تأملات في عنوان كتاب “كلمات مبتورة” للأديب محمد حسين صوالحة

 

 بقلم: الشاعر والناقد عبدالرحيم جداية

 كلمات مبتورة هي عنوان كتاب الأديب محمد صوالحة، حيث يأخذنا العنوان إلى قراءة أولى لغوية كما ورد في المعاجم بأن البتر ما يستأصل من الأعضاء، ولا يأتي هذا البتر إلا بسبب ألم أو ضعف أو هشاشة، فيبتر العضو المريض للحفاظ على الحالة الصحية، والبتر عكس القطع، فالقطع حد من حدود الله، فالسارق تقطع يده، وقاطع الطريق يصلب ويقطع من خلاف، وللبحث أعمق في عنوان كلمات مبتورة، نعود إلى قوله تعالى: “إنّ شانئك هو الأبتر” والأبتر هنا الذي لا ينجب، فما الفرق بين الدلالة القرآنية والدلالة السائدة لمعنى الأبتر؟

إن هذا السؤال يقودنا إلى قصة الرسول (ص) مع العاص بن وائل السهمي، الذي كان يصف الرسول بأنه الأبتر، كما وصفه من طغاة قريش أبو جهل وأبو لهب وكعب بن الأشرف وشهر بن حوشب و عقبة بن أبي معيط، وكانوا يعنون بالأبتر الذي لا أولاد له يحملون ذكره من بعده، وقد أطلقوا هذه المقولة أعداء الرسول من كفار قريش بعد وفاة ابنه القاسم فنزلت هذه الآية تسلية من رب العزة للرسول (ص) على شماتة جهلاء قريش.

لماذا اختار الصوالحة كلمات مبتورة عنوانا لكتابه، من الذي بتر هذه الكلمات، ولماذا بترها؟ كل هذه الأسئلة تستدعي التفكير بالعنوان “كلمات مبتورة“، فالبتر تطهير من المرض، وإن كان البتر مدروسا فهو إعلاء من شأن الكلمات ذات المعان العميقة وربما يكون البتر تقليلا لغويا، أي التعبير عن المعنى بأقل عدد من الكلمات، وهذا يوصلنا إلى درجة التكثيف، والإيجاز والتخلص من الزوائد التي لا تساهم في بناء جملة أدبية رشيقة، كما يحمل العنوان أبعادا دلالية في فكر الكاتب، حينما قدم لنا كتاب مذكرات مجنون، وكان حافلا بصباحات كثيرة، أما هذا الكتاب كلمات مبتورة، فلم يتجاوز 134 صفحة، ولربما هذا أثر شعوريا على الصوالحة، ليقارن بين الكتابين، فيصف هذا الكتاب بصاحب الكلمات المبتورة مقارنة بمذكرات مجنونة، مع أن الكتب لا تقاس بعدد الكلمات، بل تقاس بالجودة والدلالات المحملة، والمباني والتراكيب الفنية، وسلامة الجملة، وتكثيفها، وعند اختبار كلمات مبتورة، قد نجد هذه المعاني دالة على اختيار العنوان.

وفي جنوب الأردن تقع مدينة البتراء الأثرية، حيث قام الأنباط ببتر الزوائد وتشذيبها، للوصول إلى لوحة فنية معمارية جمالية، نحتت في الجبال، وقال رب العزة في سورة الشعراء آية 149: “وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين”، وهذا تأكيد رباني على قيمة البتر حيث القوة والجمال، ويأتي هذا الجمال من ألوان الجبال والهندسة المعمارية المتقنة، التي استخدمت في تصميم ونحت هذه القيمة الجمالية.

وقد عرفت خطبة زياد بن أبيه المشهورة بالخطبة البتراء، التي بتر فيها البسملة والحمدلة ليترك أثرا قويا مرعبا في نفوس أهل العراق في البصرة والكوفة، مما يدلل على جماليات متعددة لاستخدام البتر الفني في اللغة العربية، ويؤكد القرآن في سورة التوبة التي لم تفتتح بالبسملة ولكنها اكتملت بقوله تعالى في سورة النمل آيه 30 “أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم”.

أما الكلمات فقد وردت بسيدنا عيسى في سورة النساء أية  “إنما عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته” وسيدنا موسى كليم الله، وفي الإنجيل “في البدء كانت الكلمة” أما سيدنا يحيى فقد قال له سيدنا عيسى: “هي كلمات خمس إن لم تقلها قلتها” والنموذج الأشهر قوله تعالى في سورة البقرة آية 31: “وعلم آدم الأسماء كلها” وفي نفس السورة آية 37 “فتلقى آدم كلمات من ربه فتاب عليه”

فالكلمات

من سورة يوسف  آية 31: “فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن”  وهنا القطع في النص القرآني يعني الجرح

هل يقصد الأديب ما اختبره الكاتب من تأملات في العنوان،

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!