المرآة..
استيقظَ مُبكرا.أختار بِزَّته المدنية الأَكْثر أَناقة..قضى وقتا في ارتدائها.. ضغط بربطة سوداء على عنقة الطويل.. أصْلحَ من ياقةِ قميصه النَّاصع البياض..وضعَ قبَّعةً سوداء على رأْسه بإحكام.. مسح بطرف إصبعة على طرفي شاربه.. ابْتسم.. أعادَ النَظَر إلى المرآةِ.. لم يرَ نفسه.
وجبة مجانية..
ما كادتْ أنْ تأتي سيارةُ الصفيح التي انتظرها طويلا حتى تسلَّقها من الخلف..ارتمى في أحد .زواياها وقد هدَّه التَّعب ببطنٍ خاوٍ وأوصال مُنهكة.. تجْلسُ قِبالته امرأةٌ مُمتلئةُ الجسد في الأربعين من عُمرها، تضمُ طفلا بين يديها..أخذتْ السيارة تتحرك بهديرها الصاخب المعتاد..الصغيريتململ في حِجر أمه..تسمرتْ عيناه..تحركتْ شفتاه..بلعَ رِيقه مرتين وهو يرى الطفل مُتشبثا بصدْر أمه..قالتْ وهي ترْمقه بنظرةٍ سريعة:
تبدو جائعا..
أومأ برأسه أنه كذلك..
بعد مُضي ما يقارب الساعة ، ترجَّل من السيارة بعد أن وجد مجانا ما يُسكتْ به جوعه إلى حِين.
عاشور حمد عثمان..
ماذا لديك هناك؟..
صباحًا ارْتَدى بِزَّته العسكريةَ ذات الأوْسِمةِ والناياشين..يتدلَّى جزءُ مِنْها على صَدْره وتستقرُّ أخرى فوق المَنْكِبين..قَالتْ وقد أحسَّتْ بملُوحة ماءٍ دافئٍ قد تَدَفَّقَ بغزارةٍ من عينيها: ماذا لَديْكْ هناك؟
– لا شئَ ذو بال.. مدينةٌ تَبْتَلعُني، أو رَصَاصةٌ أَبْتَلعُها..