الفرفة 13/ بقلم :محمد المنصور الحازمـــــــــــــــي

جفاها؛ لم يقس ولم  تتبرم ؛لم تضق ذرعا ولم تتودد ؛..ظلا يتخاطبان برسائل نصية ؛ لأسابيع ، يتواصلان تحت سقف واحد ؛ يتناولان غداءهما و كذلك العشاء ؛ على رتم يسوده الصمت وكأنهما  أيكمان ؛ صباحا يوصلها إلى مدرستها ، ثم يتجه إلى مقر عمله وكذلل نهاية الدوام في نهاية الأسبوعين؛ قصد عيادة نفسية خلال وقت الدوام ؛ سجل اسمه ودلف إلى صالة انتظار الرجال وما أن هم بالجلوس ؛ سمع نداء ممرضة تنادي باسم زوجته ؛ لقد جاء دورها

جاء دوره؛ فيما كانت تغادر العيادة سمعت نداء باسمه؛ سارعت إلى المصعد وعادت لمدرستها المقابلة للبناية التي تشغل العيادة شقة منها … غادر العيادة ؛ وقد بدأ وقت نهاية دوامه بعده التنازلي ؛ وصل لمقر عمله أثبت وقت عودته ،ثم انطلق لزوجته ؛ وبطريقهما إلى البيت ارسلت رسالة نصية اقترحت فيها أن يتناولان غداءهما بمطعم فندق …

اختارت مطعم الفندق الأثير الذي كان جمعهما حول أول مائدة عشاء خالدة؛ ليلة زفافهما ، ركن سيارته في موقف الفندق ؛لم يكن بالفندق غرفة شاغرة سوى غرفة رقم ثلاثة عشر؛ بالدور الثالث ؛ ملامحها طبيعية ؛لم يبد عليها ما يثير اندهاشها ؛ فيما كان في حالة ارتباك مشوبة بدهشة ؛ سألها برسالة نصية عما إذا كانت خططت من قبل لتجعل من هذا اليوم وما يحمله من ذكريات مكانا وزمانا؛ قرأت الرسالة ولم ترد برسالة نصية؛ نفد شحن بطارية هاتفها؛ هزت برأسها مؤكدة صحة استنتاجه؛ نهضت ووقفت بجواره.

استلم مفتاح الغرفة مشيرا إليها أن تتبعه ؛ لم تكن بحاجة إلى أن تتبعه؛ وقد  استرقت بلمحة خاطفة رقم الغرفة من ميدالية بيضاء بياض قلبها؛ تبلَّجت اساريرها ، رقم الغرفة له في كينونتها خانة تختزنها ذاكرة نشطة؛ لم تنسَ الطريق إلى المطعم ؛ فيما  كان  قد اتجه صوب المصعد،؛ ليستقله إلى الغرفة ؛ التفت وجدها تسير باتجاه مغاير ،غير وجهته ، حثَ الخطى، حاذاها كتفًا بكتف ؛ يلفهما الصمت؛ بيد أن صمتها زينته ابتسامة، حال غير اتجاهه.

دلفا إلى المطعم ،أخذا مكانهما حول طاولة طعام ؛ خفَّ إليهما النادل مستفسرا عن  طلبهما؛ تناول لائحة الأطعمة؛ لم يكن يحمل قلما؛ فتحت حقيبة يدها وأخرجت قلمًا فضيًّا فارها؛ تحتفظ به تذكارًا ؛أهداه  لها والدُها مع تخرجها من الجامعة؛ وضعته بمتناوله؛ ولا كأن عينيه وقعت عليه ؛ دفع بظاهر كفه الأيمن لائحة الأطعمة نحوها ؛ شرعت تؤشرُ  على ما يناسبهما.

