إطلالة على ديوان الشاعرة التونسية ” نعيمة المديوني “” تـراتيـل فــي مـحـراب الذاكـرة “

هاشم خليل عبدالغني – الأردن

عن دار الثقافة للطباعة والنشر- المنستير- صدر للشاعرة التونسية نـعيـمة المديوني ، ديــوانها الأول” تـراتيـل فــي مـحـراب الذاكـرة ” المديوني أستاذة تعليم ابتدائي ، متـخرجة من دار المعلمين بتونس ، رئيسة صالون أدبي ..همسات أدبية ..تشرف على مجلة الكترونية تـعنى بـالأدب والثـقافـة ، صـدرت لهـا مجـموعة خـواطر بعنوان          ” صرخات أنثى عاشقة ” .

نعيمة المديوني تستنشق عبير تونس وتتعطر بشذى الوطن العربي على امتداد مساحته ،وتفتخر بانتمائها لعروبتها ، تؤمن بنشر الحب والسلام ، وأن الحرف سلاح ضد العنف والتطرف الذي يكبل الإنسان بحبال من مسد ، وتفقده رغبة الحياة .

الكتابة عند نعيمة المديوني هي المتنفس الوحيد في عالم طغت عليه الأنانية وحب الذات ، في عالم سيطر فيه القوي على الضعيف ، في ظل هذه الظروف تقول :-  ( تجدني أتنفس الحرف .. أعيش له وبه ، اقضي أوقات فراغي أداعبه ، يغريني فأغويه ، يلبسني وألبسه ، فتخرج الحروف آهات عاشقة للحياة هائمة بالوجدان ) .

كما أن الشاعرة كتبت ونشرت الكثير من المقالات الاجتماعية والخواطر الوجدانية والنصوص الإبداعية في الصحف العربية والمواقع الالكترونية المختلفة .

ويحتوي الديوان الجديد ” تـراتيـل فــي مـحـراب الذاكـرة ” على مجموعة من النصوص النثرية، جاءت في (90) صفحة من الحجم المتوسط ، قصائد الديوان تعبق بالأحاسيس والمشاعر العاطفية الوجدانية ، فالحب تارة يكون عذباً رقيقاً يغازل القمر ، مليء بالتَّطْرِيبُ و الهوى العُذْريّ العفيف المتَّسم بطابع المثالية …وتارة يعتريه الحزن والغضب وخيبات الأمل.. تحت وطأة الألم وموت العشق وتبخره.

تشتمل قصائد الديوان على مجموعة من  القيَم إنسانية ، لا يجدر التهاون بها.. فهناك ضوابط ومبادئ لسلوكيات الأفراد يتصرفون وفقها ويضبطون تصرفاتهم وأفعالهم على أساسها، وسيتم التعرف على أنواع هذه الأحاسيس والمشاعر الإنسانية من خلال قراءة قصائد ديوان الشاعرة نعيمة المديوني. ” تـراتيـل فــي مـحـراب الذاكـرة “.

في مقطع من قصيدة “عذب أنت يا قمر ” تتحدث  الشاعرة عن التوهان والحيرة والاضطراب ، فتشرع بالبحث عن صدر يحميها ، ويعيد دماء الحياة لشرايين حياتها ، ولكن سيف الجلاد يدمي جراحها، فتعيش العزلة بين الحلم والأمل .

أتوه بين أمواج وقمر

أبحث عن وكر يحميني

عن الجنان تداعب أنيني…فلا غير الياسمين رفيقي

حلمي ورحيقي

وفي قصيدة “عربية ” نلمح اعتداد واعتزاز الشاعرة بنفسها  وشموخها وعروبتها ،بكل ثقة واقتدار دون زهو أو غرور أو ضعف وهشاشة.. فتقول :

أرفض أن أكون لوحة زيتية…

تعلق على جدران بيتك

تتباهى بها بين الأصحاب

تحفة ثمينة تؤمنها من الضياع

أنا العربية الأصيلة

ارفض زيف المشاعر

أرفض أن أكون أنثى بلورية

كسيرة الجناح ..هشة من زجاج

وتتابع الشاعرة معرفة بنفسها قائلة (أنا الحبيبة القريبة البعيدة) أنا الوطن ومرفأ الأمان لك ، أنا التي تجدها دائما بجانبك وقت الشدة ، فوقت الشدة تظهر معادن الناس .

أنا الوطن يأويك ساعة

تنتفض من غدر الزمان

ساعة يصيبك سقم أو ألم لن تجد غير أحضاني

مرفأ أمان

وفي لوحة رائعة ترسم الشاعرة صورة إنسانية لنمو الحب بين أضلعها ، كطفل يمسك بثياب أمه ويمتص رحيق الحياة من ثدييها  ، فالطفل يكبر  وأحلام الشاعرة أيضاً تكبر عذبة مستساغة ، كصوت ناتج عن تحرك أوراق الشجر ،مازحته وداعبتو نسمات الربيع .

