من هدي النبوة{{…جُحْرَ ضَبٍّ…}} / بقلم : الدكتور أحمد محمد شديفات / الأردن

تميزت هذه الأمة عن باقي الأمم السابقة في قوله تعالى:-
{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }} من صفاتها الوسطية والاعتدال والتروي والتأني والتفكر دون صفات الشطط والخروج على غير المعهود………
لنعد للتنبيه والتوجيه الوارد في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :-
لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا ***
وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ***
حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ***
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ ؟؟؟}}}}}}
صورة ولوحة ونصيحة وتنبيه ووصية وسمها بأي أسم كان فهي تعد انتكاسة وتراجع وتقليد أعمى وتشبيه أَسْوَء ومقارنة متفاوتة بين مفضول ومرذول وشريف ومشروف………
هذا الحديث نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث فيه عن واقع هذه الأمة الآن وما هي عليه منذ ما يقارب الف وأربعمائة ونيف من سنوات هجرة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام….
فالمقارنة والتشبيه عجيب بهذه الحيوانات والمخلوقات المعروفة لدى أهل البادية وسكان الصحراء والتي لا يعرفها كثير من أهل الحضر إلا بعد البحث والتقصي عنها في بطون الكتب من خلال صورها وما يتعلق بحياتها وصفاتها…
أنظر هذا المخلوق الذي ورد ذكره في الحديث وهو الضَبّ حيوان من جنس الزَّواحف جسمه خَشِن غليظ له ذَنَب عَرِيض كَثِيرِ العُقَدِ ومنه قيل أعقد من ذَنَب الضَّبّ، أو رَجُلٌ خَبٌّ ضَبٌّ أي مُرَاوِغٌ…وفي قَلْبِهِ ضَبٌّ أي حِقْدٌ …. بعض هذه الصفات توضح معاني الحديث…
ننتقل للوصف الثاني الوارد في الحديث عن جحر الضب وهو إقامته وسكناه في جُحْر والجحر وهو كل شيء تَحْتَفِرُه الهَوامُّ والسباع والضب في باطن الأرض…….
أما لماذا جحر الضب بالذات قيل أن هذه المخلوقات المتشابه بفطرتها تتخذ أكثر من منفذ ومخرج للهروب من جحورها إذا حوصرت باستثناء الضب له مدخل ومخرج واحد مما يسبب أذيته وعفنه ورائحته ورداءته وعدم تهويته جحرها وبقاء قاذورته فيه …. وبهذا أتضحت بعض صور التشبيه فيما بين المشبه والمشبه به، فهي حالة منفرة ومقززة ومستقبحة بينهما ،،،
فإظهار الصورة من أجل الحذر من قرب المنهي عنه وصفاته ،فلا ينخدع الإنسان بالمظاهر فالمخلوقات على اختلافها والبشر…. قد يتساوون في بعض الصفات فحذرهم الحديث حذرا شديدا من الصفات المذمومة حتى لا يقع الإنسان في مغبة الوهن والضعف وفريسة سهلة…
وبذلك جاء البيان النبوي في صورة رسم بياني ” لتتبعن سنن من كان قبلكم” في خطوات متقاربة قدم أثر قدم ،دقة في الوصف والتوصيف في المتابعة، وكأنك تنظر الحركات وعدم ترك الفجوات في تقليد تلك الأمم الغابرة في عاداتها وصفاتها دون ورع أو حسبان أو حساب…وهذا هو التقليد لمجرد التقليد، وموافقة العبيد للعبيد؟؟؟
عندها أستغرب الصحابة وورد السؤال؟” قالوا فمن؟ استفهام إنكاري، ومعناه فمن هم غير أولئك “اليهود والنصارى” فكل أمة لها خصائصها وميزاتها وتقاليدها وأعراف وعاداتها…
فكما أوردنا سابقا أن هذه الأمة لها كغيرها من الأمم خصائص ورسالة وتوجهات ربانية ورسول خاتم الأنبياء ونواهي وأوامر وأحكام….. فلا يصح بأي وجه من الوجوه ترك ما عليه هذه الأمة من تعاليم وأتباع سنن الأمم السابقة المنهي عنها في الكتاب والسنة .
وإلا ستصل الأمة وأفرادها لمرحلة بدون هوية وعقيدة وتعيش حالة تخبط وتلبط وضياع كمن يعيش في جحر ضب لأنه لم يجد غيره، فلا ترضى أن تتنازل عن عقيدتك وصفاتك وخصائصك وأعرافك وتقاليدك التي تتمشى مع دينك وكيانك كمسلم….وهذا لا يعني خصومة الآخرين ولا بغضهم ولا احتقارهم ولا معاداتهم، وإنما هم أخوة لنا في الإنسانية والمعاملة البشرية بالمثل والاحترام والتقدير…
فكم منهم من أسلم وحسن إسلامه ،وكم من ارْتَدَّ عن دينه وإسلامه وخسر ديناه وآخرته.
{{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ***
قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ***
فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ***
وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }}
هذا هو الفارق بين الجهتين لكل سنن وطرق ومنافذ ومخارج يتبعها باختياره دون ضغط أو لغط من أحد وهذه هي العدالة التي تدفع البغضاء والحسد عن الجميع…
إذن أنا اخترت هذا الطريق بحض اختياري، وأنت كذلك فلماذا تعايرني وتجبرني على اختيارك هذا هو عين الظلم……..
وفي المقابل كيف يرضى بعضنا البعض للآخر عمله أو مهنته أو سكنه أو بلده أو اختيار زوجه ….وإذا جاءنا للدين والسنن والاقتداء بالأنبياء نختلف وهم كلهم من مشكاة واحدة…
{{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ***
وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ***
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ***
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}}آية285سورة البقرة,
هذا هو مبدأ الإسلام.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!