قراءة موجزة في نص للشاعر خالد علي عجيل / بقلم : أحمد وليد – المغرب

ذيبٌ
………..
ألمْ تُقْسِم ؟
أنّ الذيب لَاتكْذِبْ
وَأنّ عَوائَهـا نَحوٌ منَ الذّكْرِ
وأَنْ عُيُونَها سيلٌ منَ الفِكْرِ
ألمْ تُقْسِمْ ؟
أَنّ الذّيِبَ لاَ تَغْدُرْ
وَهَذا الفَخّ مِفْتاحٌ إلَى العَيْشِ
وأَعْظُمُ الحِمْلانِ تَعَاوِيذٌ منَ السّحْرِ
وَجَماجِمُ الأَبقارِ تِذْكارٌ منَ الأمْسِ
ألمْ تُقْسِم ؟
أنّ الذّيبَ تَابتَ منَ القِدَمِ
وصَارَ الحبّ منْسَكها ومَشْعَرها
وَأنها تَنوى زُهــدًا ورَهبنةً
ألمْ تًقْسم ؟
أنّ الذيبَ لاَ تَقْتِلْ
وهذا الدّمُ هَدْياٌ إلَى الحَرَمِ
وَذَبْحِى كَانَ تَقْدِمَـــةً إلَى اللهِ
ألمْ تُقْسِم ؟
وَصِدقًا كانتْ تُقَاسِمُنِى !!
……………………………. خالد على عُجيــل

بدأ الشاعر كلامه بأداة إستفهام و نفي و جزم و جملة مبنية على سكون الأفعال معلنا أن الذئاب ﻻ تكذب و عواءها ﻻ يخيف فهو نوع من أنواع الذكر و الدعاء و عيونها ليست ماكرة بل بريقها يدل على قوة البداهة و الذكاء … ﻻ و ليست أبدا غادرة مصائدها ﻻ تنصب إلا للقوت و سد الرمق .. و يسترسل الشاعر في سرد الأفعال المنسوبة للذئاب معلنا براءتها من كل ما تقترفه من جرائم، فهي تفعل ما تفعله حبا و تقربا لله …. بعدها يسمو بنا في تجليات روحه يحاورها يذكرها و يربيها في استحضار شخصية الآخر -شخصية الذئب – يتسلل من خلالها ليقتحم الروح الإنسانية الهائمة في ملكوت الله بنقائها و طهرها و بكل تحركاتها و أفعالها و جرائمها و خبثها و يعيد العلاقة بينه و بين الأشياء المحيطة به عبر الزمان و المكان و الموجو دات أيضا .
و قد ساعده في ذلك انتقاءه للمفردات التي لعبت دورا كبيرا في تمكين الشاعر من إبراز معاني القصيدة و تأرجحها بين معادلة الخير و الشر الكامنة في الإنسان معتمدا في ذلك على تداعي الصور في مخيلة المتلقي ما يجعل المعنى يصبح شموليا و كأن الشاعر يتحدث عن نفسه في قرائه و العكس بالعكس ، هكذا يصبح المدلول الشعري أوسع معنى و أكثر غنى من دلالته .و لو أن الشاعر اقتصر على وجدانه دون أن يشرك المتلقي معه في أحاسيسه و خلجات نفسه لما كان لهذا النص وقع في نفوس القرّاء، إذ نجده يشرك القارىء معه في كل ما يحسُّه، يفكر به و يرمي إليه حتى لكأنهما واحد ( أي الشاعر و المتلقي أصبحا شخصا واحدا ) دون أن ننسى تركيزه في القصيدة على الآخر الذي أتى له بشخصية مقابلة ” الذئب ” ليتحدث عن هذا الأخير و عن صفاته و أفعاله ملتمسا له العذر لأن طبيعته الحيوانية و ضرورة العيش تفرض عليه ذلك ما يجعله بطريقة غير مباشرة يستنكر تلك الأفعال في شخصية الذئاب البشرية فلا عذر لها فيما تقوم به من أفعال ﻻ أخلاقية . و عندما نلقي نظرة على البناء المعنوي الأعمق للقصيدة بما فيه من إيحاء و قوة تصوير زيادة على مخيلة عميقة تصل لروح الأشياء ما يحقق عند الشاعر الشعر المطلق الكامن في قوة التخيل و التصوير، إذ نجد الشاعر يدرك أو يتوصل بواسطة حسه المرهف إلى حقيقة مطلقة تكمن في الحب و التفكر و إدراك الأشياء بالعقل زيادة على عقيدة مبنية على إيمان قوي بالله ، بكل هذه الأشياء يستطيع الشاعر إدراك أسرار الكون و الروح و تأرجحها بين القوة و الضعف فتارة نجدها قوية و أخرى متذبذبة مع تقلبات القلب بين دروب الإيمان و الهوى ، شغوف بالحياة و متطلبات العيش هذا الإنسان العادي أما الإنسان الذئب فهو ذئب في جسد إنسان يفعل ما يشاء و يبرر أفعاله بمنطق الحب و الإيمان و التقرب لله …

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!