سهرة العربي النجّار للشّعر والتّراث/ سهرة الوفاء لذاكرة الشّعر في العالية

تونس –  كتبت  وهيبة  قوية

إيقاع أوزاليس المهرجان:

عاشت العالية ولاية بنزرت خلال هذا الأسبوع على إيقاع مهرجان الصّيف “أوزاليس” في نسخته الثلاثين من 23/08 إلى 30/08/ 2017 وقد تنوّع برنامج المهرجان الفنّي والثّقافيّ، فشمل عروضا موسيقيّة من الموسيقى التونسيّة الأصيلة والشبابيّة العصريّة والمغربيّة كما شمل عروضا مسرحيّة وكان الملعب الرّياضي بالعالية مسرحا لهذه العروض الّتي حاولت إرضاء ذائقة الجمهور من مختلف الأعمار والاهتمامات.

 

سهرة العربي النجّار للشّعر والتّراث:

أمّا سهرة المهرجان المميّزة والّتي تعهّدتها إدارة المهرجان برعايتها منذ أربع سنوات فهي سهرة العربي النجّار للشّعر والتّراث، وكان ذلك يوم الأحد 27 /08/ 2017 وقد احتضنها فضاء بلديّة العالية وحضرها مجموعة من شعراء نادي الشّعر: أبو القاسم الشابّي، تونس وهم الشّعراء أبو أمين البجاوي، محمّد مامي، عبد الحكيم زريّر، ورئيسة النّادي ابنة العالية الشّاعرة وهيبة قويّة، كما شارك في  السّهرة رئيس منظّمة شعراء بلا حدود الشاعر الفلسطينيّ محمود النّجّار.

 

سهرة الوفاء:

للسّنة الرّابعة على التّوالي تُحيي العالية خلال سهرات مهرجان أوزاليس سهرة الوفاء لشاعر مدينة العالية العربي النّجّار (1838 – 1916)

“ويعدّ العربي النجّار من مشاهير الشّعر الملحون في تونس وديوانه الضّخم المخطوط الّذي جُمع أغلبه بسعي من وزارة الثقافة يمثّل نماذج حيّة من تراثنا الشّعبيّ الّذي يصلح أن يكون مرجعا من مراجع التّاريخ الهامّة، فقد نظّم العربي النجّار عديد القصائد في شتّى أغراض الشعر من غزل ووصف وهجاء واجتماعيات ودينيات وأبدع خاصّة في وصف الخيل وفي وداع الأحباب، وفي الغزل الذي يسمى في اصطلاح شعراء الملحون: الأخضر…” (أعلام من بنزرت للأديب رشيد الذوّادي)

 

وللسّنة الثّالثة على التّوالي يُحيي هذه السّهرة عدد من شعراء نادي الشّعر: أبو القاسم الشّابّي، تونس وفاءً لذاكرة الشّعراء التّونسيّين الّذين تركوا أثرهم وبصمتهم في مسيرة الشّعر التونسيّ قديمه وحديثه فصيحه وعاميّه، وتواصلا مع ذاكرة تونسيّة أصيلة، وجيل جديد يحاول كتابه بواكير إنتاجه.

وحضر هذه السّهرة جمهور من مثقّفي العالية والمهتمّين بالأدب والشّعر ومربّين وشباب في بداية تجربتهم الشّعريّة ساهموا في إثراء السّهرة. كما ساهمت مجموعة عشّاق السّلام للموسيقى العربيّة (تأسّست في العالية منذ 1979) في تأثيث فقرات موسيقيّة بين مداخلات الشّعراء بوصلات مالوف أندلسيّ وفاءً للعالية الأندلسيّة الّتي اشتهرت في فترات من تاريخها القديم بهذا الفنّ الموسيقيّ الأصيل.

وأشرفت على السّهرة ونشّطت فقراتها الشّاعرة وهيبة قويّة أصيلة مدينة العالية الأندلسيّة، إضافة إلى قراءات شعريّة من نصوصها.

