تعدد الخطاب الثقافى / بقلم : محمد امين صالح 

 

 

 

 الثقافة وروافدها

 

 

ستظل الثقافة هى حجر الاساس فى تقدم الشعوب وارتقائها ، وفى ذات الوقت هى عاصمها من ضياع الهوية،

لما لها من كبير الأثر فى تشكيل الوعى – وهذا هو مكمن خطورتها – وتحديد الملامح والقسمات المميزة لكل شعب من الشعوب على حده ، كما تقاس قوة الشعوب بثقافتها واطلاعها على كل ما هو جديد ، والتأثير فيه  ،  وقدرتها على هضمه واخضاعه لخصائصها حتى لا تتماهى فيه فتندثر، او تبتعد عنه فتتخلف  ، فتغرد وحدها خارج سرب التجديد والتحديث ، والذى بهما يقوى عودها ويشتد ، فتشتبك مع كل المطروح من ثقافات ، وتتلاقح مع كل موجات التجديد حتى لاتنقرض .

 

اما بالنسبة الى مفهوم الثقافة فسيظل ملتبسا على على الكثير سواء فهمه ،  او ادراك حقيقته ،لاننا بازاء مصطلح مراوغ بالفعل يستعصى على التحديد والشمولية ، كما ان الخطاب الثقافى هو مجموعة من الخطابات وليس خطابا واحدا ،  فالمؤسسة الدينية لها خطابها الثقافى وكذلك كل التيارات المناوئة لها ، وكذا الخطاب السياسى ،(1) وما زال البعض يخلط بين الثقافة  وبين التعليم ، وقد يلبسها البعض لباس الحضارة ، وغيرها ،

ولا يرون انها انعكاس لكل ما يحيط بالانسان من المادى والمعنوى كطز البناء ، والملابس ،  ووسائل المواصلات والعادات والتقاليد ،  والدين ،  واللغة وغيرها.

وكلها صنيعة ونتاج المجتمع فى آن عبر التلاقح والاشتباك مع المجتمعات الأخرى والتعرف على سائدها وبائدها ، متراكمة وفاعلة فى المجتمع عبر دفتى الأصالة والمعاصرة ، وسوف نعرض لذلك لاحقا .

 

ولعل ثوابت الثقافة فى كل زمان ومكان هى الدين واللغة والميثيولوجيا ،ولكل منها اثره الجلى على كل ثقافة تطرح نفسها على العالم  ،كما لا يخفى علينا  ما للدين من أثر جلى  فى مسلك الشعوب ومظهرها  ، وان تعددت طقوسه ،وتباينت درجاته ، وتفاوتت قيمه ، لكنه يبقى دائما فى صدارة المشهد الثقافى ، حوله يلتف معتنقوه ، ويتجمع حواريوه ومريدوه ، كل فريق منهم وفق ما يراه منه ، وما يسوّقه له رجاله عبر ما هو مرئى ومسموع ومقروء ،

ووفق اختلاف المكان والزمان ، والشواهد على ذلك كثيرة على الحصر ، وان كانت كلها تصب فى المجرى الرئيسى وهو الدين . مم حدا بماركس أن يقول : ان الدين هو أفيون الشعوب .

ولتعدد الخطاب الدينى وتباينه وفهم كل جماعة  له ، وتصورهم عن  لله والكون والحياة الدنيا والآخرة ، والثواب والعقاب أكبر الأثر فى ضرورة تعدد الخطاب الدينى ، ومن ثم  الثقافى وثرائه .

وقد رصد نصر حامد ابو زيد خمس آليات للخطاب الدينى واعتبر الآليات الآتية من بين الاساسيات التى تحكم مجمل الخطاب الدينى ألا وهى :

آلية التوحيد بين الفكر والدين

آلية رد الظواهر الى مبدا واحد .

آلية الاعتماد على سلطة العنف .

آلية اليقين الذهنى والحسم الفكرى .

آلية اثر البعد التاريخى .  “(2 )

 

وتأتى اللغة كمفردة ثانية اصيلة  من أهم مفردات الثقافة ، فهى وعاء توصيل المعنى كما عرفها الاقدمون ، ووسيلة التواصل بين ابناء الشعوب  من حيث  المشافهة والتدوين  ، ثم التعبير   ومن خلالها تنتقل الخبرات والمعارف والحكايات وكل ما من شأن الشعوب ان تتعلمه ،  وأن تحفظه  للاجيال القادمة .ولا يخفى ما للغة العربية من خصوصية  تجلت عليها عبر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، ومن تحتها ما يتعامل به الناس من لهجات محلية متعددة فى حياتهم اليومية كما فى مصر على سبيل المثال : لهجة ابناء الجنوب ، وأبناء الدلتا ، والمدن  الساحلية ، والبدو فى سيناء ومطروح ، وأبناء النوبة فى جنوب مصر وغيرها ،  وفى هذا ثراء وتنوع فى آن واحد يصب فى مجرى اللغة .

