وقفة مع نص / بقلم : أحمد وليد الروح – المغرب

اعاود السؤال : كيف يا أنت والعين لا ترى الا غباشا … كيف وما عاد شيء يدهشني ؟، كيف وأنا كما الصخرة … لا أشعر بشيء .. ولا أحس بشئ.. لا طعم للفرح .. ولا معنى لشئ.. كل الأشياء متشابهة .

آه ياأنت … لمن أشكو قسوتك ويتمي؟. لمن أشكو ظلمك وحيرتي …في ظل ارتقائك وأنا كما زهرة أذبلها العطش وقتلها ملح التراب .

أنا الوحيد أنا الكسيح الحزين وما من درب إليك يقودني … لا تعتب .. ولا تغضب إن ناديتك ب يا أنت لان وجعي أكبر مني … وحلمي يتيم … وقدماي كسيحتان ونهر الحزن أغرقني .. فهل مددت يدك لي وأجرتني من عذابي ونار يومي .

 

محمد صوالحة

___________

 

نص مليء بالتساؤلات، تساؤلات مستمرة بلا انقطاع (أعاود التساؤل) و هذه الـ” كيف” المبهمة المبنية على سكون الأشياء، فهو الآن يتساءل باستغراب شديد، و يتعجب كيف لم يعد يرى إلا غباشا، كيف سكنت الحياة عنده، بالنسبة له توقفت..انطفأت .. لم يعد يستهويه شيء و لا يدهشه شيء، فقد الشعور بالأشياء، فقد الإحساس ، أصبح مثل الصخرة لا يحرِّكه محرك، فقد طعم الأشياء ، لم يعد للفرح طعم عنده، و لا للأشياء الأخرى معنى .. كلها عنده أصبحت متشابهة..

نحن الآن أمام نص خاص ينبض بالحضور و إن غيّب الكاتب نفسه نجده حاضرا من خلال الآخر . فهو فيه، يسكنه، يتنفس من خلاله، إنها علاقة من نوع خاص، علاقة متلازمة ، تستدعي حضور الأنا من خلال الآخر أو حضور الآخر في حين تغيب الأنا و يضعف حضورها ، تتسع هنا الرؤيا و تكبر لتعبر عن استحضار الأنا و تغييبها من خلال الآخر إذ كلما اتسع الآخر و تمدّد في عالم الخيال تضمحل الأنا في وجودها الحقيقي (في ظل ارتقائك وأنا كما زهرة أذبلها العطش وقتلها ملح التراب ) اضمحلال قد يعطي الإحساس بالموت ، فهنا محمد صوالحة في ظل غياب والده رحمه الله يعتبر نفسه ميتا، جسدٌ بلا روح، يكاد يفقد الإحساس إلا من “آه” ينطقها بحرقة، تصعد زفراتها حِمٓمًا  تكاد تشُقُّ صدره.

هكذا يفتعل محمد صوالحة حضور غائبه فيه، يكلمه و يحدثه و يسأله من سواه يحمل شكواه، و لمن يا ترى يشكو قسوته؟ يقصد قسوة والده الذي تركه يتيما. لمن يشكو ظلمه و حيرته ؟ و يقصد ظلم والده له بالغياب ، وحيرته هو بعده . فيكلمه بلغة المخاطب الغريب و ليس القريب فيقول :”يا أنت ” مستبعدا لغة الألقاب و إبداء الإحترام و التقدير، فهو بهذه الطريقة يحاول إظهار غضبه و انفعاله . فغائبه لم يعد يزوره بأحلام اليقظه كالسابق ، زيارات كانت تخفف عنه وطأة الغياب و ألم الفراق .

هكذا تحاول الأنا الإنصهار في الآخر، فتهربُ منها إليه. إنه هروب من النفس، من الذات.. من الألم و الوجع .. هروب من الواقع المر الذي غيّب الأب و ترك الولد وحيدا فارغ اليدين ، هروب من الذات في الذات، فهو الآن منقسم بين والده و نفسه، لا يتقبل موته فيحاول أن يعيش موته وَهُو حي يتنفس الحياة موتا، فمنذ مات والده و هو شبه ميت، زاهد في الحياة، معرضٌ عنها.

يستمر في وصف نفسه و التعبير عن معاناته فيقول :”أنا الوحيد أنا الكسيح الحزين وما من درب إليك يقودني … ”

فهو بدون والده يعتبر نفسه وحيدا، حزينا بلا حول و لا قوة، يستمد قوته من خلال والده. و بعد غيابه أصبح كسيحا، تائها و لا درب يأخذه إليه.

يتألم، يغضب و ينفعل ثم يتدارك نفسه خوفا من غضب أبيه عليه فيطلب منه أن لا يغضب منه و لا يعتب عليه لأنه غيّر أسلوب النداء من حميم “يا أبت” إلى بارد “يا أنت” و هو لم يقصد شيئا بقدر ما حاول التخفيف عن نفسه و التعبير عن وجعه، حزنه و آلامه .. بعدها يوجه الخطاب لوالده مباشرة كأنه يراه أمامه فيسأله :”فهل مددت يدك لي وأجرتني من عذابي ونار يومي .” هو الآن يطلب منه أن يمد يد العون له، أن يساعده و يخلصه من عذابه .. هكذا نجد الأنا يقابلها الآخر، تقابل يخلق نوعا من الصراع النفسي ، فمحمد صوالحة يصارع نفسه ، يحاول تهدئتها و التخفيف عنها باختلاق حوار بينه و بين الآخر يبث فيه حزنه ، آلامه تساؤلاته، رفضه للواقع و استنكاره الوضع معبرا عن حبه الكبير لوالده .

بعدها يُصعّد الإنفعال النفسي من خلال وحدة الأنا التي انشغلت بالآخر فكانت الثنائية مسيطرة ثنائية الأنا و الآخر الشيء الذي منح النص رؤية خاصة عبّر من خلالها الأستاذ الأديب و الشاعر محمد صوالحة عن مشاعره و مخزون آلامه المتراكمة في اللاشعور برؤيا أخرجت كل طاقاته الإبداعية و إمكانياته الثقافية  في نص  بصم فيه إسمه بأسلوبه الخاص و المتميز .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!