علام تلطم وجهها..؟ / إيناس ثابت – اليمن   

الذكر ىتصيبها بالحزن والإحباط فتدفع فكرها بعيدا،بفعل أشواك نالت منها  فأدمت قلبها، ولسعت أناملها ونكأت جراح ماضيها.فلم يعد القلم يستهوي أصابعها،وتحولت الكتابة إلى عبء ثقيل يؤلمها، بل صارت كابوسا نسجته يوما وهي عمياء القلب والعينين، من خيوط متشابكة يعسر حلها،لتحرك في أعماقها أشجان حاضرها وماضيها.

كانت قد تجاوزت عقدها الرابع؟ حينما حثّتها صديقة مخلصة في سعيها،للزواج من رجل تربطها به علاقة صداقة طيبة.كان العريس يكبرها بعشرة أعوام، وقد انفصل عن زوجته الأولى، دون أن يثمر زواجهما عن أطفال.

وهكذابعد تعارف قصير بين الطرفين؟ وافقت على الارتباط به لرغبتها بالزواج،فلا تبقى فريسة وحدتهاوقد ألحت عليها أفكارها لئلا يفوتها القطار، أو يمضي وهي في غفلة من أمرها،فيتجاوز محطتها التي لم تعد تتحمل الانتظار. لعلهاتنعم ببعض الحياة الهادئة وتنجب ابنا أو ابنة،تعيش ما تبقى من عمرها هانئة بجانب أي منهما.

كان طبيبا ماهرا وجرّاحا واسع الشهرة ينشد الهدوء والاستقرار،ما يساعده على أداء رسالته بما يرضي كفاءته وضميره وسمعته الطيبة. لم تسله سبب انفصاله عن زوجته،كما لم يسلها عن سبب تأخرها في الزواج.هكذا عقدا القران لتمضي بهما الأيام هادئة رتيبة، خالية إلا من المودة والوداعة والرضا. ومع تعاقب الأيام وانقضاء الزمن،ابتدأت تكتشفت فيه طباعا لم تكن تعرفها، وفهمت أن الصمت عادة تلازمه وأسلوب حياةيعيشه ويرضاه.

كانت الأيام تمضي متعاقبة برتابةبلغت حد الملل، حينما ابتدأت حياتها تتعكر ويتبددصفوها، ويتسلل السأم إليهاليقض مضجعها وينكد عيشها. فلكم كانت تشتهي مثلا أن يضحك أمامها ملء قلبه، أو يمازحها ويهمس في أذنيها ولو كذباكلاماعذبا يحرك خواطرها،فيغمرها بدفء يحرك أنوثتها، ويؤجج جذوتها بدل أن يساهم في إطفائها.

لم يخطر له مرة أنيمتدح إشراقة وجهها وعينيها،أويعاين مفاتن جسدهاويلاحظتسريحة شعرها الجديدة،أو يبدي إعجابه ببعض ما يعنيها.ليته اعترض مرة على الأحمر الصارخ  في شفتيها.كم راودتهاأحلامهابقضاء ليل مثير دافىء بجانبه، وأصابعه مشبعة بالحب تروي صحراءها القاحلة. هكذاكانت تحلموتلح عليها حواسها ويشتعل خيالها، فلم يحدث ما كانت تتوقعوتحلم به طويلا. ولما لم يتبدل حاله معهافقد غزاها اليأس والقنوط .

 طبيب وزميل له وفي نفس عمره تقريبا، ويعملان معا في نفس المشفى؛ كان قد دعاه يوما لزيارته في منزله لكي يتناول طعامه معهما،ويتميز زميله هذا بوجه مشرقوابتسامة وضاءةلا تفارق ثغره. صافح زوجة زميله وهو يسترقالنظر إلى عمق عينيها.قال في جلستهمكلاما لطيفا هادئا، أحست معه ما يشبه الشعر والموسيقىى.

فأصاب سهمهقلبها وغلبها ضعفها على أمرها، حينما أحست بسكرة تتنازعها ودوخة عصفت بقلبها وراحت تفتكبرأسها. إحساس جديد وعالم وردي لم تكن قد عرفته من قبل. هكذاتشاركثلاثتهمالغداءوتبادلوا كلاما في مختلف الشؤون. كان كلامه عفويا مرحا دون أن يعقب زوجها على الحديث،أو ويشارك في الحوار إلا قليلا.

