رواية  ” فوق الأرض” للمقداد: تنميط فكرة الأثر ومعالجته

 

آفاق  حرة

” التُّهم تلاحقني، تمنيت أن لا يلاحقني أحدٌ في حياتي” بهذه العبارة الموجزة تتفتح أيقونات العمل الروائي الجديد ” فوق الأرض” للروائي محمد فتحي المقداد، وهو يحاول اقتناص كل ما هو جوهري وتاريخي وامتلاك الشكل الروائي الصارخ بذاتيته.

الرواية ذاتها والتي تقع في “256” صفحة من القطع الوسط، الصادرة عن مكتبة الطلبة الجامعية في إربد، تتناول في سرودها المتنوعة بين اللغة الدالة والصورة المتخيلة للشخوص والأمكنة، والرمز وإسقاطاته، والوهج الشعري وملحقاته من تشكيلات لغوية قارّة في بنية السرد والحوار، تتناول الحدث السوري والتأكيد على فكرة الثورة السورية في بداياتها قبل أن يرفع السلاح ليبدأ العنف والعنف المضاد، مما خلق حالات فظيعة من التهجير القسريّ انتشرت على مختلف بقاع الدّنيا.

يبتعد الروائي المقداد في عمله الجديد، وبأسلوب حداثي، عن النقل المباشر للحدث المنبثق من الواقع، مقدماً الفكرة فيها من خلال الاشتغال على المونولوجات الداخليّة للأبطال، مما يساهم في خلق وتيرة من التعاطف مع الشخوص وهي تسعى إلى تجذير فكرة الأنا القلقة التي تعيش في سياقات المرايا المتحوّلة.

تتلمس الشخصيات في عبورها لأنماط التفكير في العمل الروائي الذي استوحى الكاتب عنوانه من خلال مهنته، إذ يعمل حلاقاً في مدينة إربد”، حينما سأل زبوناً جلس على كرسي الحلاقة لقصّ شعره عن حاله، أجابه: (فوق الأرض)، ولم تكد الكلمة تلامس سمعه حتى سارع إلى تدوينها في دفتره الخاص، ليقفو أثرها بعد بحث مستمر في الذاكرة المرئية والمعرفية لتحولات الذات، مزيجاً من الواقع والخيال، الخيال الذي يستند بجملته إلى كثير من الواقع المرئي والمحسوس، حيث يقف الروائي على نمطية تساوى الأمور فوق الأرض أو تحتها، كما هو في الحالة السورية التي يطل على شرفاتها.

 

وفي مقابل دوائر الظلم والسجن والقمع والتهجير ينتبه الروائي إلى مسارب الكتابة، تباريحها ونواحها وحزنها وسرورها، لأنها مرارة الذكريات التي استدار معها إلى مونولوج سردي لتخرج من عباءة الطابع الشخصي، مقدما بنيتها المعرفية والدلالية من خلال إقامة شبكة من العلاقات النصية المتداخلة فيما بينها، وإبراز الملامح الكلية للعمل من خلال تفريغ السردي الخالص في عملية الاستدراك التي ربما تضيع معها عمومية الفكرة التي جمعها في سياق حوار تلفزيوني يقف على البدايات والنهايات لكل شخصية في العمل، الشخصية التي اجتمعت في شخصيات متعددة تميزت بأداء أدوارها دون فوارق تذكر لأنها محمولة على جناح متفق عليه، فمن الهجرة، وأثر سنوات الغربة، واختلاف النمط المعيشي بين الأمكنة، وتجدد الرؤية لما يحدث من نظرة المهاجر لهذه البوتقات المغلقة، وتتبعه لرومانسيات الأعمال الفنية لتنميط فكرة الأمل، إلى جانب استلال الأحداث وتعقبها، كل ذلك كان مبنياً على لحظة أمل واحدة تحددها أجراس العودة.

 

يشار أن الروائي المقداد أصدر قبل هذه الرواية عددا من الروايات، وهي: “بين بوابتين”، و”دع الأزهار تتفتح”، و”دوامة الأوغاد و”شاهد على العتمة” التي صدرت في بغداد، و”الطريق إلى الزعتري”، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين إحداهما بعنوان “زوايا دائرية”، والأخرى “سراب الشاخصات”، إلى ذلك أصدر كتاباً نقدياً بعنوان “مقالات ملفقة”، وكتاباً يضم مجموعة من أقاصيص جعل لها عنوانا لافتا هو ” بتوقيت بُصرى”، وهو عبارة عن التقاطات حياتيّة من واقع المجتمع السوريّ المرير فيما قبل 2011م.

 عن / جريدة الرأي 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!