الشاعر رضوان بن شيكار يستضيف الروائي عبد الكريم عباسي في زاويته أسماء وأسئلة

أسماء وأسئلة: إعداد وتقديم رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الاسبوع الكاتب عبد الكريم عباسي
** كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
في البداية لا بد من تقديم شكري وامتناني لكم على اهتمام منبركم الثقافي بالفنانين والمبدعين والفاعلين في الحقل الثقافي، بالنسبة لسؤالكم الأول، فعبد ربه كاتب روائي وقاص ومترجم من مواليد مدينة القصيبة بالأطلس المتوسط وأستاذ مكون للغة الأمازيغية والحياة المدرسية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمدينة خريبكة
** ماذا تقرأ الآن وماهو اجمل كتاب قرأته؟
حاليا أقرأ رواية موت صغير (للروائي السعودي محمد حسن علوان)… أقرأها للمرة الثانية لروعتها، أما عن أجمل كتاب قرأته، يمكن أن أقول كتب كثيرة جميلة إنما تبقى ثلاثية الكاتب الياباني هاروكي موراكامي من 1Q84 من الكتب التي تأثرت بها وغيرت نظرتي لكتابة الرواية
** متى بدأت الكتابة ولماذا تكتب؟
بدأت إرهاصات الكتابة لدي في سن مبكرة منذ سن المراهقة كمحاولات أولية سواء في الشعر أو بعض النصوص القصيرة، حيث كنت أطالع الكتب وأهتم بها سواء باللغة العربية أو الفرنسية وكنت أستمع إلى البرامج الثقافية الإذاعية كإذاعة الب ب سي، خصوصا برنامج “ما القول وما المناسبة” الذي كنت أحفظ منه الأشعار والنصوص النادرة. إضافةإلى أني كنت مدمنا على رسالة الأمم المتحدة التي كانت تداع كل يوم أحد صباحا فكنت أكتبها كلها مباشرة في دفتر خاص وأحفظها. وكنت أشد تأثرا برواد الأدب كطه حسين والمنفلوطي وجبران ونازك الملائكة والعقاد ونجيب محفوظ وغيرهم ممن كانوا يشكلون النهضة الأدبية آنذاك، إضافة إلى الرواد الفرنسيين كفيكتور هيجو وموليير وجون جاك روسو وغيرهم، ومنذئذ كنت أقوم بمحاولات للكتابة ما زلت أحتفظ ببعضها إلى الآن في أرشيفي. وكنت أتلقى تشجيعات من إخوتي وأساتذتي وأصدقائي. أما عن بداية الكتابة الاحترافية فلم تبدأ إلا في سنة 2014 بقصة “المصيدة بجزأيها الأول والثاني، ثم تلتها الكتابات باللغة الامازيغية لقصص مصورة من منشورات مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2015، وفي 2016 ولجت عالم الرواية بإصدار رواية “ملاذ الوهم والتيه”، وبعد ثلاث سنوات صدرت لي الرواية الثانية “رياح المتوسط”، وفي نفس الوقت كنت أشتغل على أعمال أخرى حيث أصدرت ترجمة لمجموعة قصصية “السوق اليومي” إلى اللغة الأمازيغية سنة 2017، وقصة “كنز الغابة” التي زاوجت فيها بين اللغة العربية واللغة الأمازيغية، إضافة إلى كتاب جماعي في التربية بعنوان” الصورة وتطوير منظومة القيم”
** ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟
المدينة التي تسكنني بلا منازع هي بلدتي مدينة “القصيبة” التي ازددت ونشأت فيها وترعرعت في أحضانها وتختزن ذكرياتي الجميلة منها والحزينة، فيها عبق من طفولتي وشبابي وقصصي، أكن كل الحب والتقدير لأهلها الكرام شيبا وشبابا وساكنة ومسؤولين، عاشقي الثقافة والأدب من زمان، فكلما صدر لي مؤلف إلا وأجدهم تثمنون المنتوج ويسألون ويتهافتون على الحصول عليه، بل دعمه كذلك لأنهم يعتبرونه منتوجهم كذلك.،وأماكن البلدة تنطق تاريخا غنيا بالحكايات والبطولات الخالدة والانكسارات، مدينة صامدة عبر الزمن وما تزال.
