قراءة في قصيدة ( ثورة ُ الصمت ) للشاعر : كريم عبدالله – بغداد .

بقلم : الشاعر : رياض ماشي محسن – العراق .

 

جزء بسيط من النص أخذني بعيدا حول عمق الخيال الخصب ومايحوي من بهاء ونور..
في جنتكَ ذاهبٌ أستظلُّ غيمة الله ـــ أجلو رمالاً منسيّةً وطأتها سنابكُ الهاوية .
على يافطةِ الليلِ أُعلّقُ هذا الصمتَ ـــ والشعارتُ العواقر تتقرفصُ في خانةِ الدعارة .
بدا الشاعر الفذ استاذ كريم عبدالله ملحمته الخالدة حين وظف خياله الخصب وربط مقام الحسين عليه السلام بصورة قدسية متصلة اتصال وثيق بالرب فتكون صرخة الحسين جنة لها دخول روحاني لا يدرك هذه الجنة إلا من تجرد من كل ادران الدنيا وصور رضا الله بتلك الغيمة المليئة عطاء حين تمطر تخضر الأرض وتخصب وتنمو جميع مافيها وتكون معشوشبة جميلة تسر الناظرين، اجمل تصوير وظف الشاعر بالذهاب إلى الحسين وخصوبة الروح وقبول النفس بتلك الجنة الحسينية المرتبطة بالله..

وهنا تطرق الشاعر إلى جزء آخر حين قال أجلو رمالا منسية وطأتها سنابك الهاوية.
تعمق في تصوير الواقعة وتسلسل في درجات سلم التاريخ حين بدأ مفردته بالجلاء لتلك الرمال المنسية حين صورتها بعض الأقلام المؤجورة حادثة عارضة في حقبة زمنية أكل عليها الدهر وشرب هي كما وطأتها سنابك الهاوية كذلك وطأها النسيان المتعمد بسبب السياسات المتعجرفة التي جيشت الجيوش كذلك وظفت تلك الأفلام لمحو اثر الواقعة المتمثل بتلك الرمال.

على يافطة الليل اعلق هذا الصمت..
حقيقة يقف المتلقي لهذه العبارة حين يرى مدى خيالية الكاتب وكيف ربط الصمت بالعتمة المتمثلة بالليل متجاوز كل الأقلام التي غيرت مجرى التاريخ ولم تعطي إشراقة شمس لتلك الرمال المتسية…
والشعارات العواقر تتقرفص في خانة الدعارة…
اجمل صورة هنا حين وظف الشعارات كالمراة التي لاتلد وهي جالسة في مجالس الرذيلة تكتفي بدعارتها التي تؤطر وجودها فقط لمريدها الذين يعيشون لحظة الرذيلة ويقذفونها في قمامة النسيان، تاريخ الواقعة لاتخدش وجوده تلك الشعارات العواقر تبقى في خلود ابدي كما وصفتها سيدة البلاغة السيدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد حين قالت والله لن تمحو ذكرنا إلى كامل خطبتها، فتلك الشعارات لن تمحو شيئا جسدته الدماء في تلك الصرخة التي ضجت لها السماء قبل الارض….