لم ينبس أحدهما للآخر بحرف، انتظرا طويلا تأخر النادل؛ نظر إليها زمَّ شفتيه، يجاهد صلف ذكوريته؛ لعله يكسر حاجز الصمت ؛ تبسمت، صعَّدت ابتسامتها لضحكات حبستها بكفها المنقوش بالحناء، كادت تنفجر ضحكًا من فرط تَرّدُّدِه ؛ أشارت إليه بسبابة يدها اليمنى وقد التصقت لثوانٍ بأرنبة خشمها، تجمَّد ؛ تمعَّر وجهه ؛مدت يدها اليسرى  نحو زاوية طاولة الطعام ؛ فيما يده اليمنى ترتعش ، بصفعة أنثويه حانية سحبت يدها بالتزامن مع قدوم النادل بعربة يدفعها مكللة بأطايب الأطعمة ؛ وضعها وانصرف ، أشاحت بغطاء أبيض يدثر أطباقًا شهيَّة، طفقا يأكلان .

لم يرفع رأسه ، ظلت زوجته تتأمله ، ثم شرعت في الأكل، لا يسمع سوى معزوفة شوكتين وسكينتين، ظلا صامتين كما هما ، وضع نقودًا على الطاولة، وأشار إليها أن تنهض؛ لم تعره تجاوبًا، جلس، نهضت باتجاه بهو الفندق؛ سار خلفها مسرعًا ، وضع يده على كتفِها، أومأ إليها نحو المصعد تمنعت؛ أخيرًا أقسم بلغة الاشارة ،وكأنه مترجم محترف لنشرة أخبار التاسعة؛ دخلا المصعد، دلفا الى الغرفة؛ مباشرة؛ شرع يعتذر… أومأت إليه وماذا بعد الاعتذار إلا  قيلولة؛ قاطعها باستفهام إنكاري :” قبلات”؟ نطقت أخيرًا أذن العصر يا شيخ ” اقترح عليها أن يصليا جماعة في الغرفة ، اعتذرت؛ لا صلاة عليها .

خيَّم الصمت من جديد ؛ خرج إلى المسجد المجاور؛ عاد وجدها تصلي …رفع صوته : ” هكذا إذن ” أجابته : “البادئ أظلم “، ثم أخرجت ورقة بيضاء وقلم رصاص؛ رسمت خمسة عشرً خطًا أفقيًّا وأربعة وعشرين رأسيَا ،وكتبت : ” كم عدد المربعات ، مكث يعد فيما هي تتابع، أنتهى العد، وسجل النتيجة “ثلاثمائة وستين  مربعًا”؛ قاطعته بل أقسى ساعات في حياتها، ظلت تطيل التأمل في الورقة، لعلها تطوي مرارات لم تصمد استهلكت كبرياءهما..

قسَمت الورقة إلى ثلاثة اقسام بخطوط أفقية وأخرجت ممحاتين ، ناولته واحدة وأن عليه أن يمحو ثلثي الورقة ، فيما هي الثلث، احتج ، أسكتته بقولها : ” للذكر مثل حظ الأُنثيين” ، كانا يجلسان قبالة بعضهما ؛ طفقت تهوي بالممحاة دون أن تلامس الورقة، رمقها ولم يُعَقّب ،و انهمك يمحو بنفَسٍ واحد، وما أن فرغ من مائتين وأربعين مربعًا؛ جذب الورقة من يدها وأكمل الثلث الأخير .

تمتمت أما يكفكِ ثلثين؛ هكذا أنتم لا تقنعون بما في ايديكم، قال :كلَّا يحق لنا مثنى وثلاث ورباع ، لفتت نظره بأنه سيعود بهما إلى المربع الأول … ضرب بباطن كفّه على جبهته وتمتم … بأن ما كان منه من جفاء ظانًا انها من تسببت بتمنعها لأسبوعين مضيا ، فيما كان هو من تفلت بلسانه أن سيثني ، مقسمًا أنه كان منه دعابة ،معترفًا أن الخطأ مبتدأه وخبره لم تكن مصدره ؛ استأذنها لساعة واحدة ، عاد بعدها بعقد فريد طوق به عنقها وقبَّل جبينها متمنيًا عليها الصفح عنه؛ تبسمت وقالت  :لم أشعر أن قبلة جبيني خاصتي ، لم تطربني ، وحتى إن كانت قبلة ، فلا ترفع سقف توقعاتك ،من الآن ستخضع لفترة اختبار لسبر أغوار كرم  بحسبانك ،بيد أنني أجدها بديهيات لا لون لها ولا طعم و لا وزن، ،مجرد مسلمات  ضنيتَ بها ردحًا من زمن.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!