حلم في غيبوبة : جوتيار تمر / كوردستان / العراق

بعد أن التقت النظرات.. بعد أن خفقت القلوب وتعانقت أكثر من مرة ، هاجت الريح وجرت عكس ما تشتهي السفن ، فمالت سفينتنا وانقلبت موازينها ، وتحجر بعدها العقل والقلب …!
فكانت النتيجة النسيان ..! بعدها وفي ليلة شتوية مظلمة .. هائجة ريحها جاءني طيفها في حلمي زائراً حزيناً متلهفاً .. ردد في سمعي هذه الكلمات .. وأخرجتها بدوري على هذه الأسطر كما أتت…!
بعد الحب واللهفة ، بعد النظرة والشوق ، بعد الحنان والألم  ترحل وتتركني، ولمن تتركني للهموم… للعذاب ..؟ أهذا جزاء وفائي ولهفتي…؟
لا بأس ارحل.. ارحل فبالرغم من القسوة والظلم وكل ما تفعله بي ستظل مني كما أنت الآن.
مرت الأيام .. الشهور .. ودار الزمن دورته القدرية وشاءت السماء أن يجتمعا ثانية في مكان بعيد.. وفي ظروف عمل تحت سقف واحد…!
حينها كان هو  متلبساً بالنسيان.. لكنها كانت تعيش في صراع مرير .. فقد صاح فيها الكبرياء.. كبرياء المرأة المجروحة وحذر من مغبة الخضوع للقلب .. فثار وقاوم .. ولكن لم يدم ذلك فقد رضخت للواقع.. وهاجمتها الأشواق فما كان منها إلا وأن زارته ليلاً في حلمه وهو في شبه غيبوبة.. لتهمس في أذنه…!
أرجوك .. ابتعد .. لا تقترب أكثر ، فأنا إن لا تعلم قد هجرت الفرح.. يكفيني أن أراك في العمر مرة أو..لا..لا.. يكفيني أن أراك بغتة في أروقة العمل نعم يكفيني ذلك إذ أنا ما زلت أشعر بقربي منك… من همسات قلبك وخفقاته ، وما زلت أسمع .. نبضاته .. ولم تزل اضطراباته ترن في أذنيّ.. فأرجوك لا تقترب يكفيني إذ أني قريبة إلى هذا الحد منك…!
دعني كما كنت أتأملك بنظراتي التي كنت تقول عنها ثاقبة.. رجلاً هادئا..حنوناً، رشيق الخطوات خفيف الحركات .. غريب الملامح، ابتسامته تجذبني وتأسرني وصوته الحزين لدي ككل وقت.. وكهذا المساء عندما أبطأت خطاك برهة.. خارجة من الزمن إذ أنت تهم بالخروج وأدرت عنقك وفتحت معي حواراً قصيراً .. قصيراً وقلت بصوتك الحزين ككل مساء .. إلى اللقاء…!
نعم كان حواراً قصيراً .. قصيراً .. لكنه عندي في عرف قلبي حوار طويل.. طويل كالأبدية.. سمعتها منك وبدأ قلبي يخفق كأنه رأى ضالته شعرت في بعض لحظاته بأنه قد يخرج من بين أضلعي .. أردت أن أمسك صدري لأمنعه ولأوقفه ولكن خوفاً من أن تشعر بذلك.. وتعرف بلهفتي تلك آثرت الصمود .. كانت عيناي في ذلك الوقت.. تبحثان عن شخص ما يلوح وراء ابتسامتك!! عن إشراقة ضوء.. عن وردة أو حتى صخرة لكي أخفي عنك لهفتي ولكي لا تدرك ضعفي أمامك فأقع مرة أخرى فريسة سهلة بين يديك .. فريسة لا تملك منك حولاً ولا قوة إلا أن تلاحق  سراباً بات يحاصرني …!
أتعلم بما أنا فيه ..؟ أتشعر..؟ أم أن أجنحة الهجر هي التي أدارت عنقك ذلك المساء مثلما قذفت بي في غيابات البعد والظلام.. في غيبوبة جميلة لكنها .. برغم ذلك مرة..مرة..مرة…!
رغم اليأس الذي يلسع قلبي كلما رأيتك تبتسم لها.. هي .. وبالرغم من يقيني أن الخاتم الذي تلف به أصبعك أحياناً والذي يسخر دائماً مني بأنه منها .. وبأنك قد انتهيت من كل ما هو أنا .. ولكن بالرغم من كل ذلك فأنا ما زلت حالمة.. حالمة..نعم حالمة…!
