قراءة في ديوان ” بجناح واحد … أطير ” للشاعرة  سونيا عبداللطيف

 

هاشم خليل عبدالغني – الأردن

سونيا عبدا للطيف  من الأصوات الشعرية التونسية  النقية العذبة الجميلة ، التي أبحرت في رحلة الإبداع والتألق.. من خلال ديوانها الأول ( امرأة استثنائية ) . التي أتحفتنا فيه بقصائدها الإنسانية والانسيابية المفعمة بالعبق الشاعري .

سونيا عبد اللطيف فرضت حضورها الساطع المشع وذاتها  الشعرية بجدارة وتميز راتعين من خلال نصوصها الإبداعية , ونشاطها في ( جمعية ابن عرفة الثقافية ) .

يضم ديوان  سونيا الجديد (  بجناح واحد أطير ) قصائد عديدة ، متنوعة في موضوعاتها الوجدانية  والعذبة في ذات الوقت  . وقصائد الديوان تنتمي لباب الومضة الشعرية ،، وهذه القصائد تدور حول موضوعات إنسانية ووجدانية وعاطفية رومانسية التي اختارتها الشاعرة سونيا , كي تعبر بحرية وتلقائية عما يجول في خاطرها ونفسها الشاعرية دون قيود  ،هذه القصائد تحمل ألفاظاً ومفردات ومعان أكثر استجابة للذائقة الأدبية ،و تعكس لمعاناً وبريقاً ذاتياً خاصاً . . وهي نبضات وهمسات إنسانية بامتياز ، تتسم برهافة الحس والمشاعر الجياشة ,و تحتشد بصور الألم والمعاناة على الصعيدين الخاص والعام .

من حلال ومضات السيدة ” سونيا عبدا للطيف” نلاحظ أنها تلتقط صوراُ بانورامية لواقع مرير وأمراض اجتماعية مزمنة ..ترسمه بلغة شفافة مؤثرة فتحمل حملة شعواء على   (المنافق المرائي ) الذي يتظاهر خلاف ما يبطن  , مذكرة بحديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ، قَالُوا : وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : (الرِّيَاءُ) و بالمثل الشهير(دموع التماسيح ) أي أنها دموع خداع زائفة , فتقول :

ظلام— – –

لن تعمى عيون التّماسيح

من البكاء

الدّموع  خداع

الخفافيش

وحدها من تقع   

في الظّلام

 

ومن النفاق والرياء تنتقل الشاعرة لواقعنا الثقافي , و وضع الحريات في البلدان العربية   , فالشاعر العربي يعيش في أجواء عاصفة غير طبيعية ,  وسيف الرقابة مصلت على رقبته , محاصر بقوانين تحد من حريته  تقيده .. فهو غريب في وطنه , فكأنه ليس من البلد ولا من القوم , يعيش الشاعر منفياً في بلده:

شعراء

يكتبون القصائد على ملح الرّمل

 يرتّل الأغاني  موج البحر

“”غرباء

  “يا وطني“” 

 

تظهر الشاعرة  سونيا أسَّفاً شديدًا  وتلهفاً على ما فات ، وحَسْرةٌ على ماضٍ لن يَعودَ , فالعمر يهرب  والقلب أصابه الوهن ..والتجاعيد تزين الوجه , تحكي حكايات  مليئة بالدموع  والضحكات , هي حصيلة الماضي والحاضر , والمستقبل .

 

 

  —زمن

في العين حسرة

وندم

القلب يأكله

  الوهن

تجاعيد الزّمن

 

تؤكد الشاعرة على أن الصمت من حسن الخلق , ولكنه ليس بالأمر الهين , فالصمت لا يخون لأنه أمان , ولكن هل في الصمت سلامة من كل مكروه دائماً ؟  إياك أن تتمادى في غيك وصلفك ,  فللصمت حدود ..  فالبراكين لا نعرف  متى تثور وتقذف حممها   فمن يقف على حافة البركان  يكون عرضة للخطر أو الهلاك  والنهر الساكت تياراته جارفة .. ..:إن لسان حالها يقول : ( احذروا صولة الصامت إذا إستفز )  :

خرَج عن صمته

غدر

لا تصدّقوا صمتي

البراكين الخامدة تقذف حممها

 حين تنام  الأرض  

والنّهر السّاكت

تيّاره جارف

 

      سونيا عبدا للطيف تحس بغبن العشق ، تتمرد وتثور ، تصرخ وتغني فتعلن بحرقة انفعالية وجدانية  أن النسيان بالنسيان ,ولكنها في لحظة اضطراب  وجداني  تؤكد أن النسيان مستحيل فبين ضلوعها ما زال يسكن  طائر الهوى  الجريح  .

 

 قفص  —

إذا نسيتني

أنسك

بين أضلعي

يخفق طائر مكسور

الجناح

إنّه جرح

هواك

 

مؤلم أن يقابل الوفاء بالخيانة ، وأصعب أنواع الخيانة  غدر الأحبة  إن الخيانة أصعب شعور يمكن أن يمر به الإنسان في حياته ، فما أصعب نَقْضُ العَهْد وتَرْكُ الوَفاء به , فالوفاء من شيم الكرام والغدر من صفات اللئام .. وهذا ما أشارت إليه الشاعرة في ومضة خيانة :

 

  — خيانة — –

أكلت أصابعُها النّيرانَ

هو يأكلُ

التفّاحَ

في بيت 

الجيران

 

سونيا عبدا للطيف تغمس يراعها بجراحات القلب ، وتتساءل يا رياح الحزن والشجن  والهموم  والخيبات والآهات والزفرات .. ماذا تريدين من امرأ’ة   أرهقتها رياح ؟  تكسر قارب  نجاتها في  لجة بحر الهموم . .. فتقول :

ة أةأة

 

 — رياح

اطمئنّي يا رياح

تكسّر الجناح

لا شراع

لا ساعد

لا مجداف

لم يبق في المركب

سوى العواء و النّباح

 

تحذر سونيا   من نبش وإشعال رماد الفتنة , و سكب ماء الملح في الجراح الدامية  لأمتنا العربية ,وتدعو إلى تحصين الأمة من الفتن .. مذكرة المتلقي , بقول شهير لأبن تيمية (والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء ) .

