الدرامية في شعرية شلال عنوز  قصيدة هذيان عند فم العاصفة .   ظاهر حبيب الكلابي

كتب  كريم  عبد الله – العراق  – بغداد


ليس من السهل ان يتحقق المنحى الدرامي في نص شعري معين من دون أن يستحضر ذلك النص 
ويستبطن مقومات الدرامية لتحقيق المعطى الدرامي في الشعر ومن أهم تلك المقومات والركائز الدرامية …. محورية الأنسان والصراع وتناقضات الحياة .
فالأنسان والصراع والتناقضات الحياتية هي من أهم العناصر الأساسية لكل قصيدة لها طابع درامي ١
لأن الأنسان في دوامة صراعه من اجل البقاء يرصد الحياة ويستوعب تناقضاتها ويعمل للكشف عن خباياها وأسرارها وبذلك يعمل من أجل فهمها ومواجهة تقلباتها عبر ادارة لعبة الصراع الدائم وهذا هو مكمن الدراما التي تحتم وعي آلية الصراع لنتمكن من فهم الدور والحيز النفسي للمشاركة والتأثير . والدرامية لاتتخندق في منحى معين او أتجاه واحد بل تتعدد المحاور بتعدد الرؤى حسب مقتضيات الصراع الدائر بين الخير والشر بين الوجود والعدم فالصراع حركة عبر تصادمات الأضداد لتفسح لنا عن رؤية جديدة تتجسد عبر التعبير الدرامي الذي هو أعلى صورة من صور التعبير الأدبي كما يؤكد ذلك الدكتور
عز الدين اسماعيل . 
ومع ان الدرامية لاتتفق ومنحى التجريد الفلسفي 
لأن للدرامية طابع التجسيد العياني والمشهدية بعيدا عن إستغراق التجريد في متاهاته التأويلية المحلقة في فضاءات تجريردية متعالية .
فالدراما حركة وصراع وتجسيد لايتخندق في إطار المعنى وحسب وانما يعمل على تلبس منعطفات المعنى نحو محاور التجسيد والحميمية .
لكنا نزعم ان نص الشاعر العراقي شلال عنوز هذيان عند فم العاصفة وإن كان في صوره الذهنيةالمركبة وفي منحاه فضاءات فلسفية صادمة أخرجت مداليل الألفاظ من لغتها العادية الى لغة انفعالية غير عادية أفادت من عناصر الدرامية في تصعيد التوتر الأنفعالي وتحقيق التأثير المطلوب .
لقد كان للدرامية في نص الشاعر شلال عنوز الأقتراب المؤثر بقضايا الأنسان والوجود والمصير عبر عناصر تمثلت بجوهر الوجود ألا وهو الأنسان إضافة الى الصراع وتناقضات الواقع من خلال وجود الشخص القناع الحامل لغثيان الوجود وعبر سرد شعري دافق بالجمال والتكثيف وطاقة الشحن الأنفعالي الكاشف عن الزيف ومرارة الصراع
فالنص منذ بداياته وعبر الأفعال كان ويوميء .. يشي بدرامية حركية تجسد مرارة الواقع وفداحة الفقد نستظهر قول الشاعر .. …