(5) هل انت راض على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟
فعلا أنا لحد الساعة ولله الحمد جد راض على إنتاجاتي التي تتسم بالتنوع بين ما هو تربوي وما هو أدبي وما هو فني، إلا أنني أجد ذاتي أكثر في كتابة الرواية لما تتسم به من قيمة أدبية وأريحية في الكتابة وكثرة الطلب عليهافي الوسط الأدبي بين النقاد وطلبة الكليات خصوصا، فرواياتي والحمد لله محط اهتمام العديد من الطلبة والطالبات الذين أجروا عليها دراسات جامعية سواء في الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه، إضافة إلى دراسات النقاد عير ربوع المملكة وقد نشر جلها في مؤلفات وجرائد ومجلات محكمة. بالنسبة لاعمالي المقبلة، لدي مؤلفان لم ينشرا بعد أنهيتهما في فترة الحجر الصحي ولم ينشرا بعد هما رواية بعنوان” عودة تشارلز”، بالإضافة إلى مؤلف “مبادئ في علم الموسيقى”. وحاليا بصدد اللمسات الأخيرة من رواية اخترت لها عنوان” ملحمة روسيو” تجري اجوارها بين لشبونة وإشبيلية وروما. ثم مجموعة قصصية للأطفال بحرف تيفيناغ باللغة الأمازيغية ألفتها منذ ثلاث سنوات ستتولى نشرها إحدى دور النشر المغربية.
** متى ستحرق اوراقك الابداعية وتعتزل الكتابة بشكل نهائي؟
الاحراق سواء بمفهومه المجازي أو الواقعي غير وارد، لأنني أتنفس أدبا وأعشق الكتابة حتى النخاع وأعيش بها ولها، وأعتبرها الحياة بعينها ، لن يثنني عنها سوى الموت أو الخرف. أما ما دمت بصحة وعقل جيدين فلن أتخلى عن الكتابة أبدا ما دمت أجدد في الكتابة وأنجح والحمد لله في تقديراتي وعطائي، ولا أتلقى إلا ردود الفعل الإيجابية حول كل ما كتبته.
** ماهو العمل الذي تمنيت ان تكون كاتبه وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
لكل واحد منا مثله العليا أو إعجاب خاص بأعمال أدبية راقية، وكما قلت سابقا فقد تأثرت بالأدب الياباني من خلال جل مؤلفات هاروكي موراكامي وبأسلوبه وتقنياته في الكتابة وطريقة توظيف للخيال اللامحدود وثلاثية المذكورة هي من الروائع التي أعجبت بها. بالنسبة لطقوس الكتابة، في الحقيقة أهم طقس مشترك بين جميع الكتاب يتمثل في شرط هدوء المحيط ، لا يمكنني أن أكتب وأنا في مكان أو وسط مفتون أو حركي مليء بالضجيج.أما الزمن الذي أكتب فيه بأريحية فهو فترة واحدة خلال الصباح وفترة قبل النوم. ولا أجهد نفسي في الكتابة كلما أحسست بتعب أو توقف في التفكير والخيال. وليس لي قدر من الصفحات التزم به يوميا، فقد يمر شهر دون ان أكتب، لكن أستمر في التفكير والبحثء الذي يأخذ مني أحيانا وقتا كبيراء حينها وأظل علي ارتباطي الدائم بالرواية في ذهني ومخيلتي ولو لم أكتب حرفا.
