مأساة أحلام / بقلم : نريمان نزار محمود

مأساة أحلام عاشت بطلة حكايتنا ( سحر) في مجتمع يسوده الجهل والجاهلية ، عادات وتقاليد بعيدة كل البعد عن تعاليم ديينا الاسلامي الحنيف ، كل شيء فيها مُباح للذكر ويحقّ له ما لا يحقّ لغيره – ولا أقول الرجل لأن الرجولة ليست أقوالا زائفة بل أفعالا نبيلة ، وإشاعة أمان ، وسند في حالات الضعف والتعب – يجوز له أن يتحدّث مع نساء الحي ، بينما إذا ما لمح أخته أو زوجته أو ابنته تنظر من باب البيت أو تردّ التحية على ابن الجيران ، أقام الدنيا ولم يقعدها ، يبدأ بالصراخ والشتم وقد يتطوّر الوضع إلى الضرب المبرّح ، وإذا ما تحوّلت ظنونه إلى قضيّة شرف كما اعتادوا تسميتها يصدر عليها حكما بالإعدام ، غير عابئ بمعرفة حقيقة الأمر، ومتناسيا بقوله تعالى إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا عسى أن تصيبوا قوما بجهاله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ، حيث لا ينفع الندم بعد وقوع القضاء ، وموقنا بأنّه قاض قادر على التحكّم بحياة المرأة ضمن مقاييس الجماعة ، مجتمع يكيل بمكيالين ، ويتعامل بإزدواجية عمياء . سمعت الكثير من آلام وأنين النساء والفتيات ، شهدت معاناتهم واضطهادهم ، فرأت أنّه لا بدّ من تغيير تلك الأفكار الهدّامة ، أفكار بشعة تلقي بظلال الوحشيّة على سِيَرأبرز ركيزة من ركائز الحياة البشرية ، من يقع على عاتقهن تربية النشء تربية صالحة قائمة على أسس الأخلاق والفضيلة . كانت قضية مقتل الفتاة أحلام على يد والدها الغاشم القشة التي قصمت ظهر البعير ، والشرارة التي أشعلت نار المقاومة بين صفوف المجاهدات كما أرادت سحر أن تسميهن. بدأت تعمل في حلقة صغيرة ، تجتمع فيها مع الفتيات الناضجات ، أخذت تبث في نفوسهن الحماسة والدافعية للتخلّص من قضبان السجن وأسواره … ” أنتنّ قادرات على تغيير الواقع المرير الذي عاشته أمهاتكن وجدّاتكن ، أن تحطّمن قيود العبودية والرّق التي ولدتنّ معها ، أن تتمرّدن وتثرن على سطوة الرجل وجبروته ، أن ترسمن درب حرية وتسرن أنتنّ ومن بعدكنّ على خطاه ، لترجعن للمرآة ذلك التكريم الذي نالته من الخالق عزّ وجل ورسوله الكريم ، وتنازلت عنه بسلبيتها وخضوعها ، واعتيادها التنازل عن حقوقها الواحد تلو الآخر ، فوصلت الزاوية القصوى من المهانة والذلّ . أنتنّ وحدكنّ من يضطلعن بمسؤولية إعادة الكرامة للمرأة في هذا المجتمع المتهالك ” لاقت كلمات ( سحر) آذانا صاغية وتفكيرا عميقا ، تخطيطا منظما وتنفيذا بمحصول وفير نقلت الفتيات حماستهنّ إلى أمهاتهن ، اللواتي نقلنها بدورهنّ إلى باقي نساء الحارة وهكذا حتى وصلت الثورة إلى كل نساء المجتمع المحلّي . وقفن بثبات ودافعن بأقصى طاقتهن عن حقهن في العيش في مجتمع عادل ، لا تمييز فيه ولا محاباة ، مكوّن من عنصرين متكاملين، لا فضل لأحدهما على الآخرإلا بالتقوى ، وبمقدار ما يقدّم للمجتمع من عطاء ومنح . هنا أدركت النساء أنهن قادرات على التغيير ، تغيير عادات بالية وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب، واقتنع الرجل حينها بأن المرأة عضده وضلعه المتين ، الجزء الذي تكتمل به كينونته ، وجانبه الليّن العطوف ، وكما يّقال وراء كل رجل عظيم امرأة .

عن جودي أتاسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!