّا إيّاها. إنّ الشّاعرة تستلّ من عالمها الخاصّ جدّا صورة يندر على الآخر أن يتمثّلها، وهي بذلك تقدّم أدبا بروح صادقة وحقيقية للمرأة.

وإذا أدركنا طقس الحيض ولحظات وقوعه وكيفيّاته وما يرافقه من أحوال نفسية وجسديّة أدركنا معنى ” الوحدة” وفعلها ومدى اتّساع دلالات المعنى فيها وعمقَ إيحائاتها. ويتمادى عمق التّشبيه في غير مساحته حتّى تبلغ الوحدة في مسيلها إلى ” الأثداء” فتمسّ منبع الحليب ومصدر الحياة… هذا هو عمق الصّورة واحتمالها لأقوى دلالات الإحساس بالموت.

ب/ ” القلب حضيرة”/ ” الفستان فوق العلاقة جثّة هامدة…”. تشبيهان بليغان ليس فيهما إلّا الرّكنان الأساسيان، حيث لا أداة ولا وجه شبه، وحيث يتّحد المشبّه والمشبّه حتّى يصيران واحدا وتلك أقوى درجات الطّرافة.

حين يتحوّل القلب إلى حضيرة لثور واحد، وحين يتحوّل الفستان إلى جثّة هامدة، فذلك يضعنا في أغرب مناطق التّخييل وفي أقوى مواضع السّؤال.

الحضيرة بروثها وروائحها ودلالتها على الغريزة والحياة هي المآل الذي ينتهي إليه القلب، وفي الآن نفسه يصبح الآخر ثورا يرتاد تلك الحضيرة. إنّ دقّة الاختيار وتأثيث عالم العلاقة العاطفية على هذا الرّسم يسمح بأن يعطي لتلك العلاقة إمكانيات أخرى للتّمثّل وللتّسميّة والتّصوّر، يمنحها أثاثا جديدا وموقعا غير منتظر في الخارطة التّخييلية في مساحة عالم ” الأنا والآخر.

القصيدة تزخر ب” البيان” ” الأنثويّ” اخترت منه ظاهرة التّشبيه ليكون مدخلا لفهم آليات التخييل وكيفياته عند المرأة من خلال الشاعرة رنيم أبو خضير، ولم أتابع ظاهرة الاستعارة وهي مكثّفة في القصيدة وحُبلى بالدّلالات. أعِدُ بالعودة إلى ذلك في مناسبة أخرى إن شاء الله.

 

 

 

لا ماء في بيتنا

بدموعي

تسبح الأسماك الوحيدة

..

 

هناك الفه بيني

وبين الوحدة

نشد على رسغ بعضنا.

..

الموج هادئ

لا اصوات لانين الحزن

في قلب سمكة اصطيد

حبها

هذا قلب

حظيرة

لثور وحيد

..

الفستان فوق العلاقة

جثة

هامدة

خلعتها عن جسدها

 

..

 

 

الوحدة تسيل

مثل دم

بين افخاذ

امرأة وحيدة

تحيض

 

 

صورتك

وسيجارة في فمي

ونصف جسدي العاري

اسكر

في خمر الغياب

ولا اصحو

..

 

 

فيلم وثائقي

تضحك الصبية

على نضوج الحزن في صدرها

تمسك اثداء معبئة بالوحدة

وترقص

 

انجبت الحب

طفل الخطيئة

من قلب لا يعرفه

 

….

 

كبرنا على أن نهرب الى احضان امهاتنا

خوفا

الليل رجلا فحل فاجر لا يرحم..

 

‏رنيم ابوخضير‏i‎‏.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!