** ماهو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالمغرب؟ وهل للمبدع والمثقف دورفعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها ام هو مجرد مغرد خارج السرب؟
إذا ما تحدثنا عن المنتوج الأدبي، فالوضع الثقافي الحالي في بلادنا يتميز بغزارة في الإنتاج على مستوى الكم، لكن على مستوى المضمون، فقليلة هي الانتاجات التي تستحق التنويه والاعتبار، وذلك ناتج عن تحرير الانتاج والتأليف، فلكل ذوقه وميوله ورغباته.فهناك ما يطبع عن طريق دور النشر وهناك ما يطبع مباشرة عبر المطابع، وكلاهما يتنافس في المعارض والسوق وفي المنتديات الثقافية والجوائز، إلا أن البقاء للأجود بكل تأكيد. أما على مستوى التنظيم والمؤسسات، فهناك فراغ كبير خصوصا في الأيام الأخيرة بغياب اتحاد كتاب المغرب الذي يعرف مشاكل نتمنى أن تجد طريقها إلى الحل والتوافق بما فيه مصلحة وسمعة كتابنا وأدباءنا حتى يضمنوا وجودهم في الساحة الأدبية والثقافية ويلمع بريق إشعاع بلادنا ثقافيا. وهذا يجرنا إلى النقطة المتعلقة بدور المثقف والمبدع والمؤثر في المنظومة الاجتماعية، فلا يمكن أن يظل المثقف بعيدا عن هموم المجتمع، فإبداعه وكتاباته هي لسان الحال وشرارة التغيير والوعى والتوجيه، فالمجتمعات الراقية التي تحترم نفسها تقاس برقي ثقافتها وفلسفتها وعلومها وفنونها، وبمدى فاعلية المثقف ومشاركته في التغيير والبناء، فلا أبداع بدون رسالة مجتمعية مؤثرة ومدوية يكون لها الوقع المباشر على القارء وعلى السياسي وعلى الفاعل الاجتماعي وعلى مختلف الشرائح.فبدون ذلك يعني ترك فراغ كبير للبناء والرقي هذا الفراغ بطبيعة الحال لن يملأه سوى من يسعى إلى الاستغلال والهدم والتخلف.
** ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية اقل بسبب الحجر الصحي؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟
بالنسبة للمهووسين بالكتابة مثلي، لم يؤثر فيهم الحجر بصفة كبيرة، خصوصا انني لم أعشه سوى في الفترة الأولى وتم تمديده لفترة فقط. صحيح اننا حرمنا من كامل حريتنا وتنقلاتنا، إلا أنني شخصيا استطعت ان أحول ذلك الحرمان إلى الإيمان بأن فترة الحجر هي هدية إلهية إذا ما استغليتها في الجانب الإيجابي من اهتماماتي، واعتبرت الحجر فترة اعتكاف لأجل الابداع لأنني أومن بأن الأمر مهما طال أو قصر سينتهي لا محالة، وسأكون قد ربحت إبداعا في فترة عصيبة ربما قلصت من معاناتي خلالها. وبذلك عملت على إتمام روايتي “عودة تشارلز”، بالإضافة إلى الرواية، ونظرا لاهتمامي كذلك بالموسيقى. اعتكفت على إنجاز مؤلف عبارة عن دليل متواضع لمدرسي الموسيقى بطريقة بيداغوجية بعنوان “مبادى في علم الموسيقى”.
