الــثـقـافــة ُ  تـغــيُّـــرٌ  .. و تطوُّرٌ  / بقلم : الشيخ قـدور بن عـلـيــة – الجزائـــر

                                                           

 

   إن  القائل بجدوى تـثـــقــيف العقــل الآدمي وإعطائه رخصة الجَوَلانِ في أمصار التجارب والبقاع ، كالقائل بلزومية التــنفس لدى الكـــــــائن الحي ، فتوقف هذه العملية ــ شـهـيـقـِـها وزفــــيـرها ــ يعني أن هذا الـــفـَـاقِــدَ لهذه الآليـــة  قد    قضى ،   وغياهب اللـّحد    له   أجْدى   وأســـتـــر    !

 

    كذاك عينــُه  ما  قد يحدث للذي استحل لنفسه أن تنهل من معين المعرفة المِعطاء ، مُؤْثرا حياة ( الرّهبان )  في صومعة  ، معتزلاً الأنام من شُحّ في سريرته ، أو من بذرة  تكبّر  باتت  تترعرع  في حنايا  قريحته .

 

    إنهم عصرئذ كُــثُر أولائك الذين لا يُعيرون أيَّ اكتراث لمن لم يُسعفهمُ  الدهر بلَــفْــتَـــةٍ ، كي يتّخذوا  من جبال الثقافة بيوتا  تـقِــيهم هجير اللائمة بالنّهار ، وحِبالاً  تشدّ   وَثاقهم إذا جَنّ الليل !! ، فترى البعض من المثقفين    ــ سامحتهمُ الحروفُ والجُمل ــ ، تراهم ينظرون إليهم بعيْنٍ بها زرابي مبثوثة  من الازدراء ، عَيْنٍ كما لو أنها خُلقت لتضع الموازين    القِسْطَ ، لكن في غير موضعها ، فراحت دون إعمالٍ للضمير الناقد تُصعر الخدّ لهم في غير ما  خجل ولا  حياء  ،  عِوض أن تقف وقفةَ تأمل وفحص ، وكذا تشريح لهذا العالم القائمِ   بذاته !!؟ .

 

    فلطالما كانت هذه الكائنات غير المثقفة مصدر إلهامِ ومَحجَّ  قَصْدِ العديد من العالِمين بفن السباحة في محيطات العقل البشري ، وعلى عرض بِحار التجارب الإنسانية ذاتِ الطَّـوْل ،، جاسوا خلال ديار ذوي الأمـــــيّة والجهالة ، فما سئموا يوما  أو تشاءموا ، بل أمعنوا النظر ، وتأكدوا كم هو مُثقل للمُتون ومُضْنٍ للنفوس هذا الـــدّاء ! ، وكم هي بليغة تلك الحكـــمة القائلة  أن  ” الإنـسان   عــــــدوُّ   ما              يجهل ” !! .

 

    إنهم الظانون بالواقع مصدرِ إلهامهم الظن   الحسن ، وكثيرٌ منهم القصّاصون والرّوائيون ، والمُحللون لكل شاردةِ  فِكرٍ  أوْ  واردة ، لكل ظاهرة تقع قُبالة أعينهم المُقارنة بين الأمس واليوم ، بين الحاضر  ولاحق الحِقب  الزمانية ، فكان  انشغالهم بهذا كُلِّــه  ينـمّ عن أنهم لم يصنعوا كَيْدَ  ساحر ، ولم يُقْدِمُوا على فِعال كتلك ، مُحاباةً لأحد أو جرياً   وراء    تكسّب  أو مدح ،  بل كان ذلك منهم ترجمة حَرفية لما  وَقَرَ   في قلوبهم   واستيقنت جدواه  أنفُسهم ، فهم المؤمنون بالإنسان كإنسان ، وقد تذكـــر  ــ  أخي القاريء ــ  مقولة الحكيم الآخذ في اعتباره جميع أصناف البشر حين فاجأنا بقوله : ” خذوا الحكمة من أفواه المجانين ” ،، لا سبيل إلى الــــــتعجب هنا ، فهو دليل على أن هذا المثقف  البصير ، لم يشأ لنفسه أن تحُط  من قيمة هذا المجنون  أو ذاك ، أو اعــــتباره على هامش الواقع  ثــقـافـيـا !!!.