مِنْ هنا مرَّ المهزومونَ يحتمونَ بفتنهم ـــ حتى الفوانيس تلعنُ ظلَّ السيوف .
اصواتُ الثكالى حولَ المزارِ يُجفّفنَ بثيابهنَ دموع سفينةِ النهار بـ مطرٍ يغسلُ محاجرَحرقةِ الخيام .
من هنا مر المهزومون . من اين ياسيدي مرو أولائك الذين ذكرتهم بالهزيمة نعم كان مرورهم من تلك الخيبة وذاك الخسران الذي عارهم من كل القيم وفضح تجمعهم المستظل بأوهام لم تنطلي على عاقل فبدت عوراتهم تنكشف أمام الرأي العام وثقل عليهم الأمر والفضيحة…
حتى بدأ اختفاء ظلهم بتلك الفتنة واطروها بإطار خارجي ويجب الدفاع عن بيضة الاسلام وقتل كل خارجي يتصدى إلى أمور شرعية الخلافة الأموية التي تم بنائها على أسس وراثية، ملك عقيم، فأصدور أمرا باخماد كل صوت حتى ولو كان الحسين.
بهكذا أمر كان تضليل الناس وبناء دولة على دماء الاحرار.
حتى الفوانيس تلعن ظل السيوف.
الجميل في هذا المقطع هو تصوير الأدنى من الضوء ينكر صليل السيوف التي شحذت هممها ضد الحسين وأهل بيته وصحبه فكيف لضياء النهار بشمسه الصارخة أن يتقبل هذا العمل الدنيء التي سفكت فيه اطهر وازكى الدماء وخضب فيه الشيب وسلبت فيه الحرائر بتلك الطريقة الوحشية الخالية من أدنى قيم الانسانية..
اصوات الثكالى حول المزار يجففن بثيابهن دموع سفينة النهار، بمطر يغسل محاجر حرقة الخيام.
هذا المقطع بالذات تتالم له جميع الحروف وتبكي دما على تلك الصورة التي رسمها الشاعر لو دقق المتلقي وذهب إلى حقيقة الصورة ورأى كيف تقف الثكالى وماهي مدى حرقة الصوت من فقدت جميع أهل بيتها أمام عينها مذبحين كالاضاحي وبتلك الثياب مسحت دموع النهار ياترى كم حمل ذاك النهار من دموع هل تفي أن تكون نهرا ممتد متصل بدموع السماء حقيقة يعجز القلم عن ذكرها ويقف صامتا امام عظمة المصاب.
الله اكبر على هذه الصورة التي وضحت المطر المنساب من ذلك الجفاف قمة البلاغة في ذكر الضد كما نقول مثلا ضجيج الصمت مااعظم الضجيج حين يكون من الصمت يتكلم بالف لسان فهكذا صور الشاعر بتلك البلاغة بثيابهن المجففة غسلن حناجر حرقة الخيام، احترقت الحناجر قبل الجسد من شدة الفجيعة خيال ملم ببلاغة الموقف فكانت الصورة عميقة جدا اخذت بالمتلقي الى عالم اخر….

كيفَ تناهشت رماحٌ مفخّخةً كبد السماء جذلى تفقأُ عينَ الفراتِ مُهانة إذ الهمجيةُ تستيقظُ تستقسمُ الفيءَ .

مااجمل هذا الربط في تاريخ الظلام من اول مظلمة إلى يومنا هذا، وقف الشاعر على صورة الرماح التي حملت الرؤوس ومثلها بالكلاب السائبة حين تنهش جسدا، حين بدأها بتساؤل غريب وفصل هذا التساؤل إلى أدنى الاشياء واعلاها من حيث البعد المكاني المتمثل بدنائة من يحمل الرماح وبعدهم اللا محدود من السماء روحيا وجسديا، وبعدا اخر زماني حين ربط بين ظلامة الرمح وظلامة التفخيخ الذي يستعمله الاشرار في زماننا هذا فكان ربط موفق بين الحقب المتسلسلة بكل زمان سوداوية معينة.
قمة البلاغة حين يصور الفرات بالاعور وتفقأ عينه تلك الرماح لانه طرفا من تلك الظلامة التي حرمت الماء عن تلك الثلة النورانية رغم أنه صامت لكن ذاك الصمت كلفه أحد عيونه..
الهمجية اعمت عيون القوم فسلبو كل شيئا حتى القرط من أذن الفتاة الصغير قطعو اصبع الحسين واخذو الخاتم سلبو حتى الملابس، رغم قلوبهم القاسية وهمجية جمعهم إلا أنهم كانو يبكون وهم يسلبون تلك الاشياء البسيطة، هكذا كان تصوير الشاعر لهمجيتهم ونسيانهم جميع الاعراف، كما قال لهم الامام الحسين عليه السلام إن كنتم لا تخافون الميعاد فكونو عربا كما تزعمون، همجيتهم انستهم حتى عروبتهم وتلك التقاليد التي يفرضها المجتمع في ذلك الوقت…..
يتبع….