وتقاس قوة اللغة بقدرتها على التجدد بالاضافة ، وثراء قاموسها وما يحتويه من الفاظ ، واستيعاب المختلف معها ، والعمل على اخضاعه لجذورها اللغوية . وكذا نحوها وصرفها وبلاغتها .ومن خلال اساليب الاخبار والوصف .

ولعل الميثيولوجيا ( العادات والتقاليد والموروث الشفاهى ) تعد من أهم ما تتماسك به الثقافة ، فهو اصيل الشعوب وثابتها ، وتتجلى مظاهره  فى الافراح والاتراح ، والاحتفال بالأعياد الدينية ، وطقوس الزواج والمواليد، والاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والوطنية ، وأعياد الحصاد، ويبرز ايضا فى الامثال الشعبية وسير الابطال ، وملاحم النصر ، ومآثر وكرامات  الصالحين ، وتتجلى مظاهر الثقافة فى  العادات والتقاليد و الملابس والفنون وطرز المعمار ووسائل النقل  ….. الخ

كما لا يمكن اغفال المشاهدة والتساؤل كرافدين من روافد الثقافة الفرعية والتى لاتقل اهمية عن ماسبق ان سقناه ،

 

فبهما يكتمل المشهد الثقافى فى حياة الشعوب وفق آلياته المتعارف عليها ، والسلوكيات التى يصدر عنها افراد هذه المجتمعات.

 

واذا ما أردنا أن نرى مكانة  مصر جيدا فعلينا أن ندرك أنها تنتمى الى عدة مواقع من حيث الجغرافيا والتاريخ وأثر ذلك على ثقافة شعبها فهى جميعها تفعل فعلها فى الخطاب الثقافى شئنا أم أبينا فهى أى مصر  فرعونية بالمقام الأول  ، ثم قبطية فاسلامية فعربية فافريقية  ، فآرومتوسطية ، فموقع مصر المتميز يؤهلها لأن تلعب دورا محوريا فى الوطن العربى وأفريقا ومن ثم تطلعا شرقا وغربا ، كما ابرز ذلك جليا جمال حمدان .

ولما كان الأمر كذلك قان للتعددية مبررها ، وللاختلاف مشروعيته ، وللتباين درجاته فى كل المجتمعات على السواء ، ولا يشذ فى ذلك مجتمع عن هذا السياق .

ومن ثم كان لتعدد الخطاب الثقافى مشروعيته ، فما تتوافق عليه جماعة ليس من الضرورة ان يكون محل رضا لغيرها ، وما يتناسب مع فريق ربما لا ينسجم  مع  الآخر ، وما ترضى عنه فئة ما من الممكن ان يكون غير مرض  لغيرها  ، وما يستقيم مع عقل ربما لا ينسجم مع غيره ، وما يوافق هوى قلب من الجائز الا يوافق أهواء اخرى ، وما يتواكب مع معتقد فريق ربما يخالف كثيرا من الفرق ، وما تقبل جماعة أن تنضوى تحت لوائه من الممكن ان ترفضه أخرى .

ومن هنا تبرز حتمية التعدد بل وضرورته كى تتسع عبائة هذا الخطاب  لكل هذه الاختلافات ، بل ويستوعبها وفق آلياته وآليات كل جماعة على حدة .

ولما كان الاختلاف واقعا ملموسا لا يمكن ان يغفله العقل ، او تخطأه العين ،  فان التعدد يضحى ضرورة لا غنى عنها لثراء هذا الاختلاف والتأثير فيه ، والتأثر به على الصعيدين الثقافى والسياسى ،ولعل أخطر ما تقع فيه امة هو أحادية الخطاب سواء كان ثقافيا اوسياسيا أو فكريا ، كما لا ينبغى أن يكون التعدد مصدرا للصراعات وترسيخا لمفهوم الأحادية بقدر ما ينبغى أن ينطوى على الثراء بالتجاور والتفاعل ونبذ الفرقة وكل ما من شأنه تفتيت الكيان لا تقويته .