كان يوميء بسبابته المبتورة 
نحو فراديس الموت
لكن الريح المجنونة
كانت تبتلع عاصفة الدمى
وتشير للمساءات بالبكاء. ……
فهنا حصل اشتغال للصورة الذهنية المركبة 
ويعني بها ايهام الصورة التي ليس لها مايطابقها في الخارج فالشاعر يرسم صورته وفي نفسه ايهام المتلقي بأنها تقرير للواقع ٢
حيث لمسنا مقطع عرضي لصور ذهنية جزئية وفيها توالي من الومضات الصادمة وقد إستأثرت الحسية بشيء وافر منها فقد منح الشاعر لشخصية مجهولة هي حاملة وجع التاريخ والذاكرة لتنوب عن الشاعر في ممارسة لعبة الفناء في صراعها المحموم ضد قدريتها القاهرة
فقد أشار بسبابته المبتورة نحو فراديس الموت والخواء والفقد . فحيث يتحد الفناء في الفناء فذلك مكمن عذابات الشاعر حينما يكون المشير والمشار اليه يتفقان على اتقان لعبة الفناء والرعب وهكذا تكمل الريح المجنونة خواء الفراديس حينما تبتلع الدمى وبراعم الوجود لتحيل المساءات الى حفلات نواخ وعويل.
في حين يرفض الدكتور صلاح فضل ان تكون وظيفة الصورة هي تجسيد الأشياء المجردة والعبور من الامر المعنوي الى الشيء المحسوس في النص الشعري ٣.
فهناك الكثير من الأستعارات يكون فيها المدلول الثاني مرادفا للمدلول الاول وهذا التغيير يبقى منحصرا في مستوى دلالة المطابقة لقد تم أستبدال المعنى لا اللغة .٤
فالأستعارة الشعرية ليس تطفلا على المعنى بل تغيير في طبيعة المعنى حيث يتحقق الأنتقال من 
اسار المعنى المفهومي الى فضاء المعنى الانفعالي
لقد جاءت المقاطع الأربعة للشاعر شلال عنوز مثل ايقاعات معووفة موسيقية من حيث السرعة والأبطاء على صعيد الأنفعال والتوتر والترقب
فالمعزوفة الموسيقية تتألف من اربعة مقاطع الأول بطيء والثاني سريع والثالت بطيء سريع والرابع سريع بطيء وهكذا اقترب هذيان الشاعر شلال عنوز ليشكل صداه ويتماهى مع الهذيان الأكبر لجوقة الغافلين و المحرومين والتائهين في دوامة الصراع المجنون فهو هذيان في فم العاصفة في لجة عنجهيتها وغطرستها وجموحها العابث هذيان في لوحة صامتة ولكن زمنها يتشبث بكل شيء ويهشم كل شيء في لحظة الكشف لحظة القراءة والمشاركة في هذيانات لامتناهية تتناسل من لعبة الصراع مع كائنات من أشباح لننتج دراميتها عبر الصراع بين ان اكون او لا أكون حيث يمثل الشاعر بتمثلاته المقموعة ايقونة الوجود الأنساني الذي يعاني الواقع اغترابا وفجيعة …. يقول في المقطع الثاني

