الروائي وائل مكاحلة يقرأ رواية خلق انسانا للروائية عنان رضا المحروس

خُلق إِنساناً

يعرف القارئ المتمكن هذه التيمة، أنت تقلب رفوف المكتبة بحثا عن شيء تقرأه، لا يستهويك ذاك العنوان.. ولا يثير اهتمامك هذا الغلاف، تقول في أعماقك: “المكتوب مبين من عنوانه”، تسأل صاحب المكتبة العجوز: “هل عندك شيء يستحق يا عم؟”، ثم تتذكر أن هذا “العم” من جيل مثقفي الستينيات الاشتراكيين الذين يستهويهم كتّاب الأدب الروس، تمضي لا تنظر خلفك متمنيا أن تشتعل المكتبة من خلفك لأنك لم تجد جديدا يستحق، إلى أن يأتي من يطيح باعتقادك هذا.. هناك سمين دوما ولو ساد الغث رفوف المكتبات !!

ربما يبتعد بنا الكتاب إلى ركن آخر لا يمت لواقعنا المزري.. لكننا ننسى أن الواقع مزرٍ في شتى بقاع الوطن وإن اختلفت صوره، لبنان الخضراء الجميلة ذات الشوارع المخصّرة كأنها راقصة تدعوك إلى رقصة الافتتاح الأولى، يقولون أنها “ست الدنيا”، وأنا أتفق جدا لو اعتبرنا أن الأصقاع نساء يرمقن بيروت بمزيج من إعجاب وحقد وضيق عين، هي ست الدنيا ولو تكالبت عليها كلاب الصهيونية والطائفية الرعناء، ست الدنيا ولو كانت حزينة تتشكّى التقسيم بسكين طوائف مؤتمر الطائف ومن والاهم..

أولى ملاحظاتي أنها رواية تعدت الخطوط الحمراء بلا إسفاف أو ابتذال، مع احترام تام للسياق الدرامي ولزومه من مشاهد..

ثانيها أن الكاتبة بعيدة عن أرض الأحداث فعلا، لكنها أثبتت أنها لا تتحدث من فراغ، فهي إما تحفظها عن ظهر قلب.. أو أنها درستها بتعمق شديد..

الثالثة أنها تناقش شعبة الأمراض التي قيل عنها أنها ستكون أوبئة الزمن القادم، أي أن الكاتبة استبقت أحداثا سنراها بالفعل تشيع في المجتمعات كالنار في الهشيم.. ربما قريبا جدا..

الملاحظة الأخيرة أن الكاتبة تناولت أسلوبا روائيا أعشقه.. وهو تعدد الرواة، صحيح أنها ليست أول من تستخدمه.. فقد سبقها إليه كتاب كبار أمثال عفيفي وإدريس ومحفوظ، لكنها استخدمته بشكل مشوق تكتمل به الصورة، لتفهم أنت كقارئ أبعاد الرواية وما تريد إيصاله..

ولن أزيد عن هذا حتى لا أحرق أحداث الرواية للمهتمين..!

في الحقيقة أنه إبداع جميل أشفق على صاحبته، فكلما أبدعت أكثر كانت مضطرة لأن تأتي بأجمل من هذا الإبداع، فقط ليتناسب ونظرات الترقب في عيون قرائها ومريديها

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!