{ الشعر وصيّادو رفيف الكلمة / محض رأي } بقلم الأديب والشاعر باسم الفضلي

{ الشعر وصيّادو رفيف الكلمة / محض رأي }

هناك ممن يدعون انهم نقاد ، يوهمون الاخرين بانهم ارباب الشعر ، رُفعت بينهم وبينه السّتُر ، فباح لهم باتعبيرية سرار مبناه ، وخصهم بخفايا صنعته ومعناه ، لهم وحدهم القول الفصل في تحديد شاعرية فلان ، ولاشاعرية علّان ، جلادون لمن خالفهم في احكامهم، مكفّرون من أعرض عن الأخذ بآرائهم ، لايفهمون الشعر الا انه جنس خطاب ادبي مُرسَل له ضوابط و قواعد تعبيرية { جمالية ، فنية ، ايقاعية نغمية ) ماقبلية ( موروثة ) ، وهي عندهم احكام عابرة للزمن ( مقدسة ) تصلح ان تكون مرجعيةّ نقدية وحيدة ، باعتمادهم معاييرها، يتم قبول / رفض ، المنجز الشعري ، في كل اوان ومكان ، و ما يجهله هؤلاء او يتجاهلونه ، انه منذ الايام الاولى لولادة ( النقد الادبي ) حاول كبار المنظرين والمهتمين بموضوعة الفن الشعري ، ومن اوائلهم النقاد ، ان يضعوا تعريفا محدداً متفقاً عليه لمفهوم الشعر،غير انهم فشلوا ، بما فيهم ـ أرسطو- صاحب كتاب / فن الشعر ، وجاءت تعاريفهم مختلفة أو متفاوتة ، ولم يتفقوا على تعريف محدد ، بسبب اختلافهم بدرجة وعيهم العام ، وتفاوت أمزجتهم وثقافاتهم العامة. وحتى ـ وبالتالي يبقى احتكار معناه ، من قبل بعض المتوهمين ممن يتبجحون بأنهم نقاد، وفرض وصايتهم عليه، ضرباً من الادعاء الاجوف ونوعاً من السلطوية المستبدة ، والتي تمثل صدىً لسلطوية المؤسسات الحاكمة في عالمنا العربي المنكفئ حضارياً ،أدمن اجترار امجاد ماضٍ اندرس ، ويتباهى بانغلاقيته عن كل ماهو متطورفي الحياة ، فالشعراسمى من ان يُعتقل في(اقفاص) التقنين الماقبلي ، لانه بطبعه متمرد، ينزع للتحليق في فضاءات الحرية والتجديد، وهنا يحضرني قول الناقد المعروف عبدالله الكسواني :(( إن أكثر ما يثير غثياني هو ذلك الجمع الغفير من النقاد الذين يتجمعون على قصيدة ما لشاعر ما بالنقد السلبي أو الإيجابي وترى الشاعر وقصيدته براء من كل ما قالوه فيه وفيها سواء أكان مدحاً أو ذماً )) ويتابع قوله : (( ولكن رغم هذا الكم الهائل من طحالب النقاد تجد نبتاً حنونا صادقاً من النقاد وهم قليلون ، ترى الناقد منهم مبتكر وموهوب ولا يتسم بالبلادة والنمطية والقلب الاسود وضيق الأفق كمعظم النقاد الآخرين ، هؤلاء القلة يعتد بهم شاعر القصيدة حتى ولو جرحوه وذموه ، لأنه يلمس فيهم الذكاء والصدق والحق والإبتكار )) ، فالشعر عندي مرادف تعبيري للحرية ، فهو انفلات من كل قيد ، كشف عن عوالم عذراء ، ومتقاطع مع ( الآخر) المتسلط تحت اي مسمى .
ولغرض توضيح نسبية المعايير النقدية ، وان الشعر كنزوع ابداعي متماهٍ مع الانعتاق والتمرد على ( قفصية ) القياسات الماقبلية ، سأكتفي بعقد موازنة على المستويين الصوتي والمعنوي ، بين دلالة (الايقاع ) في الشعر الكلاسيكي