في تفحم حويصلة القهر
يستفيق الرقاد بلا مئذنة
وتلد الامهات أشباحا من وجع
حيث تخلو الطرقات
من العابر ين الجدد

تتحصل حالة الكشف والرقاد الفاني في اللاشيء حيث تنبجس إنوجاداته داخل تفحم حويصلة القهر والضياع وهي صورة ذهنية مركبة غارقة في الفجيعة والسوداوية وهذا ما يفسر إستفاقة الرقاد بلا مئذنة حيث حالة البوح والنشر والنداء كانت في بحبوحة الصمت المطبق فهو إستفاقة ذاتية مقموعة بالقهر والأستلاب والفراغ من شحنات النبض والديمومة ومع تلبس مخاضات التوجع وتوهج درامية الأسى ان الأمهات تلد أشباحا من وجع تخلو الطرقات من طوابير الزاحفين فهم في لجة الغياب وشبحية الوجود الفائض عن الحاجة .
حيث ان الامهات حين يلدن أشباحا من وجع لها دلالات ذات امتداد زمن افقي يتسع ويتماهى مع توجعات الشاعر شلال عنوز وبما ان شاعرنا يعرف بنزعته الواقعية ودرامية تصويره الشعري فقد كان يقترب من التعامل مع الزمن النفسي بدلالاته الحركية والحسية ويحدد من خلاله مصير الجموع وهم يفقدون الامل فاي جدوى بمصائر مهاجرة في وهم العالم وصمت الأشياء وقد تفتحت بصائرهم على انهيار منظومة القيم وإفلاس المثل فهي نبوءة مستقبل عقيم بقول الشاعر حيث تخلو الطرقات من خطى العابرين الجدد.
ويسترسل الشاعر في عذابات المكان وتصويره الدرامي المشحون بالقلق والذي يسوده هاجس الخوف والترقب فقد أدرك الشاعر ان وجوده وسط عالم صاخب ومقلق لايحتمل التبرير وان رحلته ورحلة غيره من المعذبين مفضية نحو العدم والخواء فلا اقل من ان يكون صارخا بوجه الزيف كاشفا عن متاهات المستور والمتسائل هو الشاعر عن سر المآسي المتناسله. تظهير 
وحشة والأمكنة تأكل صراخ الحنين 
فتتجندل الأماني مذبوحة على قارعات النصب 
والحاكمون بإسم الله 
يجتثون آخر رقصة من حلم مستباح .
ان الغربة الفكرية من اقسى أنواع الأغتراب إلا انها منبع من انقى منابع الخلق الإبداعي وقد يقود الاغتراب الفكري المبدع الاصيل الى العزله عن المجتمع ٤.
مع ان الشاعر يعاني إغترابا مقلقا ويمارس ادانة زمانية مكانية لمصادر القهر والاستلاب وهو لم يكن منعزلا عن مجتمعه بل كان مشاركا لاوجاعهم قريبا من معاناتهم فقد تحرر من موته الشخصي وتشائميته من قسوة الحياة وغربة الواقع فأرتقت رؤاه نحو فضاء المواجهة والكشف بالضد من الدعاة اللذين يجتثون الحلم ويذبحون الأماني 
حيث يشكل الفقد بكافة دلالاته القهرية والاستلابية ثمنا لديمومة للوجود ومواصلة الأنتظار الذي لا يجدي عند بوابات الغوث لان فعل الاستلاب قد تشبث على النفوس وأركس قواها واضعف انطلاقتها نحو الحرية والصلاح . تظهير 
وحدك تندب الفرج عند بوابات الغوث 
أدمنت صلاة الغائب 
حيث لاغائب يعود .
فقد استطاع الشاعر ان يحدد موقفه من الخييه والغياب من خلال محورين أحدهما الخيبه من الواقع الذاتي للشاعر الذي يرتبط بمعاناته من امواج الاضطهاد والطغيان والحرمان وقد صور الشاعر ذلك بمقاطع كئيبة الحركه رتيبة الحال تجمد فيها الزمن . تظهير 
كان يومئ بسبابته المبتوره نحو فراديس الموت وفي مقطع اخر وحشة الأمكنة تاكل صراخ الحنين .
فقد تبلدت الحركة وصمت الزمن وبدت الأمكنة تولول لأستلاب الأنسان وفقدان هويته.
اما المحور الاخر فقد تجلى بالموقف من الغياب المطلق وقد عبر عنه الشاعر بحوارية مع الذات .
أدمنت صلاة الغائب التي تلبسها الشاعر بحساسية مفرطة ولكنه أسدل الستار على اية بارقة امل للعودة والتغيير بقوله لا غائب يعود …..
وقد تتقاطع رؤية الشاعر مع بعض الرؤى المثيولوجية وتبقى للشاعر رؤيته في مواجهة الفناء والغياب والتغييب نوعا من الأصرار والتشبث بحركية الزمن للتجدد والانعتاق وتحقيق الفعل الأنساني الخلاق .
……………………………………………………….
المصادر
١– الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنيه والمعنوية الدكتور عز الدين اسماعليل ص ٢٨٤
٢– الصورة الفنيه في شعر الشريف الرضي الدكتور عبدالاله الصائغ ١٩٨٥
٣– نظرية البنائية في النقدالادبي ص ٣٥٨
٤بنية اللغة الشعرية جان كوهن ص ٢٠٥

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!