قصيدة ” ترنحت المدينة “صرخة ضد التكفير والتكلس الفكري  للشاعرة التونسية فضيلة مسعى

 

 

هاشم خليل عبدالغني – الأردن

فضيلة مسعى أديبة وإعلامية تونسية “أصيلة ” مدينة قفصة متحصله على الأستاذية في علم اجتماع الثقافة والتربية من كلية العلوم الإنسانية وعلى ماجستير البحث في علم اجتماع الأدب.
متحصله على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من عديد من المنظمات الإنسانية العالمية …معدة ومقدمة برامج منذ عام 1991م ..كان لها شرف محاورة كبار الأدباء العرب ، أصدرت عدداً من الدواوين الشعرية  والروايات.. منها أهمها ( امرأة من نار – نزيف الثلج – مقل الريح – رحيق الوجد ) إلى جانب إصدار العديد من الروايات منها ( معسكر الحب – صبريانا).

    قصيدة الشاعرة التونسية فضيلة مسعى” ترنحت المدينة ” صورة حقيقة عن حياتها ومواقفها المبدئية ، فهي صاحبة رسالة ثورية ، تعبر في قصيدتها عن بؤس المرحلة ومرارتها ، تناولت

فيها قلق الإنسان العربي في ظلّ الهزائم والخيبة والتراجع ، وهذه صفه تميزها عن كثير من الشعراء والمثقفين .

     تصرخ الشاعرة وبقوة ضد التكفير، التقوقع، التكلّس، الانغلاق والتعتيم والظلام الفكري في عصر العلم والمعرفة ، عصر تلاقح الأفكار والفضاء المفتوح … سنلج لجسم القصيدة لنتعرف على توصيف الشاعرة لواقعنا المرير .

      من قلب سحائب المراوغة والخداع والكيد العظيم تصاعد دخان الإرهاب الذي يغذيه الفكر المتطرف المرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عما هو معتاد ومتعارف عليه سياسيا واجتماعيا ودينياً ، في ظل هذه الأفكار البائسة وتحت وطئ تدفقها وتدافعها ،  ترنحت وتمايلت المدينة ( الوطن ) شمالا ويميناً ،” كالسكير الذي فقد توازنه وعقله “

    فالمدينة غُشيي عليها واعتراها الوهن والفزع فسادها الاضطراب .. فغابت المدينة عن الوعي ففقدت توازنها  بسبب انغماسها في شُربِ كحول التطرف والاستبداد ، باحثة عن داعم ومنقذ يعتمد عليه .

       كما تشير الشاعرة إلى أن غلاة هذا النهج بدأوا بالدعوة للفتنة والفساد في محاولة لإيقاع الفتنة بين الناس وتخريب أمنهم وسلامهم ودفعهم إلى الصراع والعنف والاقتتال من خلال سياقات متعددة مغلفة بمعاني عديدة  في حواري وأزقة المدينة .

      وتؤكد الشاعرة أن أصحاب هذا الفكر الظلامي تجاروا ووظفوا الدين لمصالحهم  فنهبوا وشربوا من خيرات  حتى الثمالة وملأوا جيوب جشعهم من دم الغلابا والمعدمين . 

تَرَنّحَتِ المَدينَةُ

في مُهجةِ الضَّباب
تَرَنّحَتِ المدينةُ كسكّيرٍ يبحثُ عن جدارٍ يُسنِدُهُ
عَوَى إثمُ البلادِ تحت أديمِها
من نبعِ عينيها ملأ جرارَه وارتَوى

       في ظل هذا الأزمة التي أحاقت بالمدينة ( الوطن ) تراجع صوت العقل ووقع مغشيا عليه، تحت سنابك الفكر المتعفن الرجعي ، بالرغم من ذلك انتفضت النخبة المثقفة  قوى الخير والتنوير، لتعيد لهذه المدينة التي أسكرتها قوى الشر التي تهوي بها في مهاوي التخلف …  انتقضت لتعيد ( المدينة- الوطن ) لسكة النهضة وتحقيق الازدهار . . عل الوطن يسترد عافيته وصحته ويعود إليه الهدوء والفهم وسلامة الإدراك  ويستريح ، ويتبين الليل من النهار والغث من السمين . .
سقط الصّباحُ مغشيّا عليه
أرادت شجرة ُالياسمين أن ترشَّه بعطرِها
علَّهُ يستعيد وعيَه
ينيرُ في الأفقِ ما قد أَظلَم ٌ

ولكن كما يقال” لا رأي لمن لا يطاع ” خفت صوت العقل والتنوير ففقدت الرؤية الواضحة لصياغة مشروع نهوضي للخروج من كهف التخلف … في هذا الجو المتردي تسللت خفية عواصف هوجاء من سباتها فغدت ( المدينة – الوطن )  غلافا للتماهي  مع الفتنة و الرعب والدمار والقتل .. كان لهذه الفتنة أثار مدمرة على الأطفال الذين يتعرضون للقتل أو التشويه أو يسجنون أو الاتجار بهم ، كما أن أثارها انعكست على بنية المجتمع بالمجمل .. فالأفكار اضطربت والتركيز فقد ، إنها الحرب التي سببت المعاناة للمدنيين وامتصت الفرح والسعادة من عيون الأطفال والنساء ، وصارت عنواناً للموت والد مار والتطرف .
انسلَّ نصلُ العاصفةُ من غمدِه
قطع أصابع َالضّوء الممتدّة إلى عيني طفلةٍٍ في الأرجاء..
صارَ اللّونُ بين الأبيضِ والأسودِ
ليس بفجرٍ
ولا بغروبٍ..
إنَّه الرَّصاصُ وقد امتَصَّ كلَّ الألوان
صَارَ لونا لوجهِ المدينة
وصَارَت المدينةُ عَروسا من رصاص

       نخلص مما تقدم أننا أمام شاعرة تنتصر للفكر الحر والتقدم ، والتجدد والتجديد ، وتحارب الفكر العفن المتخلف ، الذي يزرع وينشر بذور الفتنة ، الذي حول بهاء وألق المدينة ( الوطن ) لغابة من الرعب والرصاص ، فسلب الحياة .. الحياة  ، شاعرة حددت موقفها  وحققت إبداعا مميزاً ،  عبرت عن وجدانها وفكرها ، فضيلة المسعى شاعرة ولجت مناطق معتمة ووعرة ، مبدعة ساهمت في الموقف الوجداني لأمة تتعرض لأبشع حالات التغيب والاستهداف … شاعرة متمكنة من أدواتها الفنية ، لغة  وأسلوبا سلساً ، وبناءً معماريا وصورة رائعة مذهلة ..

للشاعرة فضيلة المسعى المسكونة بالهم العام ، كل الاحترام والتقدير لنصوصها المميزة وفكرها الراقي الراسخ .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!