وفاءً وتواصلا:

جمعت السّهرة بين شعراء فصحى وعامّية من جيلين، افتتحتها الشّاعرة وهيبة قويّة بتحيّة إلى المربّي الفاضل، ابن العالية، عليّ الحبيب القاضي، رحمه الله، بقراءة بيتين من قصيدته في العالية:

زُر بلادي في الهضاب العالية  — تَلْقَها أمّا رؤوما راضيه

بين سهل وجبالٍ خطّها  —  لاجئ قد جاء من إسبانيه

شفعتها بقراءة قصيدتها “قِبلة الأشواق“، وهي قصيدة في العالية معارضة لمعلّمها الشّاعر الّذي طالما أعطى للأجيال الّتي نهلت من علمه ومن أدبه. ومن القصيدة هذا المقطع:

زُرْ بلادي فخرَ جدّي لم يَزلْ *** رجْعَ وعْدٍ بالوَفَا للعالية

والوفاءُ اليوم عندي شِرعةٌ *** لُجُّهُ من أصلِ أهل العالية

منذ أزمان وجدّي عاشقٌ *** قد سباه عِشقُ أرض العالية

يبذر الأحلام شقّتْ تربها*** وسقاها من رحيق العالية

ساعدا قد كان يجني خيرها *** فاض بالخيرات قلب العالية

في فم الأكوان لحنٌ لا يني *** زر بلادي في الهضاب العالية

ثمّ تقدّم إلى منصّة الشّعر الشّاعر أبو أمين البجاوي ليقدّم قصيدته: ساعات وهي، أيضا، معارضة لقصيدة للشّاعر الكبير العربي النّجّار  وهي من الملحون ويقول فيها:

ساعات يبدى خاطري متهنّي ** و ساعات ياتيني القضاء متعنّي

***

ساعات نبدى طارب ** و ساعات نبدى في همومي انحارب

و ساعات نرقد فوق زوز مضارب ** و ساعات منّي للتراب مصنّي

وكانت قصيدة الشاعر أبو أمين البجاوي هديّة إلى روح الشاعر العربي النجّار ، وهي مطوّلة يقول فيها:

ساعات نعشر ناس
ناس طيبهم… مسجوم عرف الياس
وتصفى المجالس. في صفى الجلاّس
حساسين في تغريدهم… نغمات
أدبة جلسوا… فوق هام أشماس
لا لغو… لا قرضان… لا نمات…
وساعات… وساعات… وساعات

وساعات نعشر ناس
ونسأل حظي… رميتي. لاباس؟
على قوم جهل…عقولهم فلاّس
جرى لغوهم. لا ذات. لا. صفات
لا ظرف… لا حذاق… لا كياس
يا صاحبي خلي عزاها… سكات
وساعات… وساعات. وساعات….

 

وفي تواصل بين الشّعر التّونسيّ والعربيّ، تواصلت السّهرة مع الشّاعر الفلسطينيّ محمود النجّار الّذي قرأ مجموعة من نصوصه لاقت صداها في نفس الجمهور الحاضر، وقد تصدّرها نصّ “أين؟”:
كانت سمية قاب رفة نورس

أو رفتين ..

قلبي تعثّر في مداها مرتين

فجناحي الموصول في رئتيّ منتوفٌ

يطير بريشتين

وتضيّع الأنواء وجهته

فيسأل في احتدام الشوق:

أين؟!

أمّا الشّاعر عبد الحكيم زريّر عضو نادي الشّعر: أبو القاسم الشابّي، ورئيس نادي الفنون الشّعبيّة بجمعيّة ابن عرفة فقد أضفى على السّهرة روح المرح إذ قرأ قصيدا جمع بين الموقف الجدّي والهزل في البحث عن زوجة المستقبل عند شباب اليوم ليختم بالنّصيحة الّتي لا تفوت الشّاعر ولا المربّي الّذي يمثّله شخصه.

ليتقدّم بعد إلى منصّة القراءة الشاعر محمّد مامي الّذي قرأ قصيدته في العالية وهي قصيدة تذكر العالية الأندلسيّة وما بقي من آثارها ومعالمها شاهدا إلى اليوم على عراقة تاريخ العالية الأندلسيّة الّتي بناها الأندلسيّون على أنقاض أوزاليس الرّومانيّة وبحجارتها. وأوزاليس هو اسم العالية الرّومانيّ الّذي استعاره المهرجان حين تأسّس في ثمانينات القرن الماضي.

كما قرأ قصيدة “صعيب تكوني حرّة” وهي معارضة لقصيدة من قصائد الشاعرة وهيبة قويّة بعنوان: “أصبحتُ حرّة”، فاتّخذت السّهرة بذلك شكل التّواصل الشّعريّ والتّصادي بين قصائد الشّعراء في ثنائيات مجّدت الشّعر  الوفيّ لأصحاب الكلمة الصّادقة وتواصلت مع روح الشّعر والشّعراء.
وختم أبو أمين البجاوي السّهرة بقصيدة هزليّة عن الغيرة أسعدت الجمهور وكانت له بمثابة الوعد المتجدّد لسنوات أخرى في سهرة الشّعر والتراث ضمن سهرات مهرجان أوزاليس.

