صحبة / بقلم :سحر السالم ( سوريا )

قصة قصيرة

 

كان يراها من شباك غرفته  كل صباح, يتأملها وهي تسقي صغارها الثلاثة كل واحد بدوره ، وجوه الأطفال غير واضحة المعالم من نافذة شقته في الدورالسابع، لكن البخار المتصاعد من الحليب في هذا الطقس البارد  يبدو قريبا ويثير شهوة الارتشاف ، فيسرع  ليضيف لقهوته السوداء ملعقة من اللبن  المجفف.

يشرب فنجانه أمام الشباك في غرفة المعيشة يراقب المرأة الدؤوبة في نفس التوقيت من كل يوم تمشي و الأولاد الثلاثة يمسكون بيديها واطراف ثوبها في طريقهم الى المدرسة أو الحضانة.

ويتجه بدوره الى الخارج نحو عمله

سالكا الطريق الامامي .

داهمته هذه الذكريات وهو يمر من حيه القديم بعد ستة اشهر من تغيير موقع سكنه ، فسلك الطريق الخلفي للشقة والمفضي إلى الحديقة العامة حيث تعيش المرأة مع أبنائها.

منذ التفاتته الاولى لاح طيفها مع الاولاد ولكن  اشعة الشمس  لمعت في وجهه  ومنعته من الرؤية بوضوح .

تسارع نبضه وهو يقترب من الباب الرئيسي  ويهم بالدخول للحديقة للمرة الأولى؛ وللمرة الأولى سوف يرى وجه المرأة التي بددت وحشة صباحاته الكئيبة بنشاطها وحيويتها على مدى خمسة شهور متتالية؛ دلف الى أرض الحقيقة مسرعا و متحمسا؛   فصدم بمنحوتة من المعدن على شكل امرأة ترفع وعاءً للشرب بيديها،  وبقربها ثلاثة اطفال منحوتين بجمالية تعبيرية فائقة

تقدم في خطواته نحو اليسار فرأى منحوتة اخرى لامرأة وأطفال ثلاثة يتمسكون بثوبها وبيديها ، تقدم اكثر فرأى مجموعة من المسامير الضخمة مطروقة ومنحنية

وكأنها قامات بشرية منهكة ومتهالكة ، توغل في الحديقة فرأى تمثالا لعاشقين متعانقين اقترب من المنحوتة ولمسها بأصابعه فشعر ببرودة المعدن الصقيل جلس مطرقاً على مقعد خشبي ولمس وجهه ببنانه فشعر ببلل دافئ وربما مالح.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!