قراءة في نص للشاعر احمد محمود دحبور / بقلم : الناقد المغربي أحمد وليد

 

قالت :
اقرأني بعينيك
وتمهل

أحمد محمود دحبور

**********

بالفعل ستطلب منه التمهل لأنه. حتما سيلتهمها إن حاول القراءة بالعيون، بعض النظرات تبثُّ حبا هادئا ونقيا، وبعضها لفرط الحرمان تشتعل لهيبا يؤججه الشوق، نارا تلتهم كلّ شيء. تبدو العيون وكأنها مشتعلة،.. وللعيون لغة خاصة لذلك أطلق عليها إسم نوافذ الروح، وفي علم النفس تعتبر قراءة العيون وسيلة لمعرفة ما يدور في دواخل الشخص من قلق أو خوف أو حزن أو فرح أو حب … واتخذت أيضا كوسيلة للفهم دون اللجوء للكلام .
وللعيون تعبيرات عدة فمثلا اذا كانت العين مُضاءة وحدقتها متسعة فذلك يدل على الحب، المفاجأة، الدهشة، الإعجاب .. في حين أن ضيقها يدل على الخوفً والتوتر، واشتعالها مع الجحوظ يدل على شدة الغضب … وهو حين يحاول قراءتها بعينيه سيبدأ بعينيها أولا قبل النظر لها كلها . فهما الباب الذي سيدخل منه لمعرفة أعماقها وما ترمي إليه، وإن كانت ربما تريد لفت انتباهه لجسدها ومحاسنها .
وفي تأويل آخر وبمنظور آخر ومفهوم معكوس لهذا القول فالإختلاف يكمن في طلبها منه أن يقرأها بعينيه، في حين أن في هذا المنظور لا يحب المنظُور له أن يُنظٓرٓ إليه ويطلب عكس طلبها ويقول عكس قولها . فهو عكسه تماما في مصطلح مغربي محظ يقوله المغاربة عندما ينظر الشخص لمن أمامه ويطيل النظر، يرُدُّ عليه المنظور له بهذا اللفظ :”شُوف فِيٓ كُلْني؟” والمعنى عكس ما قد يفهم، فالناظر يطيل النظر فضولا منه والمنظور له يجيب بطريقة استفزازية فيها نوع من السخرية والغضب معا ما مفهومه أنك تلتهمني بنظراتك فلم يبقَ لك سوى أن تأكلني فماذا تنتظر لتفعل؟ وهذه الطريقة في الكلام فيها نوع من التوبيخ أو العتب والتعبير عن رفض المنظور له أن يُنظَرَ إليه بتلك الطريقة.
وإذا عدنا لقول هذه المتكلمة، فمادامت تعرف أنه لن يقرأها على مهل لما طلبت منه فعل ذلك وهي تعلم ما بداخله، وتدرك انفعاله وكل ما يدور برأسه؟
لما تشجعه على فعلٍ تدرك عواقبه مسبقا؟ ربما هي تريد عكس ما تطلب و ربما هو بطيء الانفعال مُترَيِّث وهي تطلب ما تطلب لتؤججه وتحمسه لينظر لها ويفعل بالطريقة التي تروق لها..
وهي تطلب منه الآن التمهل ليعرف كل أسرارها وما تخفيه عيونها، فالعين هي التي تحمل سر المرء وتفضحه في بعض الأحيان إن لم يكن دائما. وربما هي بقولها تريده أن يرى في عينيها شعلة الحب، قد تكون تحبه ولا تستطيع البوح لذلك تطلب منه قراءة عينيها.. النص يحمل تأويلات عدة لا يمكن الوقوف عليها كلها.
وهذا ربما يكون تدوينة أو ذكرى توثق للحظة معينة، لحظة ﺧﺎﺻﺔ تتلخص في قولها له :”اقرأني بعينيك.. وتمهل” قول يحمل الكثير من المعاني ويجعلنا نتساءل عن ماهية هذه اللحظة التي قيل فيها هذا الكلام، سؤال ﻣﺜﻘﻞ ﺑﺎﻷﺳﺮﺍﺭ، يشدنا إليه ويجذبنا ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ و يجعلنا نبحث عما وراء الكلام، وصيغته، و المقصود منه.. ويأخذنا إلى التفكير في قيمة هذا القول واللحظة الزمنية التي أرّخَت له، لحظة موثقة بذاكرة الشاعر لكنها الآن أفلتت من بين يديه وابتعدت عن المألوف إلى اللّامألوف، وخرجت من قبضة الزمن وهي الآن بحوزة الشاعر بفكره، بعقله وبذاكرته، ونحن ليس لنا سوى التأويل والتخمين لا أكثر.. قد ندركها من خلال المتخيل الذي يسمح لنا بالغوص ما وراء الممكن الظاهر أو المرئي إلى المعنى اللامرئي. وحده ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ الذي ﺟﻌﻞ ﻣﻨﻪ أحمد محمود دحبور وسيلته اﻹﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺘﻌﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﻪ في هذا النص يحقق للقارئ متعة القراءة دون الإحساس بالغموض أو الغرابة.
ومهما حاولنا الغوص بين الحروف لن ندرك المعنى الحقيقي لأن شاعرنا وناقدنا الأخ و الأستاذ أحمد محمود دحبور وحده من يمسك بطرف المعنى ويدرك التشويش الذي سيصيب القارىء و الدهشة التي تعتريه عندما يحاول جاهدا فك شفرات هذه الومضة الخاطفة.
أحمد وليد الروح

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!