عماد المقداد فنان على طريق الإبداع

 

بقلم : الشاعر والناقد / عبدالرحيم جداية

 

 

اختار الفنان عماد المقداد الفن التشكيلي من بين الفنون الجميلة ، كالنحت والعمارة ، ليكون اللون طريقه لإبداع لوحاته الفنية ، والتي تعتمد على مزج اللون بدرجات متفاوتة ، لا يعرف قيمة هذه الدرجات ، إلا الفنان الذي يوحي إلى القريب والبعيد  بين الغامق والفاتح ، فحين يشعرنا بدفء ألوانه ، كلما أخذ من قوس قزح ، تلك الألوان الحارة ، التي تأتلق في عين الشمس ، بين الأصفر والبرتقالي إلى الأحمر ، كما يستعمل الأخضر والأزرق بدرجات لونية ، توحي بالهدوء والبرودة .

فاللون تعبير حسي شعوري ، وليس مجرد تقنية لونية لا معنى لها ، فالمعنى وقيمة المعنى ، تتأتى للفنان على قماشه الأبيض ، من تكامل التقنية الفنية ، والصبغة الشعورية في مزج اللون الواحد بدرجات متعددة ، أو المزج بين لونين وصولاً إلى درجات أخرى ، تزيد من دهشة العين في التلقي البصري ، ولا ننسى عالم اللون النفسي ، ودلالاته التي يعبر عنها بها الفنان ، عن حالات اليأس ، والاكتئاب ، وحالات الجمود والعزلة ، وقليلا ما يعبر عن حالة الفرح الضيقة في حياتنا ، فالفنان المهاجر من وطنه تختمر الألوان حزينة في فرشاته ، فهو اللاجئ من وطنه إلى وطنه في سوريا الكبرى ، ولا تختلف حالته النفسية عن الفلسطيني اللاجئ أو المهاجر فكلاهما عاش المخيم ، وكلاهما اختبر المنفى وعاشه ، فهل سيرسم الفنان المنفى باللون الأسود ، وهل يرسم وطنه باللون الأبيض ، ربما يرسم الفنان المقهور في وطنه باللون الأحمر المشتعل بحرارة الشمس ولهيبها ، وقد يكون المنفى أقل سخونة في ألوانه ويكون أقل ألماً خارج حدود الوطن .

فالوطن ليس أليفا دائماً والمنفى ليس عدوا دائماً ، واللون متقلب في أحواله كأحوال الفنان في فراشاته ، يبحث عن صيغة كونية يعبر فيها عن فضائه المحتوم ، وفضائه المحروم يعبر فيها عن الكون الذي يضغط على كتفيه ، يعبر فيها عن لحظة فرح عابرة ، فالفنان التشكيلي عماد المقداد وغيره من الفنانين والروائيين والشعراء يحملون ميزة تعبيرية تعطيهم مساحة لضخ ضغوطاتهم النفسية في صراع إبداعي على الورق ليكون اللون والورق متنفس الفنان التشكيلي الذي يعبر عن فكره وقضيته ، فكره المحمل بالألم وقضيته المحملة بالوجع ، فبين الألم والوجع يعيش الفنان مشتغلا على الخطوط والمساحات والأشكال والمجسمات مشتغلا على مذهب فني يرتقي به .

عماد المقداد خير مثال للفنان التشكيلي الذي واجه الضغوط واجهها بابتسامة وألم خفي وبحث في التكوين الفني والجمالي ليعبر عن فكره وقضيته بطريقة فنية حداثية بعد أن كان الواقع من يشغل عقله وقلبه ، فتخط ريشته ذلك الواقع سائلا ما الجدوى من رسم الواقع ..؟

