تنبؤات الحدث في رواية “الغداء الأخير” / بقلم : الناقد رائد السراحين

 

تعد رواية “الغداء الأخير”لتوفيق جاد ، من الأعمال الروائيّة التي  تناولت قضيّة التهجير العسكريّ القسريّ،وما آلت إليه من قضايا اجتماعيّة في الشتات، كالحبّ والوفاء ، والخيانة ،والفقر ،والغنى ،وزواج الأرحام ،وقد عرض الكاتب  فيها نماذج كثيرة لهذه  القضايا ، تحت   لتشكّل  مجتمعة عملًا روائيّا ، ربط فيه  الكاتب  بين ماضيه وحاضره بأسلوب قصصي متعدّد المحاور .

 

في هذه الرواية كانت الأحداث كثيرة جدًّا ، وقد ركّز الكاتب  جهده  عليها ، وهي متشابهة إلى  حدٍّ كبير في  تفاصيلها  ومحورها ،  فقد وضع  لنا  سبع قصص حبٍ، بدأها  بقصة صالح ورشيدة، ثمّ عليّ  ونبيلة  فحلا ، ثمّ  فالح وياسمين ، وبعدها ياسمين وسيف،وتلتها عبدالله وأمل،وفي الأخير عبدالله وياسمين وزواجهما.

 

فما أن يضع الكاتب حدثًا بسيطًا، حتّى  يتوقّع  القارئ  بل يعرف الأحداث القادمة،فمثلا بعد أن عرف القارئ قصّة عليّ ونبيلة وشجارهما، جاء حدث زيارة  أم  عليّ  لأم  حلا ، فهنا لا يحتاج  القارئ  إلى كثير تفكير  بأنّ عليًّا سيتزوّج حلا ؛ وذلك  لأنّ  الكاتب  ذكر  اسم الفتاة ، فلو كنّى الأمّ باسم ولد ، كأمّ خالد أو اسم مذكّر،لربّما لجعل المشهد أكثر ضبابيّة،وما توقّع زواج  عليّ من حلا، قبل وصوله لهذا الحدث،فالعنوان نفسه يشي بالفراق ،فوصف الغداء بالأخير،جعلنا ندرك بأنّ فراقًا قد  يقع ، وهو  فراق أبديّ ، فعايد  قام  بوضع السّمّ في الطّعام ،وانتهت بذلك عائلة كاملة.

 

وثمّة  أمثلة آخرى، عندما  طلبت  نبيلة من عليّ  أن  تذهب  لزيارة  أمّها ومساعدتها ، وافق بسرعة ، رغم أنّها تمرّ في ظرف استثنائيّ ولن تستطيع تقديم    المساعدة ، فهذا  الحدث  يوحي  بأنّه  سيجلس  مع  أمّه  والتشاور في موضوع حلا ، فهو يريد التخلّص من نبيلة ليأخذ كامل راحته في التخطيط، وكذلك لقاؤه بالشيخ ، وبمجرّد ذكر كلمة “الشيخ”  سيعرف أنّه  سيتحدث معه حول زوجته،وعندما ألقى قصيدته على الحضور ، كان هذا الحدث كإشارة لفراقهما ، فمن غير المعقول  أن  تسكت المرأة  عن  مديح زوجها  لفتاة  قد تزوجها منذ زمن قريب ، فإن لم يطلقها، ستطلب الطلاق بنفسها،وهذا ما حدث معه ، حيث رمى عليها الطلاق وأعادها إلى أهلها.

-8-

 

ومن الأحداث التي تكشف ما بعدها ،دخول الدكتور فالح  بخطيبته قبل حفل الزواج،ورغم شرعيّة الدخول بها ،إلّا أنّه فتح  بابًا للتكهّنات  والتنبؤات لما سيحدث في المستقبل ، فلم يكن وجودهذا الحدث عبثًا ، بل كان بداية  لقصّة مأساويّة جديدة،فالقارئ بعده مباشرة سيتوقّف ويضع عدة احتمالات  كموت فالح ، أو تخليه  عنها  وإنكار ابنها ، فليس  هناك  دليل على  أبوّته وصحّة كلامها إن أفصحت، فضلًا عن الفضيحة التي ستلحق بها ، وموته أيضًا كان له إشارة،من خلال النظرات التي يلقيها على خطيبته أثناء التفاته إليها، وهو يقود السيّارة،ونوم الأمهات كان بداية لمغازلة خطيبته.

وكذلك الصورة التي احتفظ بها صالح منذ صغره ، تشي  بلقائه بأخته ، لكن ليس بهذه الطريقة الفاجعة ، فحفظهما للصورة لم يكن إلّا إشارة  باللقاء  في المستقبل القريب أوالبعيد،والدليل على تعارفهما  هو الصورة، وأيضًا  نهاية عايد ، فالقارئ ظنّ أنّه  سيسافر خارج  البلاد أو  خارج  عمّان على الأقل؛  ليجد قبولًا  واحترامًا  بين الناس، لكن النتيجة جاءت قريبة  نوعًا  ما  وهي السفر خارج أسوار الحياة .

 

 

كما  كان تعلّق فالح الصغير بعبدالله يوحي بزواجه أمّه من عبد الله ، فهذا الطفل مهّد الطريق أمام زواجهما ، وإن كانت ياسمين قد امتنعت في البداية عن قبول الأمر.

 

 

إنّ المقلّب  لصفحات هذه  الرواية لا يجد  صعوبة  في  فهمها ، فأحداثها واضحة كالشمس في رابعة النهار، فكلّ حدث فيه  ينبىء عن أحداث  تليه ، فالكاتب سرعان ما  ينتقل  من حدث  إلى الحدث الذي يليه ، وفصولها قصيرة،لا تشعر بحبكتها في البداية، أمّا في النهاية  وخاصّة  بعد  الصفحات  المئة الأولى تجد أن الكاتب شدّ انتباه  القارىء ، وجعله  يتشوّق  لإكمال القراءة، فالفصول بدت طويلة نوعًا ما ، واستقلت بالحديث  عن  موضوع  واحد ، مع وجود رابط بينها.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!