أميمة يوسف أيقونة الترافة والجمال الشّعريّ / بقلم : أحمد أمير / العراق

لا شَكَّ أنّ جمال اللّغة الشّعريّة والإبداع في صياغتها هي من أهمِّ ما يمتاز به الشّاعر الجيّد، وهنا تكون الصّياغة هي من أكثر الأدوات طواعية لدى الشّاعر في تأثيث الصّورة الشّعريّة وتقويم مُحفّزاتها البصريّة لدى المتلقّي.

بمعنى آخر، يكون الشّاعر الجيّد هو المُبدع والخالق للّغة الشّعريّة وجماليّاتها، من خلال الصّور والتّراكيب والصّياغات التي يعتمدها في كتاباته، وبالتّالي يكون هو المسؤول الأوّل عن إثارة المُتلقّي وجذبه إلى ساحة إبداعه.

وهذا بالضّبط هو حال الشّاعرة “أميمة يوسف “، حيث نجد أنّ اللّغة الشّعريّة عندها ليست فقط فِعل ولاديّ، بل تتحوّل إلى آليّات إبداعٍ وخلقٍ جديدٍ للمعنى من خلال تطويع اللّغة بشكلٍ آخّاذٍ لا يتمكّن منه إلّا هي، وكأنّها تتعاطى مع الكلمات باعتبارها وجودا جديدا تراه على غير ما نراه، وتخلق منه الكثير من المعاني والصّور عِبر تراكيب غاية في البساطة، لكنّها أبلغ ما يكون جماليّاً وشعريّاً!

بهذا تَمكَّنت “أميمة ” من الدّخول في منطقةٍ جماليّةٍ وإبداعيّة لا تتأتّى لغيرها، ولن يبلغها غيرها، وهي إنتاج الصّورة الشّعريّة السّاحرة بلا أدنى تكلّف بكلّ سلاسةٍ وانسيابيّة، وهكذا أبدعت في إيصال الأفكار العميقة والموضوعات المهمّة عِبر آليّات تكنيكيّة غاية في التّرافة والجمال.

إنّ إنتاج الجمال والتّرافة والدّهشة بهذه البساطة، هو من أعقد الأساليب وأصعب المهام التي يُمكن أن يقوم بها الشّاعر، وقليلة هي النّماذج التي أبدعت في هذا المجال من قبيل (محمود درويش) و(نزار قَبّاني).

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصّدد، أنّ هذا الأسلوب لا يُمكن التّكلّف أو الاجتهاد فيه، لأنّه لا بدّ أن يدخل الذّائقة والقلب من دون استئذان، لذا نجد أنّ آليّات صناعة الجمال والتّرافة في الصّور الشّعريّة، هي مطواعة لـ “أميمة ” ومستجيبة لها ، بل وكأنّها هي التي تقتحمها وتدخل في عوالمها لينتج منها كُلّ هذا الجمال والإبداع، وهذا بسبب التّجربة الحياتيّة الكبيرة التي عاشتها – وتعيشها – الشّاعرة، وبسبب رأسمال ضميرها الكبير وإحساسها العالي وجمالها الإنسانيّ بكلّ بساطةٍ، بعيداً عن أيّة تعقيداتٍ فنّيّةٍ أو تقنيّةٍ للكتابة، وهذا ما يجعل الكثير في حيرةٍ من أمرهم عند التّعاطي مع ما تكتبه “أميمة”، وكأنّ لسان حالها إزاء هذه الجدليّة ما قاله العظيم “أبو الطّيّب”:

أنام ملء جفوني عَن شَواردها

وَيَسهر الخَلق جَرّاها ويَختصمُ

نعم، تمكَّنت “أميمة ” من إيجاد المنطقة الشعريّة/ الجماليّة الخاصّة بها وحدها، والتي لا يُمكن لغيرها الدّخول فيها، والتي تزخر بجمال الصّور وتنوّع تأويلاتها من قبل المُتلقّي.

لقد تَمكَّنت “أميمة ” من مباغتة المشهد الشّعريّ ببراعة ساحرٍ جميل، ورمي حصى الإبداع في مياه الذّائقة الرّاكدة، وأبدعت في التّحليق عالياً في سماء الإبداع الشّعريّة وهي في كامل عدّتها الجماليّة.

وبعيداً عن هذه الاستعارة الصّوريّة، ما زالت “أميمة يوسف ” لَم تكشف عن مفاتن نصوصها وقصائدها، وما زال في جعبتها الجماليّة الكثير مما تودّ قوله، أو ما ينبغي عليها قوله، فهي الشّاعرة التي تَتخطّى الأبعاد، وأوجدت لنفسها المسافات التي تأخذها إلى أبعد من مديات الواقع، وبالتّالي فمثلها لا يُمكن لها السّكون والاكتفاء من إنتاج الجمال والحبّ والدّهشة، وأنا على أجمل يقين بأنّ ثَمّة جمال وإبداع كبير جدّاً سيطلّ علينا من مملكة “أميمة” السّاحرة.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

2 تعليقات

  1. مهند الشهرباني

    يمكنني ان اضيف هنا الى ما تفضل به حضرة الكاتب بأن أميمة يوسف تمتلك شيئاً نادرا هو انها تشتغل بهدوء على منجزها الشعري دون ضجة وتهويل ومحاولات للكسب الاعلامي على حساب شاعريتها.
    لا يمكنني ان اشيف اكثر من هذا فالكاتب اعطى لرقة نصوصها وسلاسة تعبيرها الكثير مما تستحقه الشاعرة والشعر .
    بوركتما

اترك رداً على أميمة وليد يوسف إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!