أستاذة الأدب العربي الناقدة والفنانة التشكيلية خيرة مباركي : حلمي … العمل على إرساء نظريّة في النّقد ، عربيّة تتنصّل من كل تبعيّة إلاّ سلطة النص

أستاذة الأدب العربي
الناقدة والفنانة التشكيلية خيرة مباركي :

حلمي … العمل على إرساء نظريّة في النّقد ، عربيّة تتنصّل من كل تبعيّة إلاّ سلطة النص

حاورها – الإعلامي قصي الفضلي

عربية الأصل والتكوين والنّشأة من أب حمل عمق حضارة وأصالة الجزائر وأم تونسية أرضعتها سحر الجمال الخلاّب وطبيعة تونس الخضراء الخلابة …فكانت مرحلة الطفولة باللّون الأخضر ، تلك النّشأة المتفرّدة بين حضارتين عربيتين ، أسهمت منذ مرحلة الطفولة في صقل مواهبها الإبداعيّة في الفن التشكيلي وعشق الشعر والأدب .
ضيفتنا أستاذة الأدب العربي خيرة مباركي والناقدة والفنانة التشكيلية من تونس وذات أصول جزائريّة. متحصّلة على الإجازة في اللّغة والآداب العربية. أصدرت ديوان بعنوان “عيون تعزف الوجد ” وشاركت به في معرض القاهرة الدولي للكتاب .وكتابان نقديان قيدا الإنجاز . عضو في الاتحاد الدولي للأدباء العرب بالقاهرة . عضو في الواحة الدولية للفنون والآداب . عضو في فنانون بلا حدود . عضو في البيت الثقافي العربي بالهند ومساعد رئيس تحرير لمجلّة الحرف المحكمة العالمية بجامعة ستراتفورد الأمريكية .مساعدة ومستشارة للرئيس التنفيذي لشؤون النقد والفن بوكالة أنباء عرار بوابة الثقافة . لي العديد من الدراسات النقدية في الشعر والقصة والرواية وكتبت مقدمات ودراسات نقدية لدواوين شعراء عرب نشر نشاطها الإبداعي في العديد من الصحف والمجلات الورقية في دول عديدة من بينها مصر والعراق والجزائر وأستراليا وتركيا ولبنان. والمواقع الالكترونية العالمية .ولها صفحات فيها مثل الصدى نت ومعارج الفكر الصادرة من ألمانيا و”كتابات” و”الحوار المتمدن “و”شبكة الإعلام بالدنمارك “.. و”المركز الدولي للثقافة والفنون INTERNATIONAL CENTER FOR CUITURE &ARTS . وتركيا ولبنان .. اقامة معارض تشكيليّة خاصة وأخرى مشاركة مع فنانين تشكيليين آخرها معرض إلكتروني عالمي بإشراف الفنان التشكيلي الدكتور خالد نصّار تحت عنوان ” ألوان حالمة ” ..واتخذت العديد من لوحاتها كأغلفة لدواوين وكتب ومجلات عربية… حملنا عدد من التساؤلات وطرحنها على طاولة الحوار لنخرج بالمحصلة التالية :

** عربية الأصل والتكوين والنّشأة من أب حمل عمق حضارة وأصالة الجزائر وأم تونسية أرضعتك سحر الجمال الخلاّب وطبيعة تونس الخضراء بجبالها وسهولها .فكانت مرحلة الطفولة باللّون الأخضر ، ما هي دلالات تلك النّشأة المتفرّدة بين حضارتين عربيتين ؟ وكيف أسهمت مرحلة الطفولة في صقل مواهبك الإبداعيّة ؟

