الغريق / بقلم : نصرية ساسي

..

 

جفاف الهواء يشعرني بالغثيان…فتحت النافذة المطلة على الشارع …غريب أمر الحي اليوم …لا ضجيج ..لا صياح النسوة و هم ينادون أطفالهم المبعثرة هنا و هناك …الدكاكين مغلقة …لا صياح..لا ابواق دعاية …لا مديح …حتى دكان العم مفتاح مغلق …موصد…و رائحة الأطباق الشعبية التي كانت تطبق المكان لا اثر لها …سوى رائحة الجفاف ..تراودها أحيانا رائحة الصدإ العالقة بسلالم الحديد المهترئة في العمارة …هذه العمارة القديمة …الشاهدة على أطوار قلبي …انهزاماته …انكساراته …لم أكن و لن أكون فارسا مقداما في الحب …وقعت في شباك الكثيرات…وقعت الكثير من عقود الحب الزائفة .. راودت كثيرا نفسي ….حلمت بالرواء ..بكسر روتين الجفاف برضاب الحسناوات ….بمصاحبة الشقراوات …كم جلست وحيدا على مقاعد الانتظار …أنتظر قدرا قادما من بعيد ..تخيلتها فتاة …حسناء ..يتماوج الحسن بين مقلتيها …تتراقص يداها فرحا لملامستي …تجثو امامي على ركبتيها تطلب العفو من سيدها ..من ملكها التي كسرت قيوده يوماو تبعثرت سكرى بالحب بين ايدي الرجال …كم انتظرتها الليالي الطوال ..كم بكيتها و كنت عصي الدمع ..كم اشتقت الى قبلتها …كم تمنيت ان انام في احضانها انسى انكساراتي ..اداوي جراحاتي …كم تمنيت ان أغرس فيها طفولة حبي ..

ماهذا الجفاف …أختنق …و تختنق آخر أنفاسي …أين الماء ..الماء ..الماء ..لا شيء أمامي سوى التراب …الرمل و الصحراء …الشمس تراودني بخصلاتها …تبعث في بقايا نفسي اليأس برؤية الماء …انه هو ..السراب ..يتراءى لك من بعيد بركة ماء ..تفرح ..تنتشي ..تشرق في عينيك بشائر الأمل و حين تصل لا تجد سوى خدعة السراب …سراب في سراب ..لن تخدعني الطبيعة …إنها  امي ..أمي التي اشتقت .. .إنها منتهى أملي ..سألقاها حين تضيع مني نفسي …ولكنني لا أتنفس …توقفت رئتاي عن العمل …كل شيء توقف حتى عقارب الساعة ..هاأنني أحلق بعيدا في رحاب النور او الظلام …لا يهم…. فكلاهما واحد …لا وجود لاحد دون الاخر …كما اليأس و الأمل …إنها عبثية الحياة…

أتنفس كالسمكة …في الماء …أسبح ..أتنفس لا كالإنسان ..أبفعل الجفاف ؟…لا …أبدا …أحس بالماء يداعب جلدي المتكلس …أحس بالأسماك الصغيرة تلاعبني…إنها تعضني من أطرافي ..حتى الاسماك تعشق العض …فلأتركها تفعل ما تشاء ..أنا من تطفلت على عالمها….تداعب جثتي أشعة الشمس ..يسري على قدمي سرطان بحر خبيث…لن تأكل جثتي أيها الخبيث…فهي أخبث منك …هاقد انضوت في لواء النسيان …هاقد تحللت و أصبحت كتل ديدان …هاقد رحلت روحي بعيدا …بعيدا …إلى حيث كانت تتوق ..فوداعا أيتها الديدان.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!