روافد الحب في  ديوان ” موجات زفيري ” للشاعرة لمياء المجيد

 

 

هاشم خليل عبدالغني – الأردن

 

      لن نتناول الحب بمفهومه الواسع العام ، بل سيقتصر حديثنا على  مفهومه الخاص ، أي العلاقة بين شخصين ( رجل وامرأة ) فالحب في هذا الإطار: ( هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، و يُنظر للحبّ على أنّه كيمياء متبادلة بين اثنين ). على أن أجمل تعريف للحب ما ورد في احد الأفلام السينمائية إذ يقول الشيخ والد الفتاة لابنته العاشقة :   (يبدأ الحب بعاصفة , لكن الحب الحقيقي هو ما يتبقى بعد انتهاء العاصفة ).

                ” الحب هو الذي يحول المر حلوا .. والتراب تبرا .. والكدر صفاء , واﻷلم شفاء … والسجن روضة , وهو الذي يلين الحديد و يذيب الحجر , ويبعث الميت وينفخ فيه الحياة ” . –  كما قال شيخ المتصوفين جلال الدين الرومي ..

     أما الكاتب الفرنسى ستندال رأى أن الحب ينقسم إلى أربعة أنواع هى : الحب العاطفي ، والحب الجسدي  ، والحب القائم على الزهو والغرور ، وحب الرغبة والاستحسان ..

           محور الحب هو الجزء الثالث من ديوان ( موجات زفيري .) للشاعرة المتألقة لمياء المجيد ، المتأمل لقصائد المجموعة يلاحظ أنها قصائد وجدانية مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالمشاعر والعواطف الخالصة ، يرفد هذا الحب رافدان هما رافد  : 1- الفرح والسعادة والسمو 2- الحزن والألم والمعاناة …

        فيما يلي سنلقي الضوء على الرافد الأول للحب ” الفرح والسعادة والسمو ” في شعر شاعرتنا الكبيرة لمياء المجيد .

     ففي  قصيدة  “الحضور في الغياب “،تشير الشاعرة  إلى إفتتان وإعجاب الحبيبة بالحبيب ، إعجابا روحياَ وجدانياً ، فأشعاره وأفكاره سلبتها لبها  وخواطرها،  وسيطرت عليها واستمالتها ، كما أنها استولت على وجدانها أي ( قواها الباطنية ).. فعلم النفس يعرف الوجدان (موطن كل العواطف والرغبات والأحاسيس بالسعادة أو بالحزن أو بالأمل أو باليأس)أما الوجدان في الفلسفة يطلق (: على كلِّ إِحساس أَوَّلِيٍّ باللَّذَّة أَو الأَلم ) . فتقول :

“سحرتني أشعارك ….سحرتني أفكارك

سلبت عقلي سحرت الوجدان

       من هذا الحب النظيف أدركت وتعلمت الحبيبة من حبيبها دروساً من أهمها .. تحدي المخاطر ومواجهتا والتغلب عليها وتجاوزها , كما تعلمت الحبيبة ..ترويض سورة الغضب والسيطرة عليها , و وكيفية شق طريقها في معترك الحياة , كما تعلمت السباحة ضد تيار الجمود  والجهل .. معارضة ومخالفة لما هو مألوف ومتعارف عليه ، ومن أهم ما تعلمت الحبيبة من الحبيب تعزيز الحق و تحقيق مطالبها وكل ما تتمناه بكل حزم وقوة وثبات .. فتقول :

“علّمتني أن أتحدّى ….  أن أقفز على النار …

أن أشقّ الفيافي ….أن أقطع البراري

أن أركب الموجات العاتيات ….أن أُجدّف ضدّ التيّار

 أن أحقّق أمانيّ … أن أكون حازمة في اتّخاذ القرار”

        تتابع الشاعرة لمياء المجيد .. فترصد كيفية رؤية  الحبيب لحبيبته ؟ إنه  يراها  في نسمة الريح  ضحكة خفيفة لطيفة … سمفونية هادئة  حالمة ، إنها ذاكرة لمشاعره وعواطفه الجياشة الحية … إنها حضن تزينه الأسرار . .

” أراك في نسمة الرّيح ….ابتسامة رقيقة

سمفونيّة موجات هامسة

. تدثّري لَمَى روحي  ذاكرة المشاعر

حضنا تُرصّعه الأسرار”

      في هذا الجو المشحون بالعواطف يدعو الحبيب حبيبته إلى الحياة والتمتع بمباهجها ..قائلا اقبلي لنشعل نار الشوق ولنؤثث ونفرش ونجهز بيت حبنا بالمودة  والعشق ، ولنضمد ونخفف جرح الانتظار ,. فيخاطبها على لسان الشاعرة لمياء  المجيد قائلاً :

 . نحلّق، في الدّجى والخيال..” تعالي .