ولعل ما يلوح فى الافق ، وما نراه بأم اعيننا من صراعات فى العالم  لا يخرج عن كونه استغلال عدو او مستعمر وعزفه على وتر تأجييج الصراعات الدينية ، او العرقية والاثنية من اجل مصالح ومطامع اقتصادية بالضروة  كنهب ثروات هذه البلدان ، واضعاف قوتها التى تتمثل فيما لديها من ثروات او موقع متميز وحضارة ضاربة بجذورها فى اعماق التاريخ كما هو الحال فى مصر ودول الخليج العربى والعراق وسوريا وكما حدث فى بلاد البلقان وغيرها ، او تفكيك هذه البلدان الى دويلات صغيرة فى جزر منعزلة يسهل السيطرة عليها ومن ثم اخضاعها واحكام القبضة ومحو الهوية او تفكيكها الى هويات متباينة بل ومتعارضة وحصارها فى اضيق الحدود معتمدة على صناعها .

والراصد للواقع الحالى يستطيع بكل بساطة ان يضع يده على أن الصراع القائم هو صراع اديان بالمقام الاول

ينطوى على بعدين اقتصادى وسياسى  تؤججه الصهيونية وكل قوى الاستعمار الحديث   بما تمتلكه من رأس مال قوى ، وقوة دعائية واعلامية جبارة  تستطيع بهما ان تفرض هيمنتها على اغلب بقاع العالم ومراكز صنع القرار فى كافة المنظمات العالمية ، وبما تضعه من عراقيل تعوق تقدمها وانطلاقها ، وصراعات عرقية واثنية تجعلها تدور فى فلكها ، وتاجيجها لصراعات دينية بزراعة الشوكة تلو الأخرى فى ظهور هذه الدول ، ولعل ما هو على الساحة من هذه الشوكات  مثل القاعدة وطالبان وبوكو حرام والطوارق ، الاكراد والسنة والشيعة ، الشمال والجنوب السودانى ،  النوبة ، جمهورية الصحراء  وغيرها من الشوكات المنبثقة عنها لهو خير دليل على حرص كل  قوى الاستعمار الحديث على اعاقة انطلاق مسيرات هذه الدول بل وتفتيتها الى دويلات يسهل السيطرة عليها  وتوجيهها فى الطريق المرسوم لها والذى يخدم مصالحها بالدرجة الاولى اى الاستعمار الحديث

عبر تزكية حرب الافكار والتى هى اقل تكلفة بالفعل عن الشكل المتعارف عليه سابقا عبر احتلال الارض بما يكبدها من خسائر كبيرة فى الارواح والمعدات والاموال الطائلة .

لقد بات الامر وعبر مواقع التواصل الاجتماعى التى يلعب فيها رأس المال والتوجه الخاص لاصحابه  من ايسر الامور فى خلق صراعات بل والعمل على تأجيجها وتزكيتها فى آن ،بل وسرعة نشرها فى كافة ارجاء المعمورة  ،وليس بخاف ما قامت به من دور كبير فى ما يسمى بالربيع العربى وهذه الحالة التى وصلت اليها المنطقة العربية بأسرها متزامنة ومتتابعة ، وما نجم عنها فى تونس ومصر العراق وسوريا وليبيا ، وما سيعاد ترتيب المنطقة على اثره لاحقا ،  هذا الى جوار الفضائيات الخاصة والموجهه والتى تفعل فعلها فى المشهد  العربى ، وتفشى ثقافة الصورة فى مواجهة الكلمة وانتشار الاولى لما لها من وقع مرئى مباشر وفاعل على العين ومثير للعواطف ، وباعث على التحرك واتخاذ المواقف المستهدفة والمنشودة وتبنى وجهة نظر طارحها ايا ما كان ، دون الالتفات الى التفاصيل والاساليب الحديثة فى التلفيق المتقن ، والتزييف الاحترافى ، او الى السم الذى يتوارى ببراعة داخل الدسم ، ويتم حصار هذه الدول بين المنع والمصادرة والقمع وكلها آليات تؤجج المواقف ، وتزيد من سخونتها بل وسرعة تدفقها ، أو الاتهام باهدار الحريات  وقمع كل وسائل التعبير ،أو اللجوء الى الخطاب الأحادى وهو آفة كل الانظمة الدكتاتورية والشمولية والتى تدفع بالضرورة الى الثورة عليها ومجابهتها بكل الوسائل حتى ما يتم تسويقه عبر مواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات الموجهة من أجندات خارجية مدفوعة الثمن تحت شعارات براقة تتمسح بحقوق الانسان ، وحرية الشعوب فى تقرير مصائرها وحرية التعبير

وهى فى كثيرها كلمات حق يراد بها باطل مقنّع ، فكما ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، فان الحرية المطلقة ايضا مفسدة مطلقة وفوضى عارمة ، ويبقى للتقنين حوار مجتمعى من الطبيعى ان تختلف فيه كافة الشعوب والانظمة وفقا لمعطياتها وتراثها من عادات وتقاليد وأعراف ، ومن خلاله تسن القوانين التى تنظم الامور كافة ، وفق اطار من التراضى والمشاركة .