– صحيح أنا عربيّة الأصل والتكوين والنشأة .هويّتي فخري وافتخاري .وانتمائي إلى حضارتين هو جزء لا يتجزّأ من شخصيّتي .عشت وترعرعت في تونس ونشأت وتعلّمت مبادئ الحياة أما الجزائر فهي تعيش بداخلي . يقال إن(ّ الأصل غلاّب ) . وفعلا هو كذلك .عشقت في تونس والجزائر الجمال والحرية والانفتاح الفكري والثقافي .تعلّمت مبادئ الأخلاق وتشبعت بالقيم . أصبحت أرى العالم من هذا العلو الشاهق . من هذا الثالوث المعرفة –الفن – الأخلاق .هنا تبدأ رؤيتي للوجود . لم أعش الانطواء ولا العبودية لأن المرأة التونسية متحرّرة . ولكنها الحرية المسؤولة الملوّنة بوشاح العقل وبقناعة الأخلاق . بهذا فتلك الجبال الخضراء والسهول الواسعة مثلت لي العالم المثالي الذي يتوهج فيه قبس الإبداع . وقد كانت بداياتي مع الرّسم لمّا أحسست أن أصابعي تواقة لقلم الرّصاص.. وأن هذه الطبيعة تراودني لأخط نغماتها على أوراقي الخرساء أستنطقها بفكري وإحساسي.. وعشقت الألوان حين داعبت أعماقي وبصري فأطلقت لها العنان ،لأصل الى المسابقات التي فزت فيها وكانت منطلقا لزرع الثقة في نفسي ، لأخوض غمار المعارض رغم صغر سنّي . وكانت الجامعة فضاء رحبا لأمارس هوايتي وأنمي طموحاتي .. عندها قررت أن أصنع نفسي بنفسي ولكن الضغوطات السياسية والاجتماعية جعلتني أبتعد لفترة طويلة وأنغمس في الحياة العملية كأستاذة في الأدب العربي قديمه وحديثه . وهذا ما عمّق اهتمامي بالنقد وأجربه في البداية على أعمال لأدباء ارتبطوا بالبرامج التعليميّة لكن وجدت أن لدينا من الأدباء والشعراء الذين نعايشهم ابداعا أحيانا يفوق ابداع السلف . وهذا ما جعلني أنغمس في دراسة أعمالهم لتكون موضوعات لدراسات عميقة منها ما سيكون مواد لكتب نقديّة متكاملة ..

** مثلما أسلفت في مقدّمة حوارنا أنّه يجسّد ملامح ثلاثة محاور . نبدأ في طرحنا لسؤال حول شخصيّتك كفنّانة تشكيليّة ،حدّثينا عن مرحل الطفولة ، وكيف تفجّرت طاقاتك في مجال الفن التشكيلي لاسيّما خطوات البداية في مسك الريشة وعلبة الألوان وصولا إلى مرحلتنا الحاليّة وتجلياتك في وضع أسس خاصّة في في خطابك البصري والثراء التعبيري ،والتمكّن من إيجاد فضاء حواري واسع مع المتلقّي ؟