بين أضلعي نما حبك …

كطفل صغير يمتص رحيق أمه

ويتشبث بتلابيبها…. ينمو وتنمو معه الأحلام

عذبة كحفيف أوراق داعبتها نسمات الربيع

إذا كان للحب جانبه الإيجابي فله أيضاً جانباً سلبياً فتحت وطأة الألم

صرخت الأم من القلب تنادي حبيبا ( ابناً ) قد جفا وابتعد وهجر ، تمد يدها المرتعشة إلى ثدي أخذ منه المرض والهزال ، ذارفة الدمع العزيز ، مخاطبة نفسها كان هنا كفراشة تنثر الفرح أينما حلت ، نعم كان هنا زهرة حياتي يركض ويمرح ويستمتع بالحياة .

صرخت في الأعماق .. تنادي خلا جفا

تمد يدها المرتعشة إلى ثدي نال منه السقم

تذرف الدمع الأغر

كان هنا ..فراشة تنثر البهجة أن تحل

كان هنا زهرة البستان

يركض .. يجني القيل

تحت حبات المطر تخاطب الشاعرة حبيبها ، أنت نور حياتي الساطع اللامع ، أنت حلم الصباح وأملي القادم ، اشتقت إليك ، اشتقت لـدفئك لتحميني من العوز والحاجة ، كما احتاج لحنانك لتخطي حواجز المحن ، أحتاج ليد تقربني منك ..فالحب حنان

وأمان وحضن دافئ وحنين .

يا شمسي المتألقة

يا أحلام الصباح الجميلة مشتاقة أنا

لدفء يحمي أضلعي من القر

لحنان يتجاوز بي عتبات المحن

يد تدفعني إليك .

وعن الفراق الذي يترك لوعة في القلب وحزن ، تتحدث الشاعرة إنه أي الفراق كينابيع جف ماؤها ، وكحقول فقدت خضرتها ونضارتها .

جفت الينابيع من بعدك

اكتست الحقول حلة صفراء

ثم تتابع الشاعرة ملتمسة من الحبيب العودة لأيام خلت ، ستجدني على العهد وفية وهائمة ، ستجدني الحبيبة التي تشرب من قدحها خمرة الحب وحب الحياة وبهجتها ، ستجدني امرأة تعطي بكل سخاء وبلا تردد ، تستطيب وتنعم  بحلاوة الحياة معها و بها .

يا مهجة الروح متيمة أنا عجل بالرحيل لجنة العاشقين

تجدني حورية هائمة .. حوريتك .. تغويك

تشرب من قدحها خمره وحياة

حورية تهبك بسخاء .. تنعم بها .. معها

وفي قصيدة “صمت القبور” تتحدث الشاعرة “عن أن الدنيا كالدولاب ،لا تستقيم على حال واحدة، وكما قال أبو البقاء الرندي :

هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ   مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهذه الدار لا تُبقي على أحد   ولا يدوم على حالٍ لها شان

ساعة الفرح والسرور لا تدوم ، تجدك فرحاً وبعد قليل من هذا الفرح ينقلب الحال إلى كآبة .

قناديل المدينة

تضيء بسخاء من هوى وسما

ارتفع عن الزلات وتجلد بالصبر رداء

للأمل عيد ميلاد .. نحبه زائراً وننتظره ونعمل من أجله ، نحبه كمل يحب الرجل الوفي الكريم تضميد ومعالجة جراح وهموم الوطن ، وتخاطب الشاعرة الأمل قائلة .. أني حملتك بين أضلعي كما تحمل الأرض البشر .

أحببتك يا زائرا ..

حب الكريم يضمد جراح الوطن

حملتك بين أحضاني حمل الأرض للبشر

وتُعًرِفُ الشاعرة السعادة بين أحضان الأمل بأنها .. حياة أزلية  لا تفنى .

علمت أن السعادة بين أحضان

الأمل

حياة إلى الأزل

يا من ملكلت على عقلي ولبي ، هل لك أن تأخذ بيدي وتعلمني كيف تتحقق وتتجدد الأحلام ، من رحم الحزن والآسي ،  وتتساءل الشاعرة كيف نزرع بذور الحب ونرويها لتنتعش وتزهر ، وعلمني أيضا كيف نتخلص من الأحزان بالحنان .

أيا أسري

علمني كيف تتولد الأحلام

من رحم الأسى

كيف نزرع بذور الحب

في كل مكان

كيف نغتال الأشجان بلمسة حنان ..

 

وفي قصيدة ” موت أنت وحياة ” تتحرك الشاعرة ضمن محور الحزن ومحور الحلم الأمل ، ضمن هذا الصراع يتولد في أعماقي الهم والغم ، وضاعت أحلامي  وماتت أمالي بفعل قهوة قاهرة لا حول لي فيها ولا قوة ، وترتب على ذلك غربة ذاتية ، وغربة عن الهناء والفرح .

بين صرخة وضياء تولد في أعماقي الشقاء

ضاعت الأحلام

ماتت الأماني بعملية قيصرية

وجدتني غريبة عن ذاتي

عن أحضان الهناء

وختاماً أتمنى أن يكون هذا الديوان لنعيمة المديوني انطلاقة جديدة في منتجها الشعري ، متمنياً أن تــولي الجملة الشعرية اهتماما أوسع  ليتمكن المتلقي مــن تناول وجبة شهية مــن المعاني والصــور الفنية    وكي توضح المعاني وتزينها بالخيال الشعري المميز .

مع خالص تقديري واحترامي للشاعرة الخلوقة نعيمة المديوني .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!