نداء وطن / بقلم : عبد السلام عياصرة

يا فاطمة، أين القهوة؟ – ياجهاد إنّه الفنجان الخامس ولم يمضِ من النّهار ساعة. = يا فاطمة.. ما يضيرك أنت؟ – إنّها صحّتك يا جهاد، قم واذهب لتبحث عن عمل نقتات منه خير من أن تبقى في البيت تشرب القهوة وتدخّن. = أنت ترى حالنا… لم يبق في البيت إلاّ قليلٌ من الطعام والنقود، ولدينا صغيرةٌ تحتاج الحليب ومستلزمات أخرى. – يا فاطمة لا يوجد عمل، اتركيني فيما أنا فيه، فكلّ يوم أذهب وأعود كما ذهبت، أين القهوة؟ يا إلهي؟ ماذا أسمع؟ ارفعي صوت المذياع يا فاطمة. بسم الله الرحمن الرحيم… بيان هام.. بيان هام.. بيان هام… نظرا للأوضاع الأمنيّة السائدة في البلاد، يعلن القائد الأعلى للجيش النفير العام، على الشباب التطوّع والالتحاق بمعسكرات التدريب فوراً وحالاً. – الله أكبر… الله أكبر يا فاطمة، سألتحق الآن بمعسكرات الجيش، أحضري أوراقي وأعدّي لي العدّة. = يا جهاد!! لمن تتركنا يا رجل؟ لا تذهب، نحن في حاجة إليك… – بل سأذهب يا فاطمة! إنّه نداء الوطن، والوطن أغلى من كلّ شيء حتّى من ابنتنا. أين سارة يا فاطمة؟ = إنّها نائمة يا جهاد… – حسنا، سأذهب لأقبّلها وأغادر حالاً إلى معسكر التدريب = بابا،، بابا،، إلى أين أنت ذاهب؟! ما بك يا بابا؟! – بنيّتي حبيبتي… الوطن يناديني ويجب عليّ أن ألبّي النّداء، دعيني أقبّلك وأذهب. = حسنا يا بابا، لا تتأخّر. مضى شهر وجهاد لا يزال في صفوف الجند في معسكر التدريب ومعنوياته عالية ونشيط ومثابر وهمّته تطاول السماء، محبوب من زملائه ومن مدرّبيه ومن قائد المعسكر، متفانٍ، يحمل همّ أمّه. (عائلته) = قائد المعسكر: أيّها الرّقيب، أحضر لي جهاد. – أمرك سيّدي… =جهاد : السلام عليكم ورحمة الله، حاضر سيدي. – القائد: يا جهاد أريدك أن تكون مطمئناً ولا تفزع، يا جهاد وصلتني برقيّة تفيد أنّ ابنتك سارة قد دخلت المستشفى، وأنت تعلم أنّ الوضع حرج ولا إمكانية للإجازات الطويلة، يا جهاد سأرسل معك السيارة العسكرية لتذهب إلى المستشفى وتطمئنّ على ابنتك وتعود. = حسناً سيّدي، وشكرا لك، لن أتأخّر إن شاء الله. انطلقت السيّارة وفيها جهاد وهو يحثّ السّائق على السرعة لانشغاله على ابنته سارة. السيارة تسير بسرعة فائقة وكأنّها تطير، لا تبالي بالمنحدرات وتعرجّات الطريق. يا ستّار يا ستّار يا ستّار… انتبه! انتبه! للأسف.. تدهورت السيارة وانقلبت في الوادي المحاذي للشّارع، وأغمي على جهاد وأصيب السائق بجروح بليغة. وحُملا على أثرها إلى المستشفى. … مرّ أكثر من شهر وما زال جهاد في غيبوبة، وحين صحا كان من حوله زوجته فاطمة وابنته سارة تجلس على حافة السرير… = الله أكبر، أين انا؟ ما هذا! – فاطمة: اطمئنّ يا جهاد، نحن معك، وها هي سارة. بحمد الله قد شفيت، وفرحنا بك بسلامتك الآن كبير… = افتحي لي المذياع يا فاطمة! فتحت فاطمة المذياع الصّغير الموجود في غرفة جهاد. .. بسم الله الرحمن الرحيم بيان هام… بيان هام… بيان هام… الله أكبر… الله أكبر… الله أكبر… بنصر من الله وفتح كبير، قواتنا الباسلة الآن تدكّ معاقل العدوّ في كلّ مكان وتوقع بها خائسر كبيرة ممّا دفعها إلى الهروب والاستسلام.. علت الزّغاريد في المستشفى وعمّت الفرحة، ووزّعت الحلويات، وضجّت الممرات بالتكبير. نظر جهاد إلى باب غرفته المفتوح على الممرّ، يا إلهي ما هذا؟! إنّها نقّالة موتى تمرّ من باب الغرفة؟! شعور غريب ينتاب جهاد، لمن هذه الجنازة؟ّ – الممرض: إنّه سائق السيارة العسكريّة يا جهاد، لقد انتقل إلى رحمة الله. = الله أكبر، الله أكبر، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رحمك الله أيّها النبيل، وكتبك مع الشهداء والصديقين في عليّين. حزن جهاد بمقدار فرحته بالنصر الّذي لطالما حلم أن يشارك فيه. – سارة: بابا، (القدس لنا، والأرض لنا، والله بقوّته معنا) بابا سنصلّي بالمسجد الأقصى. دخل الطبيب معلناً خروج جهاد من المستشفى.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!