– عندما كنت صغيرة لم أكن أعي بأنّي متفوقة أو عندي لمسات فنيّة يمكن أن تُصقل وأصير بعدها قادرة على النجاح والوصول إلى أهداف حلمت بها . كل ما وعيته أني كنت محل إعجاب أساتذتي والمحيطين بي ،وهو أمر زرع في نفسي الثقة .وأذكر أني كنت أجرّب كل ما يعترضني من أشياء يمكن أن تكون أدوات للرسم سواء كمساحات مناسبة أو كمادة طيعة يمكن أن تكون وسيلة عمل إبداعي . أذكر أني رسمت على مرآة سيّارة ، أو قطعة من “الكرلاج” أو أغلفة لامعة يمكن أن تشكّل منظرا بديعا وراء قطعة بلور .. كما أذكر أني نحتّ رأسا من قطعة لفت إلخ …وصولا إلى صنع قماشة من خرق الأكياس البالية ورغم منظرها العادي لكنها شكلت منظرا مختلفا لم أعي قيمته إلاّ لما زارني في معرضي أستاذ الفن التشكيلي الأستاذ حسن الكحلاوي أستاذ الفنون في المعهد العالي للفنون وأرسل طلبته كي يستفيدوا من تجربتي ، حينئذ أحسست بنجاحي .ثم خضت مسابقة وطنيّة “ربيع بلادي للشباب ” وشارك فيها أكثر من 1200 مشارك من كامل تراب الجمهوريّة وكنت الفائزة الأولى ، وقتها لمع اسمي في الجرائد والمجلات . مثل جريدة ” الشروق ” ومجلة ” الإذاعة والتلفزة التونسية ” و” الأنوار ” . شعرت بالفرح وقتها لأن اسمي في الجرائد والمجلات ولكن شعرت ببعض الضيق نظرا لأن كل تظاهرة تُقرن وجوبا بالسياسة وبالحزب الحاكم بأن هذه التظاهرة تابعة لطلبة التجمع . ولكن غير صحيح لأني وقتها لست ضدهم ولست معهم . أنا باختصار فنانة لا أنتمي لأي جهة . وجهتي الوحيدة الفن وأفكاري التي تسع الجميع وترغب في السلام والأمن . وفي يوم طُلب مني أن أقوم بمعرض في الاتحاد العام التونسي للشغل وقمت به ووجدتني أُسأل عن أفكاري التي بينت لهم فيما بعد أنّ لا وجهة لي. كل ما أرسمه وليد شعور نقي بعيد كل البعد عن أي أيديولوجيا . واشتهرت وقتها كثيرا ثم تحولت إلى الجامعة. ظل هاجسي السياسي قائما لهذا رغم النجاحات بقيت حذرة أشارك فقط في التظاهرات الكبيرة والمعارض التي انطلقت جماعية ثم تحولت إلى معارض فردية أحدها زارها وزير الثقافة . ثم بدأت العمل ووجدتني أبتعد رغم أنهم كانوا يشجعونني على المواصلة ولكن ما كانت عندي رغبة لأن كل عرض يحسب سياسيا .وابتعدت مدة طويلة وكان ظهوري في هذا الفضاء الأزرق الذي عرفني على العديد من الفنانين والأدباء العرب ومن جملة الأنشطة معرض إلكتروني عالمي “ألوان حالمة” نظمه الفنان التشكيلي العالمي الدكتور “خالد نصّار ”

** قال عنك دكتور محمود فتحي :” الفنّانة والشاعرة الحالمة والأديبة المتمكّنة خيرة مباركي ، كامرأة :اسبَغي لنا أغوار أعماقك وأطلعينا على مصادر إلهامك ومديّات البوح لمتخيّلك شعريّا ، ومتى تشعرين بالرّغبة في معانقة الألوان ؟.

– الدكتور محمود فتحي من الشخصيات التي أعتز بها ، كتب عني الكثير وعن أعمالي وهو أمر يشرّفني كثيرا وأعتبره شهادة أفخر بها . أمّا عن مصادر إلهامي فهي أوّلا العاطفة بهذه العلاقة بين ذاتي ونفسي وبين العالم الخارجي ، سواء كان شعرا أم تشكيلا لا أرسم ولا أكتب شعرا إلاّ إذا أحسست برغبة عنيفة في ذلك . لهذا أعتبره فعلا تلقائيّا لا مقصودا ولا متكلّفا. هو نشاط النفس في لحظة انفعالية كبرى تكون أعمق من الواقع وأشد وطأة عليه. هي رؤيا الذات ترسمها من أجنحة مسافرة وجراح .