أنت من دخلت معبدي في البدء .. أنت من جاء بعدي لمكان عملي .. أنت من بادلتني النظرة .. الابتسامة .. أنت من دخلت فكري وشغلت عقلي أنت من ظهرت كإله وثني تحتاج إليه جدران معابدي ..نعم أنت .. مع أني قبلك لم أكن لأسمح لنفسي بأن تعبد أي إله وثني .. وكنت بعد أن رأيتك أمنع نفسي بأن تفكر بك ولم أكن أسمح لها أن تحبك لكنك كنت رقيقاً ، عذباً .. في مشيتك وتحيتك ونظرتك .. وحديثك .. وهكذا دائماً هو شأن الآلهة …!
كل ذلك جعلني أشعر بأن سحاباً بدأ يحملني ويجعلني أميرة ويمنحني قوة الإحساس بالوجود.. بوجود ثابت وعميق على كوكب واقع مراوغ .. لكن بالرغم من ذلك .. ما زلت أرجوك.. وللمرة الألف بأن لا تقترب أكثر .. كن رؤوفاً بي .. كن حليماً .. فقلبي ما تبرأ من جراحه بعد، ولم يعرف حباً عنفوانياً مثل حبك قبل.. فلا تحاول الاقتراب أكثر …!
لست وحدك من يكابد .. لست وحدك من يرهقه هاجس البعد .. ولست وحدك من تهاجمه الوحدة ما أن تغادر المكان .. فما أن تغيب عن نظري حتى تهاجمني الكلمات .. كل كلمة قد رددتها من قبل حتى جدران الغرفة التي كنت تجلس فيها أصبحت تحييني كلما دخلتها وحتى النوافذ والطريق الذي .. كنت تسلكه والأزهار والأشجار والطيور التي وصلت إليها صدى صوتك كلها ما أن أراها.. أطمئن.. وينشرح صدري وأشعر بالأمان…!
لكن مرة أخرى صرختي هذه أطلقها… لعلك تسمعها أرجوك .. أرجوك
لا تقترب .. فجراحي لا تحتمل .. جرحاً آخر كلما اقتربت تزداد فجوة الجراح وتزداد نزفاً وألماً .. فأرجوك كفاك طعني وجرحي فعودي ما زال طرياً لا يحتمل الجفاف وأنا بطبيعتي لا أحب النواح والبكاء .. وأنت دائماً تجبرني عليها .. فما أن تغيب عني حتى تأخذ دموعي طريقها عبر وجنتي بالذبول ويعلو صوت النواح ، فأنا بالرغم من كل ماأنا فيه أحب أن أراك ، وأحب أن أستحضرك في خيالي دائماً كي لا يشعر الناس بأني ضعيفة .. لكن بالله عليك تجاهلني  وتجاهل خطواتي .. ولا تنظر خلفك .. كي لاتراني أتتبعك وحتى لو لاحظت وأدركت أن عيني تراقبك وتطالبك أن تبادلني وتطاردني وأن تضمني على صدرك .. وتحيطني بجناحيك الدافئين .. أرجوك أن تتغافل وتتجاهل كل ذلك ولا تهتم بكل ما يصدر مني .. فلربما غلبتني عاطفة لا أمتلكها .. ولربما أحببت عاطفة لم تزرني .. ولربما شدني إليك حسك المرهف وروحك الفضة ، وابتسامتك الرقيقة ووجهك الحزين.. وعاطفتك التي تشعرني بسنيي الضائعة ..أنت ما زلت تثيرني …وما زال تعلقي بك يزداد رغم يقيني بأنك تمتلك امرأة أخرى رغماً عني .. امرأة تنتظرك هناك في بيت ما في أروقة مدينتي .. امرأة تمتلك الدنيا .. ! وأنا رغم غضبي على نفسي ورغم شعوري الفظيع بضعفي أحس امرأة تشاركني الدنيا .. لهفتي.. شوقي.. مشاعري.. وتقذفني في دوامة تنسيني أني أنا من عليها أن تقاوم .. تنسيني أحياناً نفسي وأن عليّ أنا أن أواصل الهرب وأطوف الأرض وأبتعد عنك .. حتى أنسى وجودك في حياتي وأعيش في لحظة تيه وانعزال وموت عن الحياة …!
أستمع.. إلى ندائي هذا .. وانظر.. عساك ترحمني.. إنني أطالبك أنت المطارد بالتوقف عن الاقتراب مني .. إنني أطالبك أنت بأن تغيب عن عيني حتى لا تراك…!
ولا أطالب روحي التي توقن بأنك لست لها أن تتوقف عن ملاحقتك …!
ولا أطالب قلبي الذي يؤلمني أنه أستساغ لنفسه ما لن يكون أبداً لي أن يتوقف وينسى…!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!