خذوا المالَ وأعطونا البلد / بقلم : د.عاطف الدرابسة

قالَ لها :
لم أعُد أتنفَّس من رئَتَيَّ
لم أعُد أُفكّر بعقلي
لم أعُد أعشقُ بقلبي
فأنا مُحاصرٌ بكائناتٍ
لا تُقيمُ إلَّا في الظَّلام ..
هذهِ لُغتي نزعوا منها
كبريائي
وكبرياءَها
وحكموا على المعاني بالذُّلِّ
وحكموا على الرُّؤى
بالسِّجنِ المؤبَّدِ
وحاصروا حكمتي بالغباء ..
أستلهمُ وجعي لأكتبَ تاريخي
وتاريخَكم
وأرسمَ ملامحَكم في المدنِ الموبوءةِ :
بالقهرِ
والفقرِ
والظُّلمِ
والانتظار ..
غصَّ السُّؤالُ في خاطري
وانطفأَ جمرُ الخيال
وبقيتُ وحيداً دونَ اختيار
أقرأُ روايةَ العُزلةِ
وأستلهمُ النِّفاق ..
أسألُ عن سماءٍ
تتَّسعُ لنجومي
وأقماري
أسألُ عن ليلٍ
يحمي أحلامي
أسألُ عن فجرٍ
يُخرجني من عُزلتي
ويحتوي أحزاني ..
أسألُ عن بلدٍ
يقفُ في وجهِ البعوضِ
كي لا تتلوَّثَ دمائي
أسألُ عن طُغاةٍ
 يتواطؤون على عقلي
ووجداني ..
أسألُ عن مدينةٍ
لا تستغلُّ محنَتي
ولا تستثمرُ فقري
وبؤسي
وآلامي ..
كُلُّ شيءٍ يخذلُني :
أنتِ
عقلي
لُغتي
عُزلتي
وجهُ أُمِّي
بلدي
آهٍ يا بلدي
يا صمتَ الشَّوارعِ
والمقاهي
والمدارسِ
والجامعاتِ
والأسواقِ
يا قهرَ السُّهول
من سرقَ منكَ الحطبَ ؟
من أطفأَ النَّارَ ؟
من أكلَ اللِّحاءَ
وأوراقَ الشَّجر ؟
كلَّما زرعنا زهرةً في رصيفِ الوطنِ
سرقوا عطرَها
كلَّما رسمنا بسمةً في وجهِ البلدِ
سرقوا فرحتَها
كلَّما أشعلنا القناديلَ في قلبِ البلدِ
أطفؤوا بجهلِهم نارَ القناديل ..
آهٍ يا بلدي
ما زلنا على العهدِ لن نخون
أقسمنا بدمعِ العُيون
ووجعِ الأسنانِ
وقسوةِ المساميرِ التي دُقَّت في العظام
أقسمنا بكلِّ هذا الجنون
أن نرويَكِ من عطشِنا
فهذا العطشُ الذي يسري في عروقِ المقهورين
ما كانَ إلَّا غيثاً
ومطراً مجنونْ ..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!