 

 

الخطاب الدينى وتعدد مستوياته

 

ولما كان الدين  احد اهم مفردات الثقافة بل وركيزتها الكبرى وعاملا هاما فى صياغة اغلب مستويات الخطاب الثقافى  فانه يتوجب علينا  ان نعرض له من خلال الآلهة المتعددة وصولا  الى الاله الواحد  فى مصر والجزيرة العربية ، وبلاد الرافدين والشام .

فى مصر القديمة وعلى مر العصور تعرضت الحضارة الفرعونية للعديد من الغزاة بدأها الفرس بمعرفوا به من نهب وتدمير ونشر للفساد رغبة منهم فى تدمير كل مظاهر الحضارة المصرية القديمة حيث دمروا المعابد ونهبوا الكتب والبرديات ومحاولة طمس الهوية المصرية عام 525 ق م  من خلال حملة قمبيز الشهيرة ، والتى مثل فيها بجثمان الملك احمس المحنطة ،وراح يسفه من العادات المصرية ويحرق كل ما يقع تحت يديه ، مرورا بالاسكندر الاكبر 323 ق م والذى دخل مصر دون ادنى مقاومة من الفرس وبمساعدة المصريين الذين وجدوا فيه خلاصا من همجية الفرس ، وكانت بداية لحكم البطالمة الذى اتخذ من الاسكندرية عاصمة له ، واصبحت الاسكندرية عاصمة للثقافة والتعليم ، الا ان المصريين عانوا التمييز الطبقى والفساد الادارى حتى وهنت الدولة وظهر مستعمر جديد وهم الرومان فى العام الثلاثين ق م وكان من اسوأ انواع الاستعمار حيث استمر قرابة السبعة قرون من السلب نهب ومحو وطمس الهوية المصرية بفرض لغتهم القبطية حتى وصل الحال الى  استعمال الأبجدية اليونانية  واعتمادتها  لغة فى كافة الامور (3).

ثم ما لبث الفرس ان عادوا الى احتلال مصر عام 617 م فخربوا الكنائس وقتلوا المسيحيين وسرقوا ونهبوا معظم ثروات البلاد فى احتلال دام لعشر سنوات .

وكانت بداية الاحتلال العربى لمصر مع دخول عمرو بن العاص فى العام 641 م والذى دام لقرابة القرنين ونصف تقريبا ، ومن خلاله انتشر الدين الاسلامى واللغة العربية واعتنقها كثير من اقباط مصر ، وبدأ اضمحلال اللغة القبطيةحتى عادت الى الكنائس ،  حتى استقل احمد بن طولون بمصر من الدولة العباسية مؤسسا الدولة الطولونية ثم تلتها الدولة الاخشيدية فالفاطمية والايوبية الكردية ثم المملوكية فالعثمانيين وما تخلله من استعمار فرنسى وما تلاه من استعمار انجليزى ، كلها كانت تحاول ان تفت فى عضد الدولة بل وتحاول تدميرها بالسلب والنهب والحرق ومحو الهوية .(4)

ومن خلال كل ما تعاقب على مصر من ديانات وثقافات متعددة ومتباينة وصولا الى الاسلام تتضح قدرة مصر على امتصاص كل هذه المكونات التى تعرضت لها على مدار التاريخ ثم تمثلته ليصير نسيجا متلاحما  ومتراكما

متفاعلا مع الهوية المصرية  ولما احتوته الديانة الاسلامية من جعل الايمان بكل الكتب وبكل المرسلين ركيزة اساسية للاسلام ( آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين احد من رسله وفالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ) صدق الله العظيم   .