** كيف بدأت رحلتك مع الشعر ؟ ومن كان المحفّز في انطلاق مديات البوح لحرفك وإماطة اللثام عن ملامحك كشاعرة ؟

– بدأت رحلتي مع الشعر منذ كنت تلميذة بالثانوي ولكنها ليست كل اهتمامي. كنت أكتب باللغة الانجليزية ، لم أكتب الكثير وكما أشرت لا أكتب إلاّ في حالات انفعاليّة شديدة .كانت مجرد ذكريات صبا ولكن بحكم عملي كأستاذة في الأدب العربي ترسّخت هذه العلاقة وتوطّدت .عشقت الشعر لأني كنت أهيم في شرح قصائد أبي نواس وأحلق مع بشار بن برد وأطير مع المتنبي وأبي تمام وأترنم مع شعراء الأندلس وأحلم مع نزار قباني وأبحث وأستكنه عوالم أبي القاسم الشابي ونازك الملائكة مع شعر وأجوب عوالم السياب ودرويش… كنت أظن أن الشعر انتهى مع هؤلاء وكنت غيورة على النص لا يرضيني فيه غير المعنى المفارق والصورة الراحلة في أكوانها النائية..ووجدت ضالتي في نصوص أصدقاء طربت لها وحلقت معها وكانت أول قصيدة لي ردّا على قصيدة شاعر صديق .ما قصدت أن تكون شعرا ولكن الشاعر نشرها على أنها نص مواز لنصّه . وكنت كلما علقت على أحد الأصدقاء يردّد نفس الملاحظة ويتساءل كيف لا أكتب شعرا. كنتُ أكتب ولكن لنفسي ما كان النشر من اهتماماتي . وكانت قصيدتي الأولى حين توفيت أمي رحمها الله . أكتب حين يستبد بي الشوق إلى شيء ما ، حين الخيبات والانكسارات وحين يكون الشعور مشدودا إلى اللا متوقّع حينئذ تكون اللغة أعنف من أكبح جماحها فأطلق لها عنان البوح وحين يعجز اللون والريشة عن رسمي ألوذ بالقلم .

** تتهاوى تحتي العروش، لذا فأنت رهينة اللحظة الشعوريّة ، يا ترى متى تكون اللغة قادرة على كتابتك ..؟

– ” تتهاوى تحتي العروش ” قصيدة في ديواني “عيون تعزف الوجد ” قصيدة خاصة جدا بكل ما فيها ، كتبتها يوم عيد ميلادي كنت يومها مسافرة في القطار من مدينة ” صافونا ” الإيطالية إلى مدينة ” نيس ” الفرنسيّة ودامت الرحلة ست ساعات على طول الشريط الساحلي المحاذي للسكة الحديدية . كنت بين البحر والسهول الخضراء . نمرّ بأنفاق عديدة مظلمة إلا من أنوار خافتة . تذكرت كل شيء وكتبت وأذكر أن العبرات صافحت وجنتيّ من غير استئذان حين قفزت من بعض أعماقي ذكرى حزت في نفسي وأنا وحدي في هذه الطريق الطويلة . حينئذ كتبتْ لغتي بعضي وتألمت مع بعضي وصمتت على بعضي …

** هل يمكن أن يندرج أو يصنّف الأدب الذي تكتبه المرأة ويطرح قضايا مشاعر المرأة تحت توصيف الأدب النسوي ..؟

– لا أظنّنا نحتاج إلى هذا التقسيم والتفتيت للكيان الانساني . ولا أعترف بأدب نسوي . بهذا هل نقول في المقابل “أدب رجولي ” ؟ حتما لا . الأدب مأساة أو لا يكون كما يقول أستاذنا القدير محمود المسعدي ومأساة الانسان لأنه يتردد بين الألوهيّة والحيوانية وليس بين الأنوثة والذكورة ..ما تكتبه المرأة عن مشاعرها وأفكارها وهواجسها ليس لها وحدها . هي نصف المجتمع وهي تكتب عن الحب بكل أشكالة : حب الحبيب وما تبطنه من مشاعر تجاهه تماما كما يكتبه هو لها ، حب الوطن ، الأمومة ، كل شيء نابع من إحساس دفين لا يمكن أن نفرق فيه بين إحساس ذكر وإحساس أنثى . وشواغلها نفس شواغل الرجل كذلك لا يمكن أن نفرق بين الذكر والأنثى . حين نتحدث عن الفكر أو العاطفة فنحن نتحدث عن انسان ينشئ حضارة ويشيد صرحها من إبداعاته ووسائل تعبيره الخاصة .

