الصوم بين الشرائع

من الثابت أن “الصيام” لم ترتبط فرضيته، أو وجوده بأمة محمد -صلَّى الله عليه وسَلَّم- كما يخبرنا الله سبحانه في كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم)).

والأمم قبلنا تشمل من نعرف أن رسلا أو أنبياء قد بعثوا إليهم ومن لا نعرف؛ لأن الله أخبرنا أن منهم من قص علينا ومنهم من لم يقص علينا، ويحتمل أن الأمم الوثنية التي عرفت الصوم قد انتقل إليها سواء من رسل وأنبياء جاءوا إليهم حتى انحرفوا إلى الوثنية واحتفظوا ببعض مظاهرها كالصيام، أو انتقل إليهم من أمم أخرى، أو لأنهم توصلوا بفطرتهم إلى أهمية الصوم من الناحية الصحية.

ويذكر أن المصريين القدماء قد عرفوا الصوم في أعيادهم، وكان الكهنة يصومون من أسبوع إلى ستة أسابيع في السنة.

كما كان الصينيون يصومون كثيرًا من الأيام العادية، وكان ملكهم يمتنع عن الطعام والشراب مدى سبعة وعشرين يومًا استصفاءً لنفسه ليخلص إلى معبوده الوثني، وأخذ اليونانيون عادة الصوم من المصريين القدماء، وكانوا يصومون عدة أيام متتالية قبل الشروع في الحرب، وكأنه تدريب على قوة التحمل، إذا نشبت المعركة واشتد سعارها.

كما عرفته طائفتا المانوية، والصابئين، من عبدة الكواكب الصوم، شكرًا للقمر.

كذلك عرفت الهنود الصوم، وعرفته الديانات الأرضية، كالبرهمية والجينية والبوذية، كما كانت قريش تصوم يوم عاشوراء، ليس تمثلا باليهود، ولكن لأنه قيل إن قريشًا أذنبت ذنبًا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء، فإنه يكفر ذلك. كما عرفه أيضًا العرب في الجاهلية، ويذكر المسعودي في “مروج الذهب” أن خالد بن سنان العبسي كان يأمر قومه بدين غير دين الوثنية فيأمرهم بالصوم والصلاة، كما كان عمران بن عامر من العرب، كاهنًا أديبًا، يكثر من الصوم ويأمر به قومه ويقول: إنه ضروري لنور النفس، وكان عند صومه يعتزل الناس.

وإذا كانت الأمم الوثنية قد عرفت الصوم، فإن الأمم التي “خلا فيها نذير”، رسولا أو نبيًّا، أو كانت قريبة عهد بدين سماوي، هي أولى بأن تعرف للصيام مكانته وقدره.

ويذكر أن أول من صام رمضان هو نوح عليه السلام بعد أن أنجاه الله والمؤمنون معه، بالسفينة، من الطوفان الذي أهلك القوم الكافرين.

كما كان إبراهيم أبو الأنبياء، يصوم، تبعًا لدينه الحنيف، كما يستدل على ذلك من قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 78-79]، فقد كان خليل الله يصوم عن الطعام والشراب ساعات كثيرة في اليوم والليلة، وكان ذلك يتكرر منه كل شهر.

وقد ثبت أن نبي الله داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا.

كذلك فرض الصيام على اليهود، في اليوم العاشر من الشهر السابع واليوم التاسع من الشهر الثامن في السنة، ولكنهم يعتقدون أنه لم يفرض عليهم من الصيام إلا صيام عاشوراء، الذي قيل إنهم يصومونه إحياءً لذكرى نجاة نبيهم موسى ومن معه، من فرعون وعمله، ويعتقدون أنه لم يفرض عليهم من الصيام إلا هذا اليوم فقط، وفي رواية أخرى أن سبب صوم اليهود له أنه إحياء لذكرى العفو عن خطيئة أجدادهم الذين عبدوا العجل الذهبي، وإلى خطيئتهم يشير القرآن {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 51-52].

وكما يفهم من الآيات السابقة أن موسى صام أربعين يومًا متتابعة عندما أراد أن يكلم ربه، وكان يصوم قبل هذا أيامًا مختلفة من كل شهر.

وعند النصارى ورد أن نبي الله عيسى صام أربعين يومًا متتابعة قبل بدء رسالته.

وبعد أن بعث الله عيسى رسولا إلى قومه، فرض الله عليهم صيام شهر، ولكنهم غيروا كما غيروا في الإنجيل، وزادوا الشهر إلى الربيع، فعن دغفل بن حنظلة عن النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- قال: ((كان على النصارى صوم شهر، فمرض ملك منهم، فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرة، ثم كان ملك آخر فأكل لحمًا فأوجع فاه، فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان ملك آخر فأكل لحمًا فأوجع فاه، فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان ملك آخر فقالوا لنتمن السبعة (أي إلى عشرة) ونجعل صومنا في الربيع، فصارت خمسين يومًا)).

ولكن هل كان صيام الأمم السابقة كصيام الأمة الإسلامية، أم اختلف في نوعه وطبيعته؟

المصدر :  موقع الألوكة الثقافية

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!