سلام يقرأ “التيه و الاغتراب” في قصيدة أريد أن أعيش للشاعرة خديجة كربوب

بقلم الناقد: أ/ مصطفى سلام
..
تتأسس القصيدة / النص على ثيمة التيه أو ما يندرج ضمن الشعرية العربية و العالمية بالاغتراب أو الغربة، و هي ضد الألفة
الغربة أو التيه تجربة نفسية وجدانية قاسية، لها أسبابها و مبرراتها، كما لها أعراضها و تجلياتها، و لعل من أكثر الأسباب تأثيرا في صناعة هذا الإحساس هو عدم التوافق مع الواقع سواء كان واقعا فرديا أم واقعا اجتماعيا أم واقعا ثقافيا …. و لعل الفنان سواء كان الشعر مجاله الذي يفرغ فيه أو الرواية أم الرسم أم الغناء أم مهارب أخرى يهرب إليها ….أكثر الذوات حساسية اتجاه ما يخلق لديه هذه الغربة
و من مظاهر الاغتراب هنا في النص ما استهلت به الشاعرة :
– الرغبة في التحرر من الزمن، و هذه إشكالية فلسفية وجودية، حيث أحيانا نحس كذوات محاصرة بالزمن و نرغب في أن نتحرر منه، من خلال أنشطة و متاهات ندخلها رغبة منا في أن نتحرر منه، و السؤال هنا أنه يصعب تحقيق هذا الأمر / الأمل أو الرغبة لأن الزمن إطار و شان متعال أكثر من الإنسان، بمعنى أن الإنسان هو جزء من الزمن، و هو محتوى من محتوياته أو مضامينه، الزمن ظرف و نحن مظروف، قد يتغير المظروف و لا يتغير الظرف
الذي يتغير في هذه التجربة هو تمثلنا عن الزمن أي مختلف المعاني و الدلالات التي نشكلها عبر صيروراتنا و مساراتنا التاريخية و الدينية و الميثولوجية و العلمية عن الزمن، بمعنى، عندما نرغب في مفارقة الزمن أو الخروج منه، فنحن نرغب في لاوعيينا بالخروج من التمثلات المسكوكة لدينا عن الزمن، كيفما كانت المرجعيات المتحكمة في صناعة تلك التمثلات، و هي تمثلات مختلفة و متغايرة من مجتمع إلى آخر و من بيئة إلى أخرى، و نفس الأمر مع الإحساس أو الرغبة في مغادرة المكان أو الخروج منه ….
لكن عندما نتحول من مكان إلى آخر قد نحس بتحول و تغيير و نرتاح من ثقل الفضاء السابق أو ضيقه أو مأساويته …..( الحياة في السجن، الحياة في الغربة ، الحياة مع زوج كارثي ، الحياة مع زوجة نكدية كما يقال …..)
– الذاكرة : مكون تركيبي أو عنصر مركب غير بسيط في اشتغاله و بنائه و تكونه و تحولاته، رغباتنا و أحاسيسنا و آمالنا ….كامنة في الذاكرة و بالتالي فهي عدونا الأول كما أنها سندنا الأول، هي خصم و صديق، هي شرنا و خيرنا في نفس الوقت، لسنا الوحيدين المسؤولين على تكوينها و بنائها، بل هناك الآخر : بمختلف تجلياته …..إذن كما يصنع معنا ذاكرتنا نصنع معه ذاكرته و السؤال هنا هل نحن أحرار في التعامل مع هذا المكون الخطير ؟
-بؤرة الأرضي في التجربة الإنسانية : تحكم الوجود الإنساني ثنائية : الأرضي /السمائي، و هي تيبولوجية متحكمة في مختلف التمثلات و المعاني التي اكتسبها الإنسان عبر تاريخه، و تتحكم أيضا في مختلف العلاقات التي تنتظم وجوده : أبوة، أخوة، صداقة، زواج، معاملات ؟؟؟؟؟
السمائي رمز للمعنوي و الروحي، للإلاهي و القدسي، للجنة و الطهر، للعلو و الرفعة الحلم الأمل …. بينما الأرضي رمز للمادي في مختلف تجلياته، للرغبات المادية، للأحاسيس المبعثرة، للدنيوي، للمتعة، للشر، للتراب، للوسخ، للبداية، للجريمة …..
هذه الرغبة في مفارقة الأرضي و الانتقال إلى السمائي هي الجملة النواة في القصيدة و ما جاء بعدها هو توليد عنها و لها :
حكاية ذات رحلت إلى السماء و بنت بيتا بين النجوم لكن رجعت إلى الأرض استجابة لجاذبية و تنفيذا لرسالة : إصلاح الأرض لكن بعد عودتها ستجد نفسها بلا مأوى لا في الأرض و لا في السماء …إنها مواطن بلا وطن و قاطن بلا سكن و آو بلا مأوى لتنتهي القصيدة بما جاء مضمرا في البداية : التيه و الرغبة في أن نتحرر من جاذبية سلبية وما أكثر الجاذبيات التي تتحكم في الإنسان.

بقلم الناقد: أ/ مصطفى سلام/ المغرب 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!