( العروضي ) ، و الحداثوي ، واظنها تكفي للتدليل على ما ذهبت اليه في ان
الشعر/ الحرية ، مترادفان تعبيريان :
يُعتبَر النص الشعري كائناً حياً كيفما كان بناؤه الشكلي ، له ايقاعاته الصوتية المتناغمة مع انفعالات الشاعرالنفسية ؛ احاسيس ، توترات وهواجس وجدانية ،المتصارعة في اعماق ذاته الداخلية ،وهي ايقاعات تكسر القواعد المألوفة في الموسقة العروضية والتفعيلية في الشعر الكلاسيكي ، منها
– ايقاعات انغام حروف الكلمات في الجملة والمقطع ، في بنية النص السطحية وهي مترابطة فيما بينها بعلاقات تجاورية متضايفةً ( مضاف / مضاف اليه) ، متعاطفة ( معطوف / معطوف عليه) اومتساندةً ( مسند اليه / مسند ) وغيرها ضمن السياق اللغوي النصي ، وتكون دلالاتها النفسية متلازمة حسياً مع انفعالات الشاعر كما اسلفت
– ايقاعات بصرية / مكانية ، تستشعرها العين من خلال ( طول / قصر ) السطور ، البياضات ( المساحات الفراغية غير المكتوبة ) وكيفية توزيعها على سطح النص ، بقصدية تشاكلية مع امتداد / قِصر ، دلالات العبارة المعنوية
هذا التنوع الايقاعي ، تُنتجه انفعالية الجملة ، او العبارة ، في السياق العاطفي للنص ، خلال سيرورة الحدث الشعري ، اي انه نتاج آني ( آن كتابة النص / اي
وقت كتابته ) ، وهو مغاير لمألوفية الانغام الثابتة التي كان المتلقي يتوقع تكرارها مع كل بيت في القصيدة الكلاسيكية ، وهي نتاج الايقاع العروضي الخارجي السابق لآن النص ( ماقبلي / موروث ) ، والشاعر يقوم باستحضار اوزانه لكي ينظم ابيات قصيدته ايقاعياً بما يطابق انغام كل وزن) ، وهذا يجعل العنصر الموسيقي يطغى على العنصر الدلالي فيها.وكم يضطر الشعراء في كثيرمن الاحيان لتعديل او تبديل مفردة او اكثر، كانت تخدم المعنى الذي يريد ، والاتيان بأخرى لتناسب الوزن على حساب ذلك المعنى .
واوجزفي ادناه ماسبق ذكره بخصوص الايقاع بنوعيه الكلاسيكي الخارجي ( العروضي ) ، و الحداثوي الداخلي ( الصوت بصري ):
ـ الايقاع الخارجي بنية صوتية محسوسة مألوفة ،سابقة لوقت فعل الكتابة النصية ، اما الايقاع الداخلي فهو بنية ( صوتية / بصرية ) ، منتجَة في آن / وقت كتابة النص
ـ الايقاع الخارجي بنية موسيقية تتصف بالتحديد النغمي ( لكل بحر عروضي انغام محددة ثابتة لاتتغير في جميع ابيات القصيدة) ، اما الايقاع الداخلي فانه بنية غير قابلة للتحديد حتى داخل العبارة الواحدة ، وهو متنوع يعمّق ويعبر عن دلالات المفردات في سياقها النصي العاطفي
– الخارجي متبوع ( المعنى يتبع الايقاع ) ،على العكس من الداخلي فهو يتبع المعنى
اخيراً:
يبقىى اللشعر كخفقة العبير في مجرة الضياء ،اكبر من ان يترجم معناه تعريف علمي ، او ان يقيد هديله صيّادوا الكلمة الحرة .
ـ باسم الفضلي العراقي ـ

عن نوار الشاطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!