جمر

احذر نبش الرّماد

في الأسفل

 الجمْر

ينتظر الجمْر

على

 جمْر

 

بومضة مكثفة وعبارة جزلة معبرة .. تتحدث شاعرتنا الدافئة ..عن سبب فقدان الإنسان الغاية والهدف , وسبب الإحساس بالضياع والإحباط في الحياة ..فتقول :

 

مسافرة

ضيّعت الاتّجاهات 

 البوصلة

  كسّرتها الرّياح 

 

وفي ومضة  ينطوي نصها على قلق ذاتي وجمعي  . قلق من واقعنا العربي الذي مزقته الفتن والحروب الأهلية ، التي أفرزت عوامل عدة أدت إلى تخلخل سكاني هائل ، وبالتالي هجرة داخلية وخارجية ، وضياع وتشرد وغرف في البحار .. فتقول :

جنازة    —-

لا أحد يصلّي في المساجد

 المراكب   في   الجنازة

البحار 

مقابر

 

وفي ومضة ( إخطبوط ) تصور  الإنسان الجشع  والنهم  بالإخطبوط الذي لا يرتوي , ولا يفلت من وقع في قبضته بسهولة   .. إنه حقاً  إخطبوط .

 

    إخطبوط    —

 

كلّما أكلوا لها

إصبعا

نشأت لها

أصابع جديدة

 

تتألق  الشاعرة في ومضة سنبلة  ..حين  ترمز للمرأة بالوردة التي  سلب جمالها وتبخر عطرها ,(أي  خدعت وغرر بها )  فضاعت في طرقات الخذلان والوهم .

—–    سنبلة

 

حين يُسلب من الوردة

عطرها.. سحرهاجمالها

تضيع  السّنبلة  

في مفترق الطّرق

 

ما الذي تبحث عنه  الوردة (المرأة )  من وجهت نظر الشاعرة سونيا ؟  الوردة  تريد من يحسن  ملاطفتها  , ويجعلها تشعر بالأنس والألفة ,التي تزيل عنها الوحشة وتشعرها بالطمأنينة ,

 

الوردة    —–   

 الوردة لا تبحث عن بستانيّ

  تريد شحرورا

 يؤنسها

ويغني لها

 

بكل عذوبة ونقاء تسترجع  الشاعرة الذكريات إلى ساحة الشعور . فيصبح الماضي بها حاضرا ,  ففي غمرة الأسى والحزن , يتم الاسترجاع عادة  بفعل تداعي الأفكار إما بصورة عفوية وإما بصورة  تأملية  . للهروب من واقع مؤلم .

—   ذكريات

 

في غمرة الحزن والأسى

أخذتني غمرة الهوى

إلى منفى الذّكريات

والصّبا

 

حين يكون المرء ضعيفا لا حول له ولا قوة .. وتتصاعد حوله أدخنة اليأس والإحباط , يشعر بالاختناق , ولا يقوى على التنفس ….وبإيجاز تقول الشاعرة ..

 

—-اختناق

يطلب أنفاسي

ورئتاي تحت الإنقاذ

 

وأخيراً …أتمنى أن تطور الأستاذة  سونيا عبداللطيف أدواتها القنينة لغة وصورة  ومضموناً , فأهم ما يميز الشاعر اللغة الخاصة والتجربة الذاتية التي تترك بصمة خاصة .

وجدنا ذلك في لغة  وتجربة امرئ القبس في العصر الجاهلي , وفي لغة الأخطل وجرير والفرزدق في العصر الأموي، والمتنبي والمعري في العصر العباسي، وفي لغة أحمد مطر ومظفر النواب ودرويش وأدو نيس في العصر الحديث , فكان لهم صوتهم الخاص .ولن يتحقق ذلك أستاذة سونيا إلا بهضم التجارب الشعرية السابقة , والقراءة الواعية والتعمق في التراث والمدونات  والفكرية والفلسفية التي تمنح الشاعر بعداً لغوياً خاصاً له امتداداته المعرفية المفتوحة على آفاق وعوالم رحيبة..

مجمل القول : الشاعرة سونيا عبدا للطيف شاعرة صاعدة بقوة نحو قمة النظم والإبداع.. امرأة عاشقة للأرض والإنسان  يتبدى ذلك جلياً بعمق شعرها.. فهي في بحث دائمٍ ومستمرٍ عن ذاتها.. في قصائدها لمسة إنسانية شفيقة تعزز من رصيدها الإبداعي. يتسم شعر سونيا  بالبساطة والسهولة  و بجرأة رومانسية مرهفة.. محكمة المفردات .

ومضات سونيا عبدا للطيف  الشعرية المكثفة ، الفوارة ، تجمع بين الحس المبثوث ، والخيال المحلق ، والعبارة المشرقة ، والصورة الشعرية الأنيقة .

ختاماً  : أهنئ صديقتنا الشاعرة الرقيقة المجيدة سونيا عبداللطيف , وأتمنى لها مستقبلاً شعرياً واعداً ,وزاهياً كزهو حروفها وجمال روحها ودفء أحاسيسها , مع خالص التحيات والتقدير لحرفها وإبداعها , ومزيد من الإصدارات والإبداعات الجديدة .. نحن في الانتظار .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!