** شخصية من الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
كما أسلفت فنحن نعيش على وقع مثل عليا وتأثرنا الكبير بشخصيات كان لها الأثر البليغ في حياتنا، ومن الشخصيات الفكرية والأدبية العالمية التي كنت أرغب في لقائها لو ظل على قيد الحياة هو الأديب الكبير والمرحوم نجيب محفوظ لكوننا قد تربينا على يديه عن بعد دون أن يدري، وكان لأدبه الغزير أثر كبير، فمؤلفاته وقصصه التي تحولت إلى أفلام كنا نعيش على وقعها يوميا، في البيت وفي المدرسة وفي الشارع، وفوزه كذلك بجائزة نوبل للآداب اعترافا بأدبه الغزير والوازن والمؤثر ليس بالأمر الهين كذلك؟
** ماذا يبقى عندما نفقدالاشياء .الذكريات ام الفراغ؟
عندما تفقد الأشياء، يبقى تحكيم العقل والبحث عن الأسباب والمسببات للعبرة والمستقبل. فلا النواح يجدي ولا البكاء يعيد ما فقد، وكلما تاه الانسان في البحث عن الذريعات الواهية فسيظل في حلقة مفرغة لن تزيد الطين إلا بلة، فعندما قال أجدادنا مثل” البكا ورا الميت خسارة” فلهم الحق لأن البكاء لا يجدي، بل يجب النظر إلى الآتي، وقديما قل أحد الفلاسفة ما مفاده من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت…، حتى الأطلال لا نبكي عليها فهي قد تنفعنا في المقارنة بين ماض متخلف وماض متقدم نعيش فيه ونتوق إلى أفضل منه.
** ماذاكنت ستغير في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
الانسان دائما خلق طموحا من جهة ومن جهة ثانية يعيش على الأسف في العديد من الأمور في حياته قد يكون أجلها انقضى وفات، ما كنت أود تغييره في حياتي ليس فقط لو أتيحت لي الفرصة ولكن لو عاد الزمن إلى الوراء، إلى فترة الشباب وفترة الاختيارات المصيرية في الحياة، كنت سأختار أن أتابع دراستي لأتخصص في السوسيولوجيا لأني بعدها أدركت مدى أهميتها في ميدان الكتابة الروائية، أن تكون سوسيولوجيا وتكتب الرواية يعني أن تدرك عمق الأشياء في المجتمعات وفي تشريح كبير لها وفهمها أكثر.
**صياغة الاداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية؛حدثناعن روايتك :”ملحمة روسيو”.كيف كتبت هذا العمل الرائع وفي أي ضرف؟
بطبيعة الحال سيدي، الكتابات لا تأتي من فراغ، فهي عبارة عن شرارات يكون مصدرها بيئة معينة أو دافع من مكان أو زمان ما، أو إثارة من شخصية أو حدث ما. وقد تكون الأمور عبارة عم فكرة بسيطة إلا أنها قد توحي بأن يخرجها الكاتب من حيزها الضيق إلى مجال واسع مستعينا بخياله الفائق وذكائه ومعرفته بالقارء المتلقي الذي سيستقبل الكتابة على شكل نص سردي إما رواية أو قصة أو غيرها من الأصناف الادبية. فالحياة عامة مليئة بما هو جدير بالكتابة ولذا فهي الوعاء الملائم لمادة الكاتب الخام يستلهم منها مواضيعه المتنوعة. وهذا ما أعيشه من خلال كتاباتي، فرواية “ملاذ الوهم والتيه” استلهام من عملي لمدة غير يسيرة في ميدان التعليم في العالم القروي والمشاكل التي تعترض رجال ونساء التعليم في أثناء العمل في البادية. أما روايتي” رياح المتوسط” ففكرتها كانت منخمرة في ذهني منذ الصغر عندما عايشت هجرة الجيل الأول من العمال نحو فرنسا عندما كان الفرنسي “ميشال” يأتي للتعاقد مع العمال للعمل في مقاولاته لقطع الأخشاب بفرنسا وظلت الفكرة إلى أن ترجمتها غلى رواية سنة 2019. أما عن روايتي الأخيرة” “ملحمة روسيو” فهي نتيجة سفري للبرتغال وإسبانيا عدة مرات وكان لتأثري بلشبونة وإشبيليا دافع لأن تكونا حاضرتين من خلال روايتي التي استلهمتها من هاتين المدينتين والرواية يحكي عن حياة برتغالي وهو في نفس الوقت كاتب مشهور وفنان يغني ويعزف على القيتارة ببراعة ومختص في فن” الفادو” المعروف في البرتغال، وهذا الكاتب يعيش مشاكل داخلية مع زوجته التي تفضل دائما العزلة ولا تعير اهتماما لا لشهرته ولا لفنه ولكتاباته وتتحاشى لحظاتهما الحميمية كزوجة مما أثر على علاقتهما وسيصبح يعيش ازمة نفسية وضغوطات مما سيجعل حياته مفتوحة على كل الاحتمالات. ورفقة مثقفي لشبونة من فنانين وكتاب وشعراء ونحاتين ومغنيينسيشتغلون على ملحمة لعرضها في ميدان روسيو بمناسبة ثورة القرنفل، لكن مع حلول وباء جوفيد19 ستقلب حياته في فترة الحجر الصحي عندما يتعرف على شابة عن طريق موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك.