 في تلك الجلسة الجميلة المؤنسة المحرضة، عادت ودهمتها أنوثتها وشعرت بشيء، لم تكن قد شعرت من قبل بهمع زوجها. كانت تتنفس ملء رئتيها وقلبها يرقص كفراشة ترفرففي حديقة أزهرت في قلبها من جديد، فتحسست ملامح وجهها، ووجدت نفسهاتحتفظ بمسحة من الجمال، وتمنت في سرها لو تعرفت إليه قبل زوجها.

تلك الليلة الساحرة بقيت حاضرة في فكرها ووجدانها، وسط ضباب الأيام وبرودة الليالي التي قضتها في كنف زوجها. بعد تفكير طويل قررت المغامرةوالتواصل معه في محاولةللقائه، أليس من حقها ان تعشق وتفرح وتضحك لها الدنيا. أوحتلزوجها أنيدعو زميله للغداء مرة أخرى؟لكنه اعتذربالنيابة عنه لانشغاله بعمل  طبي جديد. وهكذا طلبت رقم هاتفه أو بريده، متعللة أن صديقة لها بحاجة لاستشارته في وضع صحي خاص.

 بعد يومين حمل لها ورقة وعليها عنوان البريد الذي طلبته. ترددت طويلا قبل أن تكتب له، ثم تشجعت وباشرت رسم كلمات اختارتها بعناية، وبقيت تنتظر رده بلهفة المحروم. بعد ساعة كاملة من الانتظار المرهق وصلها رده، كان كما تصورت ودودا ولطيفا، مما شجعها على الكتابة إليه مجددا، وهكذا بدأتتتبادل معه الرسائل.

 وتوالت الرسائل بينهما في ساعات محددة. صار كل واحد منهما يعرف الموعد وينتظره بلهفة واشتياق، ومن حينها لم يعد صمت زوجها يزعجها، ولم تعد تلح عليه بالكلام معها أو تحاول فتح حوار معه، لم يعد يعنيها إعجابه بعينيها أو لون فساتينها، ما دام صديقه يعيش معهاوتغرق يداه في مفاتنها، من شعرها حتى قدميها.

بقي قلبها مرهونا دون موعد أو لقاء،فخيال صوته وحده كان يزيد في قلبها الخفقان،والأمل يمنحها الصبر على مرور الأيام.تمنت لو طلب منها لقاء في أي مكان، ولو استجاب لرغبتها لوافته إلى الموعد المحدددون تردد أو إبطاء. كانت الكتابة وسيلة التواصل الوحيدة بينهما،وكلما تدعوه لزيارتهم يعتذر ويتعلل بكثير من الأسباب.

كانت تتسوق يوما حينما تقابلا صدفة في محل تجاري، فتوهجت عيناها ورفرف قلبها في سماء الحب.ألقت عليه التحية وصافحته بحرارة، فابتسم لها وبدا غير مبالٍ بها وكأن شيئا لم يحدث بينهما،وحينما سألته عن أحواله؟تبسم لها بمودة وهو يودعها ويهمّ بمغادرتها،فراحت تناديه بصوت المتوسل والدمعة تطفر من عينيها.كانت تتوسل إليهوترجوهأن يتوقف،لتسأله والمرارة تتردد في داخلها، إن كان غاضبا منهاليغادر دون أن يحدثها!؟

 تعجب من دموعها على خديها، دون أن يرد عليها بإجابةتشفي لوعتها وتطفئ لهفتها، فسألته من جديد عن سبب تأخره في الرد على رسالتها الأخيرة؟ حينما تعجبوأنكر عليها أن يكون قد تلقى أي رسالة منها.أصابتها حيرة ودهشة أعلى، وبدأت الأفكار تخيم عليهاوتحوم في ذهنها، وألف خاطرة وسؤاليدور في خلدها: من ذا الذي تتحدث إليه كل يوم؟ من الذي تحكي له أوجاع  يومياتها، حتى صار يعرفها أكثر من نفسها؟ ارتبكت وتشتت أحوالها، وسألته متلعثمة عن العنوان البريدي الذي تراسله؟ ورد على الفورأنه بريد العمل الخاص بزوجها.

صاعقة شقت رأسهاوعمّ داخلها سكون رهيب. تجمدت الدنيا عن الحركة والدوران وراحت تلطموجهها بيديها وتصرخمستحيل! مستحيل.. وتمنت حينئذٍ لو أن الأرض، تنشق فتخفيها من الوجود وتبتلعها.

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!