وأَنَا أَسِيْرُ بِحَذَرٍ تَحْتَ المطَرِ, خَشِيْتُ أَنْ تَتَبلَّلَ الأوْرَاقُ الَّتي بِيَدِيْ, أسْرَعْتُ صَوْبَ البَيْتِ, وما زَالَتْ تَجُوْلُ فِي ذِهْنِيْ جُمَلُ المَوْضُوعِ الَّذيْ عَلَّمَتْنِيْ إِيَّاْهُ جَاْرَتُنَاْ سَلْمَى.
تَبَادلْتُ مَعَهَاْ الكَثِيْرَ مِنَ الأَفْكَارِ الُمنَاْسِبَةِ, وَغَيْرِ المُنَاْسِبَةِ حَوْلَ كَيْفِيَّةِ الاِهْتِمَاْمِ بِالآخَرينَ, ومُعَالَجةِ أَسْبَاْبِ الكَسَلِ وَالإهْمَالِ, وَمَاْ يَتَرَتَّبُ عَليْنَاْ مِنْ نَصَاْئِحَ مُهمَّةٍ تُقَدِّمُ الفَاْئِدَةَ وَالمَنْفَعَةَ لِلمُجْتَمَعِ.
تَذَكـَّرْتُ كَمْ ضَحِكَتْ سَلْمَى حِيْنَ أَخْبرْتُهَاْ عَنْ اِعْتِنَاْئِي بِقِطـَّتِيْ, وَأَنَاْ أُقدِّمُ لهََاْ الطَّعَاْمَ, وَكَيْفَ وَثَبَتْ فَوْقَ الصَّحْنِ بِسُرْعةٍ, فَانْسَكَبَ الحَليْبُ عَلَىْ الأَرْضِ, وَتَنَاثرَ بَعْضُهُ عَليَّ, فَقَفزَتِ القِطـَّةُ إِلى حِضْنِيْ, وَرَاْحَتْ تَلْعَقُ نِقَاطَ الحَلِيْبِ الَّتي تَوَضَّعَتْ عَلَىْ يَدي, ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلى بَعْضِ النِّقَاْطِ الَّتيْ مَاْ زَاْلَتْ طَاْفِيَةً فَوْقَ ثِيَابي.
رَاْحَتْ سَلْمَى تَضْحَكُ مَرَّةً أُخْرى, وأَنَا أُخْبِرُها عَنْ تَصَرُّفِ أُخْتِيْ مَايا الَّتيْ عُمْرُهَاْ ثَلاثُ سَنَوَاْتٍ, كَيْفَ سَكَبَتْ إِبْرِيْقَ المَاْءِ عَلَىْ السَّجَّادَةِ, ثُمَّ جَلَبَتْ بِنْطَاْلَهَاْ لِتَمْسَحَهَاْ. أَنَاْ مَاْ ضَرَبْتُهَاْ, بَلْ قَبَّلْتُها, وجَفـَّفْتُ المَاْءَ بِمِنْشَفَةٍ خَاْصَّةٍ.
لَكِنَّ سَلْمَى لمْ تَضْحَكْ حِيْنَ أَخْبرْتُهَاْ كَيْفَ ضَرَبْتُ كَلْبَ صَاْحِبِ البُسْتَاْنِ بِالحِجَاْرَةِ, لأَنَّهُ كَاْنَ يَنْبَحُ بِطَرِيْقَةٍ مُزْعِجَةٍ, لَكِنَّنِيْ رَمَيْتُ لَهُ فِي النِّهَايَةِ قِطْعَةَ شُوكُوْلا, فَلَمْ يَقْتَرِبْ مِنْهَاْ.
صَفَّقَتْ لِيْ سَلْمَى حِيْنَ عَرَفَتْ كَيْفَ اِعْتنَيْتُ بأُمِّيْ وَقْتَ مَرَضِهَاْ, لَكِنَّهَاْ حَزِنَتْ لأَنَّنِيْ تَرَكْتُهَاْ وَقْتَ الظَّهيْرَةِ, وَرُحْتُ أَلْعَبُ مَعَ رِفَاْقِيْ.
وَكَيْ أُعِيْدَ هَيْئَةَ المَرَحِ عَلَىْ وَجْهِ سَلْمَى, أَخْبرْتُهَاْ كَيْفَ سَاْعَدْتُ جَارَتَنا هُدَى فِي تَنْظِيفِ المِدْفَأَةَ. صِرْتُ مُلَوَّثاً بِالشَّحَّاْرِ كَقِطـَّةٍ بَيْضَاْءَ مُزَرْكَشَةٍ بِالسَّوَاْدِ.
فِي النِّهَاْيََِة كَتَبْنا مَوْضُوْعاً, أَعْتَقِدُ جَاْزِمَاً أَنَّهُ سَيَنَاْلُ إِعْجَاْبَ مُعَلِّمِيْ.
حِيْنَ وَصَلْتُ مَنْزِلِيْ كَاْنَتْ أَوْرَاقُ مَوْضُوْعِيَ المُسَوَّدَةُ سَلِيْمَةً مِنَ المَطَرِ, لأَنَّنِيْ كُنْتُ قَدْ وَضَعْتُهَاْ تَحْتَ إِبْطِي.
