أكاذيب المساء– محمد رمضان الجبور / بقلم الناقد: د. سلطان الخضور

أكاذيب المساء هي مجموعة من القصص القصيرة التي كتبها القاص والشاعر محمد رمضان الجبور والتي صدرت عام 2020 بدعم من وزارة الثقافة الاردنية.

      تعتبر هذه المجموعة من المجموعات القصصية المشوقة والمحفزة على القراءة لأسباب منها ما يعود للكتاب ومنها ما يعود للكاتب. ويقف على راس الأسباب التي تعود للكتاب عنوان المجموعة أكاذيب المساء,وهي في الحقيقة حقائق وليست اكاذيب لكن الكذب يكمن في تأملات أشخاصها وأحلامهم العراض وآمالهم التي سحقها الزمان بقدميه ولم يتحقق منها شيئاً, ويبدو ذلك جلياً من القصة التي حملت عنوان الكتاب ص40 حيث استمرت حياكة هذه القصص في نفس المقهى وشخوصها هم هم الكاتب وعبد الستار ويوسف وسليم العلي على مدار عشر سنوات وهم يجلسون نفس الجلسة ويعمرون مساءاتهم بالأحلام التي ما تلبث أن تتبخر مع إشراقة شمس النهار.

    ويأتي عنصر التشويق والتحفيز أيضاً من قصر القصص الواردة في المجموعة, إذ لا تتجاوز القصة الطويلة منها وهي حمالة العنوان الثماني صفحات من القطع الصغير, مما يجعل القارئ مشدوداً لمعرفة مجرياتها وبالتالي نهاياتها, ولن يتجاوز القارئ المتأمل زمنياً الثلاث ساعات مع وقفات التأمل حتى ينجز قراءتها.

    وتعتبر لغة الكتاب الواضحة والجلية ومفرداتها التي لا تحتاج إلى تفسير ولا تحتمل التأويل إذ لا تأخذ المفردة إلا معنى واحداً واضحاً يفهمه الجميع, بالإضافة لما حملته من عناصر تكوين القصة من زمان ومكان وشخوص وعقدة في بعض الأحيان مع أن النهايات قد تركت مفتوحة في بعض الأحيان عاد بها القاص لذوق المتلقي وتقديراته.

     أما الكاتب الذي عرف بجديته وهدوئه وملامسته للواقع, والذي نستنتج سخريته من الحدث من خلال قصصه, لا سيما أنه أكاديمي مثقف يعرف ما يريد ولم يغرف في هذه المجموعة إلا مما يعرف, فهو عامل أساس من العوامل المحفزة على قراءة هذه المجموعة.

 الإهداء الذي أرسله القاص إلى الذين يحبون الوطن على أوراقٍ مزقتها الريح والأماني وقصائد ضاعت في دفاتر الشعراء, هذا الإهداء الموجز بكلماته المكثف بمعانيه يستحق التوقف وسبر غوره وتقليبه على جنبيه للوصول إلى المراد منهلأنه يحمل معان عميقة تتفق مع العنوان ولا تخلو من العتب, ذلك العتب الملفوف بأوراق الحيرة, وكأن القاص يعطينا درساً مختصراً عن حب الوطن, وضمنياً يقول أن حب الوطن فعل لا قول, والفعل يحتمل التضحية بالوقت وبالجهد وبالمال وأحياناً بالنفس حينما يصل هذا الحب منتهاه, فالأقوال شعراً كانت أو نثراً مع اعترافنا المسبق بتأثيرها على سلوك الغير, لن تحرر وطناً وان تنهي فساداً ولن تعدل اقتصاداً ولن تنجب ميامين, فحب الوطن يجب أن يترجم بالعمل والجد والجهد, ويجب أن يكون ثقافة عامة تغرس في النفوس وتتربى عليها الأجيال بالتوازي مع قيم الفضيلة والانسانية والصدق والأمانة والغيرة وغيرها من القيم الأخلاقية التي لا يستقيم المجتمع إلا باستقامتها, وكأن أديبنا يحثنا على التفاني لأن حب الوطن إذا اقتصر على القول أو على الورق, فإنه لا شك سيذهب مع الريح وسيطويه النسيان والضياع بين دفات دفاتر الشعراء.

     وما يعطي هذه المجموعة قوة على قوتها من كتبوا عنها وصدرت مشفوعة بما كتبوه وهؤلاء يعرفهم متابعيهم وتعرِف بهم نتاجاتهم وهم الشاعر والباحث أحمد الحسن ألذي قدم للمجموعة كنوع من الأدب الاجتماعي الذي يكشف العثرات والأمراض التي تلف الكثير من أبناء المجتمع,  ومن هنا تقع المسئولية الكبرى على عاتق الأديب كم قال. كما كتب القاص سميح الشريف في نهاية المجموعة فقال أن المجموعة تحريضية واعية على أعمال الفكر, وجعل المتلقي مشاركاً في تشرب المعنى, وأضاف أن المجموعة تبحث عن ضمائرنا الملتاثة بلعنة الاستهلاك.أما الأديبة هيام ضمرة فقد كتبت عن المؤلف بانه يمتلك أدواته بتمكن واضح وأنه يجيد اقتناص الفكرة من الواقع. أما المرحوم فايز محمود فقد كان كتب أن هذه المجموعة تحول الواقع إلى رموز غرائبية تتطلب من القارئ جهدا ليعيد تشكيل القصة ذات الأصل المستمد من الواقع بما يتسق مع الأدب العالمي ليخلخل العادية وينفذ إلى أعماق روح الانسان.

      إن ما ورد من كتابات عن المجموعة يؤكد ما ذهبنا إليه ويعطيها زخماً إضافياً ويحفز على قراءتها.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!