 

    هؤلاء ، هم الذين يبكي فــقدهم الحِبر وتلطم الخدّ َ يوم هَجرهم الأوراقُ والصحف ، لكن مما   يُزهد المرء   في أرض الثقافة   أن يرى بعين الملاحظة تلك الوقفة المُشار إليها  بأصبع الاتهام ، وقفة التعالي لدى البعض من   مُثــقــفــينا ، الذين كانت بهم خَصاصة في يوم مّا إلى شحن عقولهم مما كانوا يتلقونه من ذات العلوم ، وهم يرتادون دورَ التحصيل العلمي ، بدءا بالمرحلة التحضيرية وانتهاء بشهادة جامعية مُعترفٍ بها كمُستوىً دراسي ، لا كمستوىً  ثقافي !! ، لأنه لا معيار للثقافة ولا مقياس للعقل   البشري ، وكثير   منا   مخطئ  حين الإيمان  بالشهادة  بأنها الحاصرة لشتّى الطاقات المعلوماتية  لدى الشخص ، بالأخص في زمـــن كالذي نعيش ! ، مُتناسين الذين أثبتوا تفوّقهم في الرهان الثقافي ، فما كان ذلك منهم إلا دليل ما بعده  نظير   على عُقم الشهادة   عن الإنجاب ــ إلاّ مَنْ رَحِمَ ربّـُك ــ  ومــــن هـــؤلاء ،  الأستاذ الـــقويّ الشـــكيمة ، عـــباس محمود العقاد  الذي كاد يُقيم الدنيا ويُقعدها بشهادة إبتدائية  في ( التلغراف ) لا غير !!  أصبح الكثير يهابُ  جانبه ، والبعضُ يشهد يمينا  على أنه ــ العقاد ــ واحدٌ  من عباقرة   العصر   والسلسلةُ  قد تأخذ في الطّــــول إذا ما  جــــنحنا إلى عَدِّ  أشبــــاه هذا  الفذ ، ليس في سَاحِ الأدب  فحسب ، بل   في العلوم التجريبية ذاتِها أيضا !

 

    فهـُـــُم لا يُمـــكن وضعـُـــهم تحت الســـقف على أنــــهم شـــواذ  حـــتّى           لا يُـــقاس عليهم ، فالـــدنيا كما   قِيل ،  تتكون من الأمــــوات أكثر  مما تتـــكون من الأحياء !!   والثــقافة إنتاج وتَركة إنسانية لا تقف في وجهها الحدود الإقليمية ، وما  من  شيء  أثــقــل  في  ميزان   الدنيا   إلاّ    هي !! .

 

    لكن بعض المنتسبين لهذا الاسم  لا يُحاولون في أغلب الأحيان الاعتراف بكل هذا ، وكأنهم هم وحدهم الذين هجرت الحروف والتجاربُ إلى رحابهم فانقضّوا عليها ! .

    لذا كان حريا  بكل ذي شهادة في الحقل الدراسي  أن يُـــثبت جدارة مواقـــفه مع جِـــداريات الشخصية الثقافية المُجتـــمعية الـــتي يــحيا  في كَــنَــفِـــها ، مثلما  كان  منه  ذلك  في الأشهر المعلومات من التحصيل العلمي ، يوم  أعاد  تجديد  عجلات  قلمه  ودواليب  فِكره ، يوم جنى بعضا  مما زرع  وأبقى على البقية لمواقفه وحسن بلائه ، المواقفِ المتخللة لأوقات دراسته  وإجازاته ، إلى أن يحوز الحُسنى  في دار الإنسانية ، فنِعْم المواقف  مواقـــفــه ، ونِعم عــقــبى الدّار   يومـــها   داره .

 

    فالتطاول الثقافي والبُخل المعرفي عاملان  يُبعدان  الإنسان  عن أن يؤدي  ما عليه  في وسطه  الاجتماعي  ذي التطور  المستمر ، وإذن فالتقويم الفكري   وتزكيةُ   المواقفِ  بمواقفَ  أكثر   جدية ، لَهُمَا الدافع  لمن كان له قلب ، حتّى يقوم بدوره التثقيفي من مُشاركة في محو  الأمية ، إلى تفانٍ   في إعطاء الإنسان قيمته النقية من كل شائبة ، فذَوَبَانُ المثقف في شرايين مجتمعه ، والتصاقه بأحشاء آمال شعبه  و آلامه ، فاتصالـُه بأترابه   من المثقــفين وغيرهم ، يعني   في أبسط الدّلالات ، أن قطار الركب الثقافي بإنسانية مواقفه ماضٍ  في صِراطه ، والكل فيه ينشد  الصدارة ، متّكيءٌ  على أريكة الطمأنينة ، تحت أيْـكِ الثقافة الدائم  الاخضرار 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!