فأنا لا أبحث عن توثيق هذا الواقع ، بل أبحث عن صورة جمالية إبداعية ، فكان بحثه مجدياً لأن عماد المقداد ذكي ، محاور ، يلتقط الأفكار ، وقد جمعتنا حوارات عدة حول تقنيته القديمة في رسم الشخوص والمناظر الطبيعية التقليدية ، التي تشبع مهامه في الإبداع ، فتمثل التجريد أداة لإعادة التعبير بشكل حداثي ، عن فكره وقضيته بخطوط دائرية وخطوط منحنية ، شكلت عالماً جديداً إبداعياً على سطح لوحته ، هذا العالم الجديد الذي بدأ يعبر عنه رمزاً ، وهل ينتج عن نقد الواقع إلا الرمز والتأويل ، هذه الخطوة الجريئة في رحلة عماد المقداد نقلته في عالم الفن التشكيلي من مرحلة التقليد إلى مرحلة الإبداع ، فالتقليد أن ترسم الأشياء كما هي ، أو أن تعيش الأشياء كما هي قبولاً بالواقع ، فهو كما المتصوف يقلد شيخه ثم يرتقي إلى اتباعه فيسأل  سائل  :

ما الفرق بين التقليد والاتباع  ..؟ ليجيبه المفكر السوري محمد حرور أن التقليد لا رأي للفنان فيه وأن الاتباع هو إعمال الفكر في طريقته الفنية حيث يبدأ التجريب في مرحلة تختلف عن التقليد ، والاتباع حين تولد الذات ، ويتعرف الفنان إلى ذاته فيعرف أنها قابلة أن تكون ذاتاً إيجابية ، بعد أن كانت ذاتاً سالبة تقليدية ، ويتعرف إلى نفسه تلك النفس المطمئنة لتلك الواقعية المقيتة ، فتثور النفس اللوامة لينطلق في فنه دارساً وباحثا في اللون والتكوين يعبر عن ذاته ونفسه وتحلق فيه روحه الفنية وهو يجرب مشكلاً شخصيته الفنية ، في طريقه إلى الإبداع .

هذه الطريق بلورها الفنان عماد المقداد ، وأقول الفنان لأنه استطاع أن يتجاوز التقليد والاتباع إلى التجريب والتعرف إلى أسلوب فني خلقه بنفسه يمثل عقله وقلبه كما يمثل نفسه وذاته وروحه ، لتلتقي هذه النفس والذات والروح ، مع الذات المجتمعية ، فيصبح للقضية قيمة وتعلو قيمة الفكرة عند الفنان ، عندها يشكل الفنان المقداد مرحلة فنية ناضجة ، يشكلها وتشكله ويصبح صاحب مذهب فني تميزه لوحته بفراشاته قبل إسمه ، لأن إسمه أصبح مكتوباً على كل لمسة من لمسات فرشاته الفنية ، عندها يستطيع الناقد أن يقول أن عماد المقداد في تجريبه الفني ومرحلته الفنية التشكيلية التجريدية هي مرحلة فنية لا يقوم بها إلا فنان وهنا أطلق لقب ( فنان ) على عماد المقداد ليصبح ( الفنان التشكيلي عماد المقداد ) صاحب التجربة الفنية الناضجة المتطورة التي تتشكل في لمسة من فرشاته الذهبية .

عماد المقداد في معرضه هذا يشكل مرحلة فنية في حياته يتكئ عليها للنضوج أكثر في مراحل فنية جديدة ، كما بيكاسو الذي بدأ بالواقعية ثم انتقل إلى التجريد ، فالمرحلة الزرقاء في حياة بيكاسو ، وكذلك المرحلة الزهرية في حياة بيكاسو ، فماذا نسمي هذه المرحلة الإبداعية في رحلة الفنان عماد المقداد الفنية ..؟؟

سأسميها مرحلة التجريد التجريبي أملاً أن يواصل عماد المقداد تجريبه وتطويره لتقنياته الفنية وتكويناته الفنية ومزج خطوطه المنحنية والمستقيمة في تشكيل فني يتطور فيها إلى مرحلة ثانية نسميها تجريبية فنية إبداعية .

 

عماد المقداد فنان تجريبي على طريق الإبداع .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!