قراءة في قصيدة للشاعر محمد صوالحة بقلم أحمد وليد

كلمات مبتورة
************ 
 كسرً الغصنُ
وما زلتُ
فوقً شجرةِ روحكِ احلق
هناك
بين الضلوعِ
ابني عشي
انا عصفورٌ
لا اعترفُ بغيرك وطناً
ولا اعرفُ بهواك منطق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد صوالحة . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القراءة 
******

إبتدأ الشاعر قصيدته بإلغاء الظرفية الزمنية المفترضة ، كأن يقول ” منذ كُسِر الغصن و أنا مازلت … ” لكنه فضل أن يلغي الزمان من حياته ، فهو الآن لا يحيا منذ غاب عنه مخاطبه . و بإلغاء الزمن يلغي الحياة فهو لا يحيا ، توقف عن ممارسة فعل الحياة ، فالفعل عنده لا يساوي الحياة بل هو طريقة يبدد بها موته الفعلي . لأنه الآن لا يعتبر نفسه حيا بل ميتا يعيش حياة الأحياء .. هكذا أصبح “الفعل” عند شاعرنا محمد صوالحة طريقة لمقاومة الضعف و الإنهزام فهو قوي بإنسانيته لكنه ضعيف جدا أمام مشاعره و أمام حتمية الموت التي تُغَيِّبُ أعز الناس و لا يمكن إلا قبول الوضع بنفس راضية مطمئنة نفس تدرك تمام الإدراك أن بعد الفراق سيكون هناك لقاء ، لكن متى ؟ هذه الـ ” متى ” هي ما يرهق الشاعر و يتعبه حد الإستسلام و تقبل شروط الحياة كما هي و بكل ما تسوقه من أحداث . هكذا يجعل من نفسه عصفورا ، و قد اختار العصفور ليعبر عن ضعفه فالعصفور يرمز للضعف و بنفس الوقت قوي و قوته تكمن في غناءه المستمر فهو دائم التغريد .. يشدو للحياة و الكون معا .. و كذلك شاعرنا يغرد بقصائده للحياة وللكون محاولا تجاوز أحزانه و آلامه و تخطي عجزه . كسرً الغصنُ وما زلتُ فوقً شجرةِ روحكِ احلق فالشاعر يوقن جيدا أنه عليه أن يعيش الألم بكل أنواعه و أن يبدد قواه في سبيل خلاصه ” ممارسة الحياة ” كونه حي ميت إلى أن يبلغ النهاية ( النهاية = الموت ) فهو يعتبرها خلاصه الوحيد. إذ يصور لنا نفسه في مشهد درامي بعصفور كسر الغصن الذي يضمه لكنه مازال يحلق فوقه محاولا بناء عشه فهو موطنه الوحيد و الأبدي ، لا يمكنه أن يتركه أو يغادره . هناك بين الضلوعِ ابني عشي انا عصفورٌ لا اعترفُ بغيرك وطناً ولا اعرفُ بهواك منطق شاعرنا محمد صوالحة يعي جيدا أنه ليتجاوز آلامه عليه أن يغادر عالمه الفعلي ( حياته الآن ) إلى عالم الخيال ، العالم الوحيد الذي تجتمع فيه الأرواح و تتلاقى ، و أن يغادر زمانه هذا ( زمان الفقد ) إلى زمان رحب يسع وجود من غابوا و تركوا وراءهم كل هذا الكم الهائل من الفراغ و الضياع . فمحنة الشاعر لن تزول إلا بالإنعتاق ، انعتاق الروح من الجسد و المكان من الزمان و الحضور من الغياب … هكذا يعيش الشاعر حياته كنوع من الحلم ( الشاعر / الحالم ) الواثق في مقدرة مخيلته التي تبعده عن كل وهم ( وهم الحياة ) فهو الآن يعتبر الحياة وهما و الحقيقة المطلقة هي الموت و بالتالي هي الحياة . إنه كلما أتيحت له الفرصة يستمتع بوجوده في عالم يمكننا تسميته بعالم ( الحضور ) إذ يستطيع أن يجتمع فيه بمن يريد لا يمنعه شيء لا غياب و لا موت . و هكذا يمارس حياته مقرونة بفواصل بين حالة وجود و أخرى . فهو كشاعر لا يسعه أمام آلامه إلا البحث عن مهدىء و مسكن لها في أشعاره فهي النور الذي يضيء عتمته و الدفء الذي ينبض بين ثناياه .. هي الطاقة المتدفقة التي تعطيه شحنة للإستمرار . فهو لم يعد باستطاعته التحدث أو التواصل مع الآخر ( المجتمع ) بل مع نفسه فقط في شخصه كذات معذبة و في الآخر ( الغائب ). فهو ينهك قواه ليحقق ذاته و يحس فعلا أنه موجود بين الأحياء ، يعذب نفسه لا لتعذيبها بل ليستنزف كل عذاب متخطيا عالمه المادي إلى عالم آخر يجد فيه راحته و يحقق فيه ذاته المقرونة باللقاء . عالم القصيدة إذ يصبح الشعر بلسما لوجعه و ملاذا لروحه المعذبة .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!