الناقد المغربي أحمد وليد الروح يقف مع نص عروس التراب للروائية الأردنية عنان رضا المحروس

النص 
*****

عروس التراب

بعد حين ..
سيتلو العرافون عني نبأً
كانت هنا
كانت هنا
ستزدحمُ الجدرانُ
بفصولِ وجهٍ يُشبهني
استقامةُ تفاصيلَ
انصهرتْ ، رقدتْ
على مرمى بصرٍ أعمى
يوغلون بدقةٍ في ملامحي
ويتنشّقون وهمًا
من عبيرِ ابتسامةٍ ونظرة
عبرَ إطارِ صورة

أما أنا
فسأخرجُ عن سطوةِ رئتي
لترفضَ أوكسجينَها طواعية

عينايَ ستكتحلانِ
بحدقةِ ضريرٍ
فلا يعنيها
قبحٌ مثقوبُ الحنجرة
ولا آيةُ مطلق جمال

أذني ستُصَّمُ عن
تلاواتِ مزاميرِ الغيبة
و
طعناتِ الأصواتِ المبحوحة

يدٌ غريبة
تصرُّ على غسلِ جسدي
تتقنُ رشقَ الماءِ الحار
فوق مسامِ الدهشة

اطمئنوا
لن أكونَ وحيدةً
سأتوسدُ الصخرَ
وأتسلقُ أمواجَ التراب
بلسانٍ عاجزٍ أخرس

سيرافقُ فمي
غرابٌ أبيض
من قطنٍ وقور
يغني مواويلَ صمت
فأبلعَ حنجرتي

سأرتدي فستانَ زفاف
يقيدُ كتفي ويدي
برباطِ العجزِ
حتى أبلغَ مبلغَ القيامة

سيطلقون عليّ اسمًا
عروسَ التراب

لن أعنونَ مقري
وسأشطبُ وجهَ
كلِّ العابرينَ صُدفةً
لممارسةِ طقوسِ النعِّي والرثاء
المتوشحينَ بالحزنِ زيفًا
وبطونُهم تتوقُ
لغداءٍ حُضِرَ من لحمي

سأجزُّ أقفالَ الثرثرات
وأسرابَ الوشاية

ليصبحَ قلبي جاحدًا
بكلِّ مشاعرِ زهرِ البنفسج

وأختزلُ صلاةَ الضفاف
بزفرةٍ
وزقاقٍ معتمٍ ضيق

سأطوي أجنحتي
وأعتصمُ السكون

بلاغةُ لغتي
سأختصرُها
بشهادةِ منفى
تحلُّ أحجيات دنيوية

وسأكتفي فقط
بخبرٍ من العّرافين

كانتْ هنا
كانتْ هنا

 القراءة 

*******

بعض الكتابات تشهد لصاحبها بالتميز و بعضها تُدخلك غمار النص فلا تستطيع الخروج منه. تورطك بشكل أو بآخر، تجعلك تنصهر بين السطور ، تحس أنك الشخصية الفعلية الفعالة، الفاعلة و المفعول بها بذات الوقت.. فما بالك إن كان الحديث عن عروس التراب، و عن عرس تكون فيه العروس مجبرة لا إرادة لها و لا اختيار مكبلة بفستان الفرح عاجزة عن الكلام، يُلجِمها غراب أبيض من قطن وقور..

كلنا مدعوون لذاك العرس و كلنا تلك العروس المزعومة، إن مرّتْ قيلَ: “كانت هنا”..

تستحضر الشاعرة عنان محروس مشهدا من مشاهد الموت الذي يتكرر باستمرار، تنقلنا بين كثير من الجزيئات، ربما لا نعيرها اهتماما اليوم لكن غدا و كل منا عريس أو عروس ذاك اليوم سيتذكر هذا النص الذي قرأه يوما و علق بذاكرته.. الشاعرة لم تكتبه لتسد فراغا من فراغات الحياة الكثيرة و لم تأتِ به كنوع من الكتابة تتمظهر فيها لتحصين الذات أو نسيان الموت بل هو جاء كتذكير بما سيكون و كنوع من الرثاء فكأننا بها ترثي نفسها، و تصفها و هي ميتة و لم يفتها في هذا الرثاء وصف المدعوين لعرسها هذا أولئك  العابرون صُدفةً، يمارسون طقوس النعي و الرثاء، المتوشحون بحزن من زيف و بطونهم تتوق للغداء و أكل خُضّر من لحم العروس..

إن هذا النص في شكله كتابة تأتي كنوع من الأنس و المؤانسة حين تتورط الذات مع نفسها و تكون وجها لوجه أمام مصيرها الحتمي تدرك ما سيقع و ما سيحدث لها تبتعد عن أي إهمال للموت أو نسيان لما بعده تبتعد عن كل ما يحول بينها و بين ما يمنعها من تحقيق التواصل بينها و بين كيانها الآخر مرةً و هي عروس التراب. شاعرة تورط نفسها بين مغالطات الحياة و إدراك المصير(الموت) و تورط القارئ معها فيكون هو العروس و هي الناعية…

 

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!