نؤجّج حنينا … يضيء في عمق الظّلام

…!تعالي نسافر في العبق

 أنا وأنت…والأحلام  ..والقمر يعبث بالمشاعر

يؤثّث ليالينا دفئاً…… يضمّد جرح الإنتظار”

     في قصيدة ( شوق ) تعلن الشاعرة عن شوق وتوق ولهفة الحبيبة لرؤية المحبوب ,  لتريح رأسها على كتفه ،  فبين يديك تذوب وتتلاشى وتستحرج دموع  الألم عن أخرها و.. بلقائك أقطع شرايين الأخزان برفقٍ وأناة , لأعيش في راحة وأمان وسكون . (( لا يعرفُ الشوقَ إلاّ مَنْ يكابدُه … ولا الصبابةَ إلاّ مَنْ يُعانيها .))

                ” كلّي شوق وحنين …لأريح رأسي على كتفيك

يذوب جسدي بين ذراعيك …أذرف الدّمع الحزين

حتّى إذا ما استنزفت الآلام ….قطّعت شرايين الأحزان

 يُهدهدُني الإطمئنان “

         تتغنى الشاعرة بحبيبها الذي ملك عليها حبها وعاطفتها ، فعيناه معجزة خارجة عن المألوف تبعث على الإعجاب ،وضحكته عزف كمان وألحان .

” عيناك مساء أم هما موج بحر؟

….عيناك.. معجزة كونيّة “.ضحكتك… صوت كمان

      تعبر الشاعرة عن فرحتها وسعادتها وتحس وهي بين ذراعي حبيبها ،بأنها للكون مالكة ..

“وهناك ببن ذراعيك ..أمتلك الكون

.أذوب فيك ….أذوب في رقّة أشعارك

 في السّحر تبُثُّه كلماتك “

     تخاطب الشاعرة  الحبيب فتؤكد على أنه كان مصدر إلهامها . فحبه جعلها قادرة على استحضار أفكار ومعانٍ أثناء كتابها للشعر ، فقبل هذه العلاقة لم تكن تدرك جوهر الشيء وحقيقتة  , ولكن بفضل العلاقة هذه أضحت تفهم دلالة وفحوى ومضمون الألفاظ ..وأعجبت بها  لدرجة الهيام .. والجنون من العشق .

” مُلهمي … نطقتُ بالشّعر طفلة

قبلك لم أدرك كُنهَ المعاني ….جُنَّ هيامي للكلمة

كنت ملهمي في كلّ آنِ ….في كلّ قصيدة عشتُ المخاضَ

 وعُسر القيام …زخْرفتُ بيتي عُصارةَ الإلهام

صوّرتُ أحاسيسي …جمع الحروف والأوزان “

      يلتمس المحب من حبيبته  في قصيدة ( كوني ) أن تكون له الأمن والأمان ، أن تكون الشهد الذي ينساب قي عروقه ، ليروي جمال وحلاوة الحب والغرام , وأن تكون الطيب ( العطر ) الذي يطرز حياتي بالجمال والفن الراقي . .. إلى أن يقول كوني ( فلباُ برقص على سجادي ) كوني نسيماً . كومي من تكوني .. كوني اروع النساء .

” كوني شهدا ….يسري في عُمق شرياني

يسقي حلاوة العشق …..كوني عنبًرا..يُطرّزُ زماني …

كوني قلبا …..يرقص على سجّادي الأحمر

كوني نسيما ….يطيُر بي بأجنحة الحرير

كوني… يا أروع من تكونين … با ـحلى النساء “

        تؤكد الشاعرة  ” لمياء المجيد ” على أن الحب ذوبان في المحبوب… رقة وتعذيبا .  واعلى درجات الذوبان اتحاد الطرفين ، روحياً وجسدياً ليصبحا واحدا بلا امتياز… إلى جانب النظرة  المملؤة بالحب والحنان، والتي تزين  وجهاً بشوشاً  مشرقاً متهللا ،  هي المفتاح لقبلة عميقة للخد والشفتين ، وتخاصر فعلى صدره اتلاشى وأذوب رقة وحبا .

“الذوبان بالحبيب .. زهر الياسمين

نظر… وفي النظرة حبّ، حنين

باسم الثغر … يلثم الخدّ والشفتين

يطوّق الخصر باليدين …على صدره

أنتفي … أذوب في الزّمن “

 مما تقدم نلاحظ أن  نصوص لمياء المجيد ، تعبر عن قناعتها بكل حرارة ملتهبة  , بلغة إنسانية  متفائلة راقية ، تفيض إحساساً وذوقاً لما فيها من عناصر الجذب والمتعة .

             بعد أن القينا الضوء على الراقد الأول للحب في ديوان الشاعرة لمياء المجيد سنلج  عتبات الرافد الثاني للحب  ” رافد الحزن والألم والمعاناة ” .