فَرَشْتُ الأَوْرَاْقَ عَلَىْ الطَّاْوِلَةِ, اِنْشَغَلْتُ قَلِيْلاً بِحَلِّ مَسَاْئِلِ الرِّياضِيَّاْتِ, شَعَرْتُ بِالمَلَلِ, تَكَدَّسَتْ أَمَاْمِيْ أَوْرَاقُ المُسَوَّدَاْتِ, رُحْتُ أَطْوِيْ بَعْضَهَاْ عَلَىْ شَكْلِ زَوَاْرِقَ, وَبَعْضَهَاْ الآخَرَ عَلَىْ شَكْلِ طَائِرَاْتٍ, وَقِسْمَاً صَنَعْتُ مِنْهُ مَرَاْوِحَ يَدَوِيَّةً, وَمَاْ تَبَقَّىْ شَكَّلْتُهُ عَلَىْ هَيْئَةِ حمَاْمَاْتٍ, فَتَنَاْثَرَتْ أَمَاْمِيْ مَجْمُوْعةٌ جَمِيْلةٌ مِنَ الأَشْكالِ الوَرَقيَّةِ المُخْتَلِفَةِ.
عِنْدَما سَمِعْتُ صَوْتَ أُمِّيْ تُنَاْدِيني, اِرْتَبكْتُ, لأَنَّهَاْ قَدْ تَكْتَشِفُ أَنَِّيْ لا أَدْرُسُ, جَمَعْتُ كُلَّ مَا صَنَعْتُهُ بِسُرْعَةٍ عَلَىْ شَكْلِ كُرَةٍ, ضَغَطتُهَاْ إِلى صَدْرِيْ, ثُمَّ وَضَعْتُهَاْ فِي سَلـَّةِ المُهْملاتِ الَّتيْ كَاْنَتْ تَحْتََ المِنْضَدَةِ.
خَرَجْتُ بِلَهْفَةٍ لأَرَىْ مَا تُرِيْدُ أُمِّيْ, ثُمَّ عُدْتُ لأَكْتُبَ مَوْضُوْعَ التَّعْبِيرِ عَلَىْ الدَّفْتَرِ المُخَصَّصِ لِلمَادَّةِ, ضَرَبْتُ جَبِيْنِيْ مُنْدهشاً مِمَّا فَعَلْتُ, الموْضُوْعُ صَارَ فِي سلَّةِ المُهملاتِ. لا أَدْرِي, أَهُوَ مِرْوَحَةٌ, أَمْ زَوْرَقٌ, رُبَّمَا حَمَامَةٌ, أَو؟؟ أَتَسَاْءَلُ: مَاذَاْ سَيَكُونُ وَضْعُ سَلْمَى عِنْدَمَاْ تَعْرِفُ مَاْ حَدَثَ؟ هَلْ سَتَضْحَكُ؟ أَمْ سَتَغْضَبُ؟ لا أَعْلمُ.
بِسُرْعَةٍ سَحَبْتُ السَّلـَّةَ مِنْ تَحْتِ المِنْضَدَةِ, رُحْتُ أَفُكُّ طَيَّاْتِ الأَوْرَاْقِ, أَبْحَثُ بَيْنَ ثَنَاْيَاْهَاْ عَنِ المَوْضُوْعِ الضَّاْئِعِ, وَأَتَذَكَّرُ وَجْهَ سَلْمَى, وَصَوْتَهَاْ يَرِنُّ فِي أُذُنِيْ, تُوصِيْنِيْ بِكِتَاْبةِ المَوْضُوْعِ عِنْدَمَاْ أَصِلُ إِلى البَيْتِ.
لُمْتُ نَفْسِي كَثِيْراً, كَيْفَ لَمْ أَسْتَفِدْ مِنْ مَوْضُوْعِ التَّعْبِيرِ, إِذْ كَاْنَ الهَدَفُ مِنْهُ الاِنْتِبَاْهَ إِلى أُمُوْرِنَاْ جَيِّداً, وَعَدَمَ إِهْمَالِهَاْ. فَجْأَةً أَمْسَكْتُ بِزَوْرَقٍ صَغِيْرٍ, وَقَبْلَ أَنْ أَفُكَّ ثَناْيَاْهُ, بَرَزَتْ جُمْلَةٌ عَلَىْ جَاْنبِهِ تَقُوْلُ: لا تُؤَجِّلْ عَمَلَ اليَوْمِ إلـ… بَقِيَّةُ الجُمْلةِ كَاْنَتْ غَاْئِبَةً تَحْتَ الطيَّاْتِ الأَنِيْقَةِ. صِحْتُ فَرِحَاً: وَجَدْتُهُ, بَسَطتُ الوَرَقَةَ, رُحْتُ أُمَسِّدُهَاْ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ, وَبَدَأْتُ أَكْتُبُ الموْضُوْعَ عَلَىْ الدَّفْتَرِ بِتَأَنٍّ وارْتِيَاْحٍ.
تَذَكـَّرْتُ كَمْ ضَحِكَتْ سَلْمَى حِيْنَ أَخْبرْتُهَاْ عَنْ اِعْتِنَاْئِي بِقِطـَّتِيْ, وَأَنَاْ أُقدِّمُ لهََاْ الطَّعَاْمَ, وَكَيْفَ وَثَبَتْ فَوْقَ الصَّحْنِ بِسُرْعةٍ, فَانْسَكَبَ الحَليْبُ عَلَىْ الأَرْضِ, وَتَنَاثرَ بَعْضُهُ عَليَّ, فَقَفزَتِ القِطـَّةُ إِلى حِضْنِيْ, وَرَاْحَتْ تَلْعَقُ نِقَاطَ الحَلِيْبِ الَّتي تَوَضَّعَتْ عَلَىْ يَدي, ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلى بَعْضِ النِّقَاْطِ الَّتيْ مَاْ زَاْلَتْ طَاْفِيَةً فَوْقَ ثِيَابي.
قصة رائعة