ثورة الصمت .. بقلم : كريم عبدالله – بغداد – العراق .

الجزء الاول

في جنتكَ ذاهبٌ أستظلُّ غيمة الله ـــ أجلو رمالاً منسيّةً وطأتها سنابكُ الهاوية .

على يافطةِ الليلِ أُعلّقُ هذا الصمتَ ـــ والشعارتُ العواقر تتقرفصُ في خانةِ الدعارة .

مِنْ هنا مرَّ المهزومونَ يحتمونَ بفتنهم ـــ حتى الفوانيس تلعنُ ظلَّ السيوف .

اصواتُ الثكالى حولَ المزارِ يُجفّفنَ بثيابهنَ دموع سفينةِ النهار بـ مطرٍ يغسلُ محاجرَحرقةِ الخيام .

كيفَ تناهشت رماحٌ مفخّخةً كبد السماء جذلى تفقأُ عينَ الفراتِ مُهانة إذ الهمجيةُ تستيقظُ تستقسمُ الفيءَ .

تصدّعتْ عيون المجدِ بسياطِ الأفاعي وخلفَ التاريخ هناكَ مَنْ يُعلّقُ سيفهُ يُثقبُ القِبابَ يلوّثها بدخانِ الفتنةِ .

تطيّنَ النهرُ بأبواقِ لحى الشرائعَ ورفعتْ مناجلٌ رقابها تحشُ مصباحاً على واجهاتِ العابرينَ ترشُّ الرماد .

ماذا يفعلُ هذا الرأس حينَ يعتلي الزمنَ مَنْ أمرَ بقطعِ أوداجِ السماء والمهرجونَ بمخاصرهم مجدّوا الحاناتِ … ؟ !.

بينما يجرُّ الجنودّ هزيمتهم الصدورُ تُدميها كفوف مقطوعةً يُثقلها سلاسل تسحبُ ضوءَ الحقول .

الغبّشُ المكسور على أعوادِ السلاطين جعجعَ أسنّةً متأبهةً خلفَ الستارِ تقضمُ طينةً حمراءَ رجرجتْ كؤوسَ التيجان .

مَنْ آذنَ للخيولِ أنْ تطأَ مراقدَ العشقِ وأفواجاً غوتْ ياقوتةً مطهّرةً كجمهرةِ كلابَ الحوأبِ هائمةً حولَ الجمل… ؟ !.

مَنْ يُرضعُ الصبرَ الرضيعَ حينَ تراشقتْ سهامٌ تذبحُ إرتعاشةَ الثدي والطرقاتُ تضيقُ محزونةً بشدوٍ مكتوم … ؟ !.

زمراً فتحوا في ظلامِ الليلِ باباً للفجرِ ـــ يندلقُ منهمو فيروزاً يحنو على الدم .

ثورةُ الصمت

الجزء الثاني

وانتِ أيّتها الخيولُ المحتشدة في خلجاتِ الفجيعةِ تهيأي ولطّخي ناصيةَ النهارِ بوجعِ الدمِ المسفوك في جفونِ السماء فهذهِ الصلبان تركبُ سروجَ الأشتهاء .

افيقي على رجعِ الشتات ولمّلمي ما ترثيهِ بهجةَ السيوفِ فالنائحات خلفَ حدودِ الليل هيّجهنَّ سهمٌ ثملْ .

البيارقُ تشربُ نخبها الغارقَ بألأسى وعلى الأعوادِ نواحٌ سرمديٌّ تسحقهُ الرحى بينما ذلُّ الهزيمةِ يمتدُّ ما بينَ ظمأُ النهرِ وجسدُ الأرض .

أيُّ المواويل تمتطي نبضَ الريح وأفواجاً تتزاحمُ حولَ شيبةِ الضحى حاصدةً عنفوانَ التقديس .. !