        ففي قصيدة بعنوان ( إهانة ) تؤكد الشاعرة لمياء المجيد على فشل الحب لأنه كذب وأباطيل وإذلال  وإهانة لا تغتفر , فالوصل انقطع وتعطل , والحب دفن حياً . ومصابي بك كبير ،وجروحي منك نازفة ، وأخيرا تعلن يأسها  من حبه وتقول بكل مرارة .. لكل داء دواء ، إلا جرح القلب فلا دواء له فتقول :

 ” للوصْل تعطيلُ …وَأدتَ الحبَّ  …الحبُّ أضحى أباطيلَ

 كيف الوَصْلُ؟ …ومُصابي جَليلُ  …جروحٌ داميةٌ

 إذلالٌ وتنكيلُ  …لكلّ داءٍ دواءٌ … شرحٌ وتعليلُ … إلاّ جرحُ القلب “ 

        وفى قصيدة بعنوان ( جفوة الهوى ) نلمح أن شاعرتنا أتت علي الحدث الذي أكدت لنا فيه لوعة المعاناة والفراق والنسيان ,  بل استدعت في القصيدة بكل لوعة، شواهد علي حب فُقد واندثر ..( بلا شراع , رماني ، القى , اليم ، الغرق ، ظمئت , اكتويت ، احترقت) .

” عيناك…بحر ..وبحري غرام

غرامي زورق …بلا شراعٍ ولا مِجدافيْنِ

الهوى رماني …ألقى بي في اليمّ

   ونسيّني …..غرقت في لُجَجِ الهوى

احترقت…ظمئتاكتويت بلظى الحب

الشّوق والعشق كواياني “

      وفى قصيدة أخرى تشير الشاعر إلى ( كتمان وسرية حبها )  محتفظة به لنفسها ،ومن آثار ذلك .. باتت مشغوفة القلب عشقاً وحزنا ، هجرها النوم ، واختنقت الدمعة في عينيها … حيث تقول :

” كتمت حبّي … أبدا لم أبُح به لأحد  

ولا حتّى لصحبي …أحدّث به نفسي …بتُّ عميدَ القلب

من عشقي ومن حزَني  ..جفا النّوم مقلتّي احتبست دمعة في عينّي”

       وفي قصيدة أخرى ترفض الشاعرة الحب القسري ، وتطلب ممن ملك عليها حبها وعاطفتها ، أن يعتقها ويحررها ، كي تتحرر من الحرائق والحرب التي أشعلها حبه داخل ذاكرتها ،  وجعلها بقايا إنسان ، ومنطقة زرعت بالألغام .

” أيّها المالك قلبي حرّرني  …حبّك حرب في ذاكرتي

حقل ألغام …..جعلني أشلاء، بقايا جسد “

         تتابع شاعرتنا المتألقة حديثها عن علاقة المحبين في ( قصيدة طلب مستحيل )  فتصف الحب البارد من طرف واحد ، بأنه خال من العاطفة ، فهو دائما في حالة توتر وهيجان ، رغم هذا البرود والجفاء تعلن الحبيبة أنها ما زالت تحبه حد الجنون والفناء … رغم إدراكها أنها تجري وراء سراب , وأنها تطلب المستحيل .

أحبّك” وأعرف أنّك باردوأنّ الشّتاء وأنت سواء

 وأنّ بحارك دوما هائجة …وأنّ مساءك غيم و رعد

وأنّي أحبّك دون ابتداء ودون انتهاء

أحبك ….حدّ الجنون حد ّالفناء …..وأُدرك أيضا….أنّي أعُبُّ الهواء

 وأنّي كمن يجري خلف النّجوم ….وأني في حبّك أطلب المستحيل”

      تواصل لمياء المجيد توصيف حال الحب من طرف واحد فتعلن أنها كلت وأصابتها مشقة كبيرة من هذا الحب ، وأن روحها هائمة تبحث عن مرافئ الطمأنينة والأمان … فتقول :

” وحدي في الهوى…تعب الجسد هنا …وبعض الرّوح سابحة

 متى يا روح ترسين على مرافئ القلب؟

يا ريح أرسلي الهوى ….لواقح إلى قلبي

 فدقّات قلبي أصابها الوهن ..وحبيبي مجنون منقطع الوصل “

         نلاحظ أن لمياء المجيد عبرت بكل اقتدار وتمكن ،عن الرافد للثاني الحب, رافد الملل والقسوة ،و نجحت في رسم لوحة لحب متعثر , طغت عليه  مشاعر الحزن والوجع .

      خلاصة القول إن الطابع العام للحب عند لمياء المجيد هو طابع وجداني , فقد دخلت ” بروحها الوثابة ولغتها الشاعرية الأخاذة ” لهذا الفضاء البهي الجميل تارة ، والمؤلم المبكي المليء ببراكين الغضب والقهر والجفاء . تارة أخرى . 

    لمياء المجيد شاعرة فذة (أخذت على عاتقها أن تُخرج من صدفات اللغة العربيّة لؤلؤها الجميل ). فنجحت نجاحاً متميزاُ ، لأنها لامست بشعرها الشفيف قلوبنا وعقولنا .. .

هاشم خليل عبدالغني

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!