** ما الذي يريده الناس من المبدع ومن الروائي بالتحديد؟وهل يحتاج الانسان الى الكتابات الأدبية ليسكن الأرض؟ماجدوى هذه الكتابات وماعلاقتها بالواقع الذي نعيشه؟
الكاتب الروائي يحيا بالقراءة والتثمين والتشجيع والاهتمام بما يكتبه وإلا سيموت أبداعيا، ولكي يقرأ الناس كتاباته ويهتمون بها ويسألونه عن جديده وكتاباته ويتهافتون عليها، عليه أن يصل بإبداعه إلى قلوبهم ومبتغاهم واهتماماتهم ويلمسون فيه الجرأة والتجديد في المضمون وفي الأسلوب واختيار المواضيع الجذابة، وعليه أن يبين عن جودة ورقي ما يكتب. والأهم هو أن يجيد تبليغ رسالته أليهم. ولكي يتم ذلك لا بد أن يعي بمستوى المسؤولية وإلا لن يعمر طويلا كما أسلفت.وعلى الكاتب الروائي أن يخرج من النمطية في الكتابة وإلا سيظل يعيد إنتاج نفس المواضيع المستهلكة والمملة. إضافة إلى ذلك الرواية العصرية لم تعد تعتمد على الحكي التقليدي الممل ولكنها بحر من المد والجزر فكلما كانت هادئة فاعلم أن من وراء ذلك هيجان وعواصف ورعد وبرق. وذلك يتوقف على ذكاء الكاتب ودهاءه وحدة خياله ومداه وتقنياته الموظفة، وعليه أن يبين براعته في شد القارئ لروايته، فكثيرا ما نلقي بالرواية ونتخلص منها منذ قراءة أولى صفحاتها، لأن الإنسان يحتاج إلى الكتابات الروائية ليعيش لحظات تربطه بعوالم مختلفة، سواء خيالية أم واقعية ويعي برسالة الكاتب وهو يبعث بها إليه من خلال أطوارها وخلفياتها وأحداثها وشخصياتها، وكما أسلفت في بداية الحوار، يجب أن تكون رسالة المثقف المجتمعية حاضرة بشكل من الأشكال يمررها في قالب روائي وإلا تبقى الرواية جافة عبارة عن كلمات وحروف وعلامات ترقيم هنا وهناك لا جدوى منها، وهذا ما يجعل الإنسان يسكن فعلا في الأرض بأريحية ليخدمها ويكون فعالا فيها بعدما يكون قد فهم وتفاعل مع الكاتب من خلال ما له وما عليه في الحياة، حيث سيفهم هو الآخر كإنسان رسالته في الأرض وأهمية وجوده فيها ودوره الإيجابي لا السلبي، وهنا تظهر أهمية الكتابات التي إن لم تكن تحمل رسالة فلا جدوى منها كما أسلفت سابقا..
