أغــداً … ألـقــاك / بقلم / الأديبة عنان محروس

 

فَتَحتْ النافذة .. الهواء ربيعي منعش يُكلِلَهُ المساء بعبقِ السكون .. السماء صافية .. تختال فيها النجوم كأحجية في محراب ناسك ..

القمر ليلةَ اكتمالهِ ..

وكأنهُ تسبيحة خاشعة في قلب عاشق متعبد ..

الليلُ .. يسدل ستار العتمة في شموخ ليخفي وجع البشرية المصلوب على قارعة الطريق ..

لا يخترق هدوء الليل إلا أغنية جميلة تنبعث من البيت المجاور ..

 

” أغداً ألقاك .. يا خوف فؤادي من غدي ”

 

اقتربت من حافة النافذة .. وأصغت أكثر للنغمات المنبعثة ..

أغمضت عينيها وتمايلت بخفةٍ كراقصة بحيرة البجع .. وقد تكون ابتكرت رقصة جديدة تخصها لوحدها ..

 

فجأة ..

انتابتها رعشة المحموم .. نظرت إلى مرآتها .. فلمحت عيونها مليئة بدموعٍ لم تنهمر بعد ..

وجهها الموناليزا .. لوحة من فنٍ وجمالٍ وحزن ..

حزن الفراق .. ولوعة البعد ..

أصابها الشوقُ له في مقتل ..

مضت سنتان .. لم تره .. ولم تتنفس عطره .. ولم تلمس بشرته السمراء المفتونة بها ..

 

ولم .. ولم ..

 

الحرمان قتل فيها الفرح ..

ترددت قليلاً .. أمسكت هاتفها المحمول ثم بعثت لهُ برسالة :

 

على أوتارِ شراييني أرقص معك ..

مع كل نغمة حب .. مع كل لحن ..

أتمايلُ بثوبِ زفافٍ أبيض ..

وأضواء ساطعة ونورٍ يمحو ظلام خوفي وحيرتي ..

ويقضي على انهزامي للأبد ..

سأقتل بكل تمايلٍ فكرة ..

وألغي بكل خطوةٍ تردد ..

فتخيل كم لحناً سمعت خلال عامين ..

وكم مرةً زففتُ إليك .. !؟!

 

وصلته الرسالة وهو ينحت آماله على شرفةِ الحلم المستحيل ..

ويخلق ألواناً غريبة صعبة في زمن الأسود والأبيض ..

وكأن غيتاره بدأ يُلملم أشلاء ظلهِ المتكسر فيسقط يمينه عن شماله ويُغني الوتر لحناً منقوصاً ..

ترقص عليه أطياف مجهولة ..

وأشباحٌ مرعبة ..

هو أيضاً يشتاقها وأكثر ..

وحزنه وإن صمتَ كل ذاك الزمن وأخرس لسانه .. إلا أنه يرافقهُ كما يرافق الدم الأوردة ، والروح الحياة ..

رد عليها .. بشوق .. بكل عزم وتصميم وثقة بالآتي :

سآتي غداً ..

انتظريني .. لم أعد أطيق الصبر أكثر ..

لن تعيقني الحدود المغلقة ولا البراميل المفخخة ..

الأوضاع التي أنتظرها منذ دهرين لتهدأ .. عبث ومضيعة للوقت والعمر ..

لن أنتظر أكثر .. سينتصر حبنا ..

سأكون معكِ ولكِ غداً .. ابتسمي ..

أو ليس الغدُ بقريب .. ؟!

أسرعت السعادة تخترق حروف رسالتهِ لتحلقّ نحوها بأجنحة قوية قد تكون ..

أجنحة صقرٍ جارح ..

اتجهت إلى خزانتها تطمئن على وجودِ فستانها الأبيض المعلق ..

ناصع كاللؤلؤ ..

يقف بكبرياء .. ينتظرها لترتديهِ وينتظر معها قدومه ..

استسلمت للنوم ..

أغمضت عينيها المتعبتين وهي تهشُ غمام اليأسِ عن كتفِ الأمل

وتنحر كبشَ الحزن على قارعة الفرح ..

تنتظر الغد بلهفةِ العمر الذي مضى والذي سيأتي ..

 

في اليوم التالي .. أخبارُ الصباح ..

 

على قناةٍ مشؤومة :

مقتل شاب ثلاثيني ..

وهو يعبر الحدود المغلقة ..

على يد قناص مجهول الهوية والانتماء ..

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!