على جذوعِ الفرات تتحنّى العراجين بحزنها العتيق تزحفُ الصحراء حدباءَ مكسورة لهُ تحملُ قرابينَ الخارجينَ منَ شقوقها .

تُساقطُ النجوم هرولةَ أحشائها أثقلها زلزلة حلمٍ حرّكَ معراج الأفول وقدّامها تتساقطُ كلّ أقنعةِ التاريخ .

إزدهرْ أيّها الدمُ الشذر إليكَ تركضُ الحرابَ وأرشقْ وجهَ الغيّ بحفنةِ سنابلَ ( تؤتي أُكلها في كلّ حين (.

برّاقٌ هوَ الجسد ملفوفاُ بورعِ العشقِ تهتزُّ لهُ الفرائصَ باضغاثها يهدّها الفحيح وفي راياتهِ تنفلقُ عيونِ القحط .

يرتخي الخشوع ُ وحيداً تحتَ عرشِ السيوف هائماً في ملكوتِهِ ينزعُ إرتجافَ النعشِ ودفوفُ النهرِ غارقةً بنبضِ الحياءِ .

مهتاجٌ كأسهُ يجلجلُ في قصورِ تواريخٍ كـ الرماد ـــ وصوتُ الجسدِ يرنُّ في رقابِ شبحِ المقاصل .

لغةُ الله تشقُّ طوفانَ القيود وتستفيقُ في مزاميرِ الأحتضار أغصانُ البروق فتنوحُ ممزّقة خيولَ الظلام .

ثورةُ الصمت

الجزء الثالث

توارتْ خلفَ حزنِ رمالٍ غارقة بأمواجِ الأسى ـــ وظلُّ مزار الفقدِ يتخفّى بلا أجنحةٍ ينطفيء .

ضجيجُ الحِرابِ خلّفتهُ يحزُّ رفيفَ الشمسِ ونافذةُ الذكرياتِ تطلُّ على الأفقِ وحقائبُ الرحيلِ مملوءةٌ بحبالِ الهاوية .

الأفكارُ تمدّدتْ في بئرها الآسنَ أينعتْ رؤوساً للشياطينِ فوقَ هامةِ الكلماتِ أسرعتْ تُرغي وتثقبُ صمتَ العسعسِ .

النياقُ الضامرات يحملنَ تلويحَ الخيامِ ـــ سفنٌ تُبحرُ في دياجيرِ مدافنِ الدموع .

الطريقُ ظمأُ جمراتٍ تحشُّ غاباتِ الأشتعال تحملُ على أسنّتها سُلالة الفتحِ عاريةً هي ألأقمارُ تؤوي النجوم .

تتيهُ بليلٍ معصوبَ الشهيقِ ينحتُ سرّها سورٌ محفور بحبلِ المدائن يسوّرها فحمٌ على الحائطِ يرسمُ ضياعاً .

في منديلها عبقُ الأحلامِ تكوّمتْ وفي مجلسِ اللهوِ تكشّفَ صوتها يزمجرُ رعداً يتكيءُ على ضفافِ الذاكرة .

مرتدّونَ بأحلامِ الجهالةِ يتعنكبون مجهولةٌ هي الوجوه تتفرّسُ أزهاراً ذابلة أتعبها رحيلٌ مدمّى بالصورِ.

حيرى وأفعى تزحفُ وبالفجيعةِ تتزيّنُ أفقٌ منِ الشؤمِ يخيطُ النهارَ ولمّا تزلْ طاعنة في حزنِ محبسها .

وماذا وقدْ حاصرها ضياع مذبحٍ بهِ تتشظّى ـــ وطعناً يباغتُ قافلةً أعلنتْ خسوفها . . !

كأنَّ الفرات دم الأحداقَ حينَ ينشجُ وفاضَ يستجدي يرمّمُ نسغَ الكفوف ينبشُ قبراً تتقافزُ فيهِ الوطاويط .

رائحةُ الأطياب تسحبُ الروحَ يلمعُ الحزنُ غريباً تحتَ الثرى فتجدّدُ لحنها المشقّق مواكبُ العزاء.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!