** من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك كاتبا مقروء ا؟؟
قارئي هو الذي نسجت بيني وبينه الثقة فيما أكتبه، وهذه الثقة تولد منذ الكتابة الأولى أو الثانية على أكثر تقدير، ومن يومها يسأل عن الجديد، وقارئي كذلك ناقدة أو ناقد ألهمته كتاباتي ولامس فيها تجديدا وإضافة نوعية للكتابة الروائية، قارئي هو طالبة أو طالب وجد في كتاباتي يسرا في اللغة والأسلوب والمضمون، قارئي أستاذة أو أستاذ باحث وجد في الرواية ما يغني بحثه ويكسب به ثقة لجنة ما أو مجلة محكمة أو منتدى معين. اما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، لن أضفي على نفسي صفة الغرور لكن أحمد الله عما وصلت إليه من قراء ومتتبعين ومثمنين ومشجعين وسائلين باستمرار عن الجديد، وروايتي ملاذ الوهم والتيه ورياح المتوسط خير دليل. إضافة إلى ميزة أعتز بهاأنهما حاليا تحت رحمة الترجمة إلى الفرنسية والإسبانية والإنجليزية.
** كيف ترى تجربة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي؟
في حقيقة الأمر وهذا رأيي الشخصي، لا أحبذ النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا لمقاطع من الأعمال فقط، لأن ما يعرض على المواقع معرض للسرقة والقرصنة إذا لم يكن صادرا أولا بصفة رسمية وقانونية. فكثيرا ما نجد احتجاجات في هذا الشأن خاصة سرقة القصائد الشعرية والقصص القصيرة. لذلك لا أتفق مع نشرها رغم أن هناك حركية كبيرة وغزارة في الإنتاج، أما من حيث الجودة فليس كل ما ينشر جيدا، فمواقع التواصل الاجتماعي تنشط فيها المجاملات للحفاظ على علاقات الصداقة فقط، لأن أي انتقاد يكون مصير صاحبه نقرة واحدة على زر الحذف من الطرف الآخر. إلا أنه لا بد من ذكر جانب إيجابي في هذه المواقع وهو أن العديد من المبدعات والمبدعينظهروا في بداياتهم عن طريقهابفضل التشجيعات المتبادلة بين الأصدقاء واستطاعوا فيما بعد إثبات ذواتهم واستقلاليتهم وجودوا كتاباتهم وانتقلوا إلى الكتابات الفعلية انطلاقا من التفاعلات اليومية.
** اجمل واسوء ذكرى في حياتك؟
أجمل ذكرى في حياتي هي عندما أتممت كتابة روايتي “رياح المتوسط” وتلقيت اتصالات من جمعية للجالية المغربية المقيمة بفرنسا من القصيبة مشكورة، ومن السيد رئيس المجلس البلدي لمدينتي القصيبة مشكورا يعبران لي فيها عن رغبتهما في دعم الرواية لتخرج إلى الوجود، وفعلا هذا ما تم من طرف المجلس البلدي الذي تكلف بالأمر وأقام شراكة مع جمعية أصدقاء القصيبة للتنمية والبيئة، وتم توقيع الرواية في حفل كبير اكتظت خلاله قاعة كبيرة للمجلس البلدي بالحضور وعشت لحظات لن تنسى بين أهل بلدتي الحبيبة.
أما أسوء ذكرى في حياتي فهي وفاة والدتي رحمة الله عليها، لأنني أعتبرها قدوتي وكانت منارة في حياتي وكانت رغم أميتها تقول أشياء وتتخذ مواقف لم نفهم بعضها إلا لاحقا، فقد كانت تردد كلما ثارت ثائرتها عبارة توجهها لنا أنا وإخوتي الثمانية “سيروا اكتبوا قصتكم..!!”، عبارة كانت ترددها دائما وكأنها تعرف دور القصة وأثرها في الحياة.
** كلمة اخيرة اوشئ ترغب الحديث عنه؟
في الأخير أود أن أشكركم على تفضلكم بهذا الحوار الراقي والأسئلة الهادفة التي تعبر عن مدى نضج ثقافتكم واحترافية منبركم، متمنيا لكم التوفيق ولكم مني كامل التقدير والمودة وفقكم الله وجعلكم منارة للثقافة والمثقفين.

 

عن رضوان بن شيكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!