** هل أصبح النقد الأدبي بشكل عام : نوع من الكتابة العابرة لحدود التخصّصات مما جعل انتشارها بعيدا عن المقاسات الأكاديميّة ، وهل تخضع “حوكمة ” النص في المرحلة الحالية للمهنيّة والشفافية وتضع العلاجات المأمولة إيجابا وسلبا بغض النّظر عن مدى ما يربط الناقد بالشاعر من علاقة وصداقة ..؟

– ربّما وأمام قلّة النقّاد المختصّين والأكاديميين مقارنة بالكم الهائل من الشّعراء. أقول -وللأسف الشديد – نعم، أصبح النقد الأدبي نوعا من الكتابة العابرة لحدود التخصّصات . صرنا نرى اليوم نظريات جديدة خارج أسوار الجامعة. وتطبيقا لها من خارج الاختصاص الأدبي الأكاديمي . أنا مثلا قد أفهم ما قيل عن الطب وقد أكون مدركة لنظريات علم النفس أو قد أكون قارئة جيدة للجغرافيا والعلوم ولكن لن أكون طبيبة ولا أقحم نفسي في التحليل النفسي وأصبح من المنظرين لأسس علميّة لا أعرف عنها سوى بعض ما ظهر منها .ولن أكون عالمة في الجغرافيا .ببساطة لأن لكل اختصاص منافذه وخصوصيّاته والنقد ليس فرزا للكلام واللغة . هو حوار بين القارئ والمقروء ولا نتقن هذا الحوار إلا بشروط أولها أن تكون بين المخاطِب والمخاطَب تواصل وجداني انفعالي محكوم بطاقة تأثيريّة لا تحدث إلا بالوعي الذي يتشكل بالمعرفة والدربة وهو الشرط الثاني. أما الشرط الثالث وهو ما يرتبط بالذكاء والذّوق من خلال القدرة على استكناه النص والحفر عن مواطن الجمال فيه بالسيطرة على مغاليقه حتى يتسنى للناقد الامساك بزمامه والإقناع . بهذا قد يكون الناقد قارئا جيدا لكن لا يمكن أن يكون كلّ قارئ ناقدا جيّدا . فهذا فما أسميتَه ب” حوكمة النّصّ” إنما هو إلتزام بأخلاقيات الكتابة وما يتطلّبه العمل النقدي من دربة ومعرفة وقدرة على التفاعل مع النص . أمّا ما يتصل بالعلاقات بين الناقد والشاعر فلا أساس له من الصّحة إذا ما انطلقنا من هذه الشروط التي تجعل لكل نص منقود خصوصياته ومفاتيح قراءته. ولكن إذا تحوّل النقد عن صورته الأساسية ووظيفته يمكن أن تحكمه العلاقات ولسنا حينئذ أمام نقد . من يكتب ليجامل ويتسول الودّ فقد حكم على نفسه بالفشل .

** برأيي كمتلقي : أن القصيدة والحرف رسالة مفتوحة للعالم أجمع ، وفي ظل الحريّة والانفتاح الكبير في وسائل الإعلام وتعدّد منابر النشر ، نرى بعين المتابع اتساع ظاهرة “جسدنة الأدب” فهل تعدّ تكريسا لسلطة إغراء الحرف ، أم هي دعوة في سبيل تحرير الأنثى من القيود المتوارثة ؟

