الخائن / بقلم : كنزة الشنتوف-المغرب

وضعت كمامة بيضاء ، سرحت شعرها الطويل  وتساءلت : ترى هل كوفيد 19 يلتصق بالشعر! ابتسمت وحملت حقيبة يدها ثم اتجهت نحو الباب. قبل أن تصل،وصلها صوت أمها المبحوح من الغرفة: -إلى أين عزيزتي؟

أجابتها بصوت عال كي يصل الى الام المريضة:- إلى العمل يا أمي..

هو السؤال نفسه توجهه لها الام الطريحة الفراش كل صباح متمنية ألا يكون من الابنة نفس الجواب، فعمل كريمة صعب للغاية،هي ممرضة بإحدى مستشفيات المدينة، ومع الوباء الوافد،تخشى الام أن تصاب فلذة كبدها بمكروه،الأم  لا تدري أن المكروه إن اصاب الابنة،سيفتك حتما بها هي نفسها،فهي منذ سنوات تعاني أمراضا شتى أقعدتها الفراش…

خرجت كريمة من البيت مسرعة،تفكر في ألف أمر وأمر…من المهام الصعبة التى تنتظرها في المشفى،إلى خطر العدوى الذي قد تنقله للبيت،إلى خطيبها الهارب منها منذ بداية تفشي الداء!

ابتسمت بمرارة وهي تسترجع آخر ما قاله لها على الهاتف:

-عزيزتي، علينا الا نلتقي هذه الفترة،فانت تعرفين حساسية الوضع الان.

أجابته موافقة: – طبعا عزيزي هذا امر مفروغ منه،فحتى ان لم تطلب انت ذلك لن افعلها ،فأنا اعمل بمكان قد اتعرض فيه للعدوى،سنكتفي بتبادل الرسائل حين اعود من العمل .

اجابها: طبعا طبعا…

ومن يومها لم يبعث رسالة !

-ربما ينتظر نهاية الجائحة ليطير إليك شوقا ،هكذا قالت لها صديقتها وزميلتها في العمل مواسية لها على غيابه .

ردت عليها كريمة بابتسامة، أكيد،فالفيروس ينتقل أيضا  عبر اللاسلكي،انه لا يرد حتى على المكالمات!

واصلت السير حتى المستشفى،دلفت للغرفة المخصصة للباس الخاص بالعمل .لم يكن الامر عاديا ،فحمل البدلة الواقية في هذا الحر لم يكن بالامر الهين على فتاة في سنها،غير أن حسها العالي بالمسؤولية كان بردا وسلاما عليها ..

أخبرتها المشرفة على الجناح الذي تعمل به انها ستتسلم حالتين وفدتا بالصباح ذاته لرجل وامرأة في حالة حرجة،الرجل انتقلت له العدوى من صديقته التي كان يقطن عندها الفترة الأخيرة، ظهرت عليهما أعراض المرض الحادة فنقلا على الفور للمشفى بعد تشخيض حالتهما..

توجهت كريمة للغرفة لتقديم ما يلزم للحالة الاولى،ألقت التحية بيدها على المريض مطمئنة اياه بايماءة لطيفة برأسها،

لكن قبل ان تشرع في حقن الانبوب ،نظرت من جديد للمريض الخائر القوى  والذي  لا يظهر منه غير نظرات حزينة ووجلة..خفق قلبها وبقوة،فلم يكن الممدد على السرير غير خطيبها الغائب!

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!