في المنعطف الأخير المؤدي إلى البحر/ بقلم: عاصم العبوتي /المغرب

جريدة آفاق حرة 

 

يكسو السماء بعض الضباب؛ عروق السماء تلك؛ كذاك سمعت طفلة صغيرة تقول لأمها؛ عروق السماء يا أمي؛ ولكنها بيضاء؛ ربما لأنها عروق الله؛ الأطفال ملائكة؛ فاتني أن أكون إنسان فما بالكم ملاك؛ الملائكة رأتهم أمي في حلمها الخفيف؛ زعمت أنهن آتيات لخطف جدتي؛ يومها بالضبط انتقلت إلى باريها؛ أنا الآن أتحسس بعض عظيماتي؛ وجهي لم يصر بشعيرات قنفذ في آخر أيامه؛ حين سألتني أمي: هل لازلت بلحيتك؟ لا حلقتها لتنمو من جديد؛ جيد الآن ستصير إنسان؛ تداركت الأمر؛ أخشى أن يعتقلوك بتهمة أنك إرهابي؛ سوف ينفرون منك؛ لا أنثى ستنظر إليك تضحك بشدة؛ ستخيفهن يا بني؛ حلقها أفضل؛ أبي يرفض أن أحلقها كلها؛ أنت لست عروس لتترك خديك أملسين؛ اترك بعض اللحية لتنمو لكن لا تدعها تتكاثر حتى لا ينفر منك الناس؛ لا أدري ما العلاقة بين نفور الناس ومظهري؟ مع أنهم ينفرون مني باللحية أو بدونها، وهل أنا من اختار مظهري وشكلي؟ إنه الله! أليس هو الله الذي يصور ويوزع الأرزاق؟ هو لم يحرمن لكنه لم يغدق علي كما غدق على فلان ولم يحرمن كما حرم فلان؛ بين نارين إذا؛ بين جدارين صلبين لا يخشيان هزة أرضية؛ وإن سقط جدار مات الفقراء بفقرهم؛ وما أكذب أن الفقراء يدخلون الجنة أولا؛ إنها كذبة لا غير؛ الجميع في قبورهم سواسية أليس كذلك؟ إذا هم أيضا سواسية أمام الله..

المطر لا يهطل؛ يبرد الطقس شيئا فشيئا؛ تنزع القمصان الخفيفة وتلبس المعاطف القديمة؛ في معطفي وجدت زرا ورسالة؛ تلك الرسالة كتبتها لحبيبتي ولم أرسلها؛ كتبتها في مولاي يعقوب فاس ودسستها فور عودتي إلى الريف في جيب معطفي، نسيتها ولم أنس حبيبتي؛ كانت تحضرني في كل الأوقات؛ الرسالة كما كتبتها: “أهلا حبيبتي؛ وصلت أخيرا إلى مولاي يعقوب فاس؛ سأكمد عظيماتي في الحامة؛ ثم سأنام في بيت اكتريناه هنا؛ الجو حار للغاية؛ لم أجلب معي ملابس إضافية؛ حين غادرت بوكيدان لم يدر في خلدي أن أقطع هذه الكيلومترات؛ لذلك أرجو أن تقبلي مظهري هذا؛ إني لا أقبل به أيضا؛ لكني مكره أحيانا، أتدرين ماذا قالت لي صديقة حين رآتني: صرت قبيحا؛ قلت لها في وجه حبيبتي أنا جميل وهذا يكفي؛ هل حقا يكفيك أنا؟ حسنا إني لست مستاء منها فهي لا تعني لي شيئا سوى أنها ذات يوم كانت تقول لي يا صديقي؛ حبيبتي أشتاق إليك لكني لا أستطيع أن أكتب إليك؛ أخشى أن أجرحك أكثر من جرح إهمالي لك طيلة هذه الأسابيع؛ لكني لازلت أحبك؛ أرجو أن تكوني بخير وأن تكون عيناك زادت اتساعا؛ إني أعرف أنك لن تغفري لي كل هذا الغياب؛ لكن اعلمي أن حجم فشلي في العثور على عمل سلبني كل قوتي؛ صرت عاجزا أن أقول حتى أحبك؛ لكني كنت أترجم كل هذا إلى ساعات من الأرق؛ أنت حاضرة في فاس؛ سأنام الآن علني أحضى بدقيقة حديث معك.” في المنعطف الأخير المؤدي إلى البحر كانت أفواج تسير؛ لا أحد يمضي وحيدا غيري؛ وحيد نشاز بينهم؛ صار ينفر مني الذين أعرفهم؛ وحتى أنفر منهم أيضا وضعت سماعات أذن؛ حتى لا أسمع لسبابهم ولا لاستهزائهم؛ بين الفينة والأخرى وحين أصل إلى جماعة أعرف أنهم يتحدثون لغتي؛ أوقف الموسيقى؛ ما سمعته أول طالبة تقول: لا أدري لماذا يتجهالنا؟ كأنه ميلان كونديرا! يا لا غروره المفرط؛ استدرت إليها؛ نظرة واحدة كانت كافية لتتعثر؛ ثم التفتت إلى صديقتها توبخها وتضربها في خصرها: “يا ابنة الحرام قلت لي لن يسمعنا؛ ها هو سمع تفووو عليك يا زبل” مضيت دون أن أشغل الموسيقى؛ كان صخب الشارع يطغي على كلمات صباح فخري؛ قدك المياس يا عمري؛ كان قد حبيبتي مرسوما في راحة يدي؛ وكقارئة الكف كنت أمد يدي إلى بعيد وأقابله إلى وجهي وأتجهم: إني لست زوهري؛ وزهرتي ذبلت حين كففت عن سقيها؛ نفذ مائي وقتها؛ حين تدفقت المياه كانت الزهرة قد اقتلعت من جذورها..

 

عن ناصر ميسر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!