 

تواصلا مع الاجيال القادمة:

لئن اعتمدت السّهرة مبدأ الوفاء للشّعر والشّعراء والتواصل بين الفصيح والملحون، وبين الشّعريّ والموسيقيّ، وبين النصوص المتصادية، وبين القديم والجديد، فإنّه لم يفت المشرفين على السّهرة أن يكون التواصل أيضا بين الأجيال، ومع أبناء العالية، إذ شارك في السّهرة الطّفلة رنيم شوريا والشابّ عماد الفقيّر لإثراء فقرات السّهرة ووفاءً من أبناء العالية الّذين يحاولون كتابة النصّ ويبحثون عن فضاء للقراءة والسّماع فوجدوا فرصة في فضاء سهرة الشّعر الّتي يخصّصها المهرجان سنويّا.

 

وفاءً أيضا…

حضر السّهرة فارس من فرسان المصدح الّذين نفتخر بمسيرتهم الإعلاميّة والثّقافيّة، وهو الإعلاميّ الكبير بالإذاعة الوطنيّة  الأستاذ صالح بيزيد، الّذي جاء تقديرا لمسيرة شاعر العالية  الكبير العربي النجّار، ومتابعا وفيّا لمسيرة الشّعراء الأصدقاء من نادي الشّعر: أبو القاسم الشابّي ومشجّعا لهم. وقدّم الشّاعرة وهيبة قويّة، وطلب منها في أثناء السّهرة، وبحضور أفراد عائلتها وأصدقائها قراءة مرثيّتها في ابن أختها الّذي توفّي، منذ ثلاثة أشهر، غرقا في مياه سدّ”حكيمة” بالعالية وهو يلعب، وكان عمره 14 سنة.

لم يكن من السّهل أن تقرأ المرثيّة وعنوانها: “جُرحُ الماء” أمام الخالات والأهل غير أنّ الشّاعرة استثمرت الفرصة لتتحدّث قبل القصيدة عن الهجرة غير الشّرعيّة إلى أروبا  وهي ظاهرة صارت شديدة الانتشار بين صفوف الشّباب في العالية حتّى صار الأطفال أيضا يحلمون بالرّحيل تاركين العائلة والعالية بحثا عن وهم أو أمل… هذه الهجرة الّتي أحرقت قلوب كثير من الأمّهات اللّواتي أغرق البحر أبناءهنّ في محاولتهم للخروج من تونس بحثا عن أمل وعمل، وتحدّثت في الموضوع في جبّة المربّية، لتوجّه الكلام إلى الشّباب الحاضر وللأمّهات لمزيد الحرص على أرض الأجداد الّتي كانت يوما ملاذا للأندلس الفارّين بدينهم وحياتهم وصارت لهم أرض سلام وطمأنينة.
أثّرت القصيدة في السّامعين من الأهل والأصدقاء. (ستنشر كاملة ليقرأها من طلبها من الشاعرة، ورحمة للطّفل محمّد عبد الرّحمان الّذي خانته شهوة الماء).

كان الرّجاء أن يكون الشّعر صورة من صور وفاء الخالة لابن الأخت والشّاعرة لمسقط رأسها، موطنها الّذي تفخر بانتمائها إليه.

 

وفاءً لابنة العالية:

انتهت السّهرة بتكريم الشّاعرة وهيبة قويّة الّتي تحاول مع أصدقائها الوفاء لشاعر العالية الكبير العربي النجّار، وتسعى إلى ربط الصّلة بين شعراء تونس والشّعراء العرب، وبين أجيال الشّعراء في تونس.

لم يكن تكريما عاديّا، إذْ كان مع الأهل والأصدقاء وعلى تراب أوزاليس الشامخة على هضبة من هضاب جبل حكيمة… العالية الأندلسيّة الّتي حضنت الأجداد وقلعة من قلاع النّضال والوفاء بأرض الجلاء.

 

على أمل:

انتهت سهرة الشّعر والتّراث على أمل إحياء أمسيات على هامش المهرجان لتستقطب الشّباب والأطفال من أهل العالية، وعلى أمل جمع بقيّة أشعار العربي النجّار الّتي بقيت في ذاكرة الحَفَظة، وانتظار صدور كتاب عن الشّاعر  ونسخة من ديوانه تجمع أكثر شعره…

وعلى أمل تخصيص مهرجان خاصّ بالعربي النجّار في مدينته العالية… يظلّ الشّعر أملا وحياة…

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!