– نعم القصيدة رسالة مفتوحة للعالم أجمع بفضل هذا الانفتاح الكبير في وسائل الإعلام وتعدد منابر النّشر. ولن ننكر قيمة العديد من القصائد الحديثة لشعراء وشاعرات ارتقوا بالكلمة إلى معاريج الإبداع والصنعة ، وخاصة ما تعلّق بالصورة الشعريّة التي اتسعت مجالاتها المرجعيّة والرّمزيّة .وقد بلغت قصائد عديدة شأوا بعيدا في الترميز جعلها تلامس في أحايين كثيرة المحظور في العرف والأخلاق . هنا لن نحكم على الصورة إلا بالفعل الشعري فيها ، لأنّه هناك من تقصّد تجريب آليات التصوير مثل الدين الجسد الميتافيزيقا ، الفلسفة ، الأسطورة … وأذكر أني درست قصيدة للشاعر فائز الحداد ” لك المآذن ولي الصّراخ ” واتخذت لها عنوان ” الرمز الأنثوي بين الجسد والميتافيزيقا ” فما في القصيدة قد يظهر أيروتيكا ولكن قدرة الشاعر الكبيرة قد تخرجه من هذا المأزق ،وهو أمر لا يخفى على الناقد الذكي والحصيف إذ يظهر في أسلوب الشاعر وقدراته التعبيريّة والتصويريّة . لكن نجد من يتعمّد “جسدنة الأدب ” للإثارة والإغراء وطبعا هذا لا يمتّ للأدب بصلة ولا نعتبره بأي حال من الأحوال ضربا من ضروب التحرّر بل هو قمة العبوديّة .

** كامرأة عربيّة هل تجد أنّ هناك خطوطا حمراء مجتمعيّة تحول دون ممارسة دورها المأمول في حريّة التعبير ؟

– حرية التعبير المرتبطة بالمسؤولية هي الطريق السّوي الذي يوصلنا إلى الخلاص . هذه الحريّة وجب أن تكون مشروطة بالأخلاق واحترام ذوق الآخر. ولن يكون الابتذال ولا الأيروسية – مثلا – حريّة في التعبير .

** حدثينا عن رحلة التزود بالمعرفة مع دواوين الشعراء والأدباء . وهل يجب على المثقف أن يقرأ ويستمع أكثر مما يكتب ؟

– هي رحلة طويلة ابتدأت بعشق المطالعة .كنت أقرأ ما يتصل بالبرامج التعليميّة سواء في مرحلة الدراسة أو التدريس . وكنت أتأثّر بما أقرأ ، أحلّق مع هؤلاء وأعيش معهم لحظاتهم الإبداعيّة وكل ذلك عبر التخييل . أعيش مع شعراء الجاهلية زمنهم ومع المولّدين تطوّرهم أطرب لبديعهم وأقنع ببيانهم وهكذا إلى الشعر الحديث بمختلف أشكاله ثم تطورت لأعايش شعراء أعرف هواجسهم وطرائق تفكيرهم وهو أمر جعلني أحب المعرفة وأجتهد في البحث لأجدني في عالم فسيح لا حدود له . وهو أمر يدفع إلى القراءة سلاحا يواجه عنت النصّ. والقارئ الجيد حتما سيكون كاتبا جيّدا لأن الإبداع في تطوّر مستمر ويلزمه آليات الإنتاج كما آليات القراءة .

** هل وصلت إلى مرافئ تحقيق الأحلام والتطلعات ، وما هو مشروعك المستقبلي ،كيف تحلمين به ؟

– الانسان استحالة صعّادة .وجوده صراع متواصل والمرافئ التي يظن أنها آخر الرحلة ما هي إلاّ سراب لأنّه بمجرّد أن يقتنص حلما تتراءى له أحلاما هي التي تدفعه من جديد وإلاّ لن يكون انسانا . نحن نحلم ونصوغ أحلامنا مغامرات نقتحم فيها الوجود من ثنايا نختبر فيها أبعادنا ونؤمّن بها تطلعاتنا . ولكن عبثا نرضى بالمرافئ . نحن كالماء يجري إلى أن تشربنا المسافات. أمّا عن حلمي فهو العمل على إرساء نظريّة في النّقد عربيّة تتنصّل من كل تبعيّة إلاّ سلطة النصّ.

* كلمة أخيرة …

– شكرا جزيلا لهذه الفسحة الرائعة التي جمعت بين المتعة والاستفادة من أسئلة ذكية وراقية .

عن نوار الشاطر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!