واذا ما نظرنا الى الخطاب الدينى منذ ظهور المعتزلة بواصل بن عطاء واعلائهم لقيمة العقل فى مقابل النقل ظهرت الفرق والنحل التى وصل عدهها الى قرابة الثمانين فرقة ، تزعم كل منها انها الفرقة الناجية ، تقابلت لديها الخطابات ،  بل وتضاربت ،  ووصل الامر ببعضها الى تكفير كل ما عداها ، كما نرى اليوم فى داعش، والطوارق وهى حركة سكنت مالى والنيجر ،  وبوكو حرام ، والسلفية الجهادية وغيرها ،  حتى بلغت الحيرة بالعوام مداها . انتهاء بخطاب السلفية والسلفية الجهادية التى دعت الى حمل السلاح فى وجه كل مخالف لها ، بل واباحة القتل وقطع الرقاب كما تقوم جماعة داعش وهم دولة االاسلام فى العراق والشام  ، وما يتبنونه من خطاب ابعد ما يكون عن الاسلام وروحه السمحة ، وايمانه بالتجاور والحوار  كما حدث فى دولة المدينة على يد النبى عليه الصلاه والسلام ، وكذا خطاب الاخوان المسلمين وهى الجماعة التى انبثقت عنها اغلب الجماعات المتناحرة  التى نراها اليوم على الساحة ،  والتى اتخذت من الدين ستارا وتكئة للوصول الى اغراض سياسية ، وتبنى فكرة الاممية ، وانزياح كل مكونات الهوية  لصالح هذا الخطاب ، والجماعة الاسلامية والتى تبنت من بدايتها الوقوف فى وجه الدولة بالسلاح ، ثم لتكفير والهجرة  وفرض منطق القوة فى مواجهة السماحة  ، واعلان عداؤها للشرطة وغيرها من مؤسسات الدولة بقصد الهدم ابتداء ، والعدو القريب اولا ، والعجيب اولا انها لم تتخذ مواقفا واضحة تجاه اعداء الاسلام الحقيقيين ،  بل وضعت يدها فى  يده من اجل تمويل خطابها الذى يصب فى مصلحة العدو الحقيقى ، وثانيا انها لم تتبن خطابا يعمل من اجل توصيل رسالة الاسلام السامية الى تلك البلدان ، او تبنى سماحته من اجل توسيع رقعته فى بلاد الغرب والشرق غير الاسلامية ، وكان هذا بها اجدر ، وصولا الى القاعدة وطالبان وهما بلا شك  صنيعة(  الس اى ايه  ) ووسيلته فى حربه الباردة والساخنة مع الاتحاد السوفيتى ( روسيا حاليا ).

حتى كانت احداث الحادى عشر من سبتمبر والتى من بعدها بدأت امريكا فى مواجهة هذا الكيان معتبرة هذه الجماعة جماعة ارهابية ، واعلنت حربها على الارهاب الذى صنعته وعمته وثبتت اركانه ليكون آداة لها فى معاركها القادمة ،  وقضت على زعيمها بن لادن ،  ثم ما لبثت ان اخرجت قواتها من افغانستان  تاركة هذا الكيان يرتع كما كان فى هذه المنطقة ،  فلا هى تمكنت من القضاء عليه، ولا هى ارادت ذلك ، بل تركته شوكة فى ظهر هذه المنطقة .

اضف الى ذلك خطاب مؤسسة الازهر (  الوسطى )  الذى يعتمد القرآن والسنة وما اتفق عليه جمهور العلماء وما جاء به الفقه على المذاهب الاربعة   سندا ومرجعا دون غلو او تعسف او جموح فى التأويل ،  بل اعتدالا وتوسطا عملا بالحديث الشريف : كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا خير فى امرين اختار ايسرهما ، واذا خير فى ثلاث اختار اوسطهما . صدق رسول الله . هذا الى جوار خطاب الطرق الصوفية المتاخم للبسطاء والعامة فى ابسط صوره .

ونحن هنا بصدد عدة خطابات دينية لا خطاب واحد ، وعدة مستويات لا مستوى واحد تصب جميعها فى نهر الدين وتتخذ منه تكئة لارساء مفهومها عن الدين لا مفهوم الدين بكل تجلياته عقيدة وشريعة ، غير مدركة ان ما يصلح لمكان قد لا يتناسب مع آخر ، وما يناسب زمان قد يصلح مع آخر ، ولا كهنوت فى الاسلام . فاصبحنا بصدد خطابات تبدأ من الجهل لتنتهى بالغلو .

لقد استطاعت هذه الجماعات واقصد منها  التى تروع الامنين ، وتهدد السلم العام ، وتتخذ من القتل واراقة الدماء سلاحا فى وجه المجتمعات التى تتواجد بها ببعض الفتاوى الشخصية ان تجند جنودها وذلك لان المصريين والعرب شغوفون بالدين ، واصبحوا يصدقون كل ما يسوقه لهم من يدعون انهم دعاة عبر الكثير  الفضائيات والزوايا الخاصة بهم وباتباعهم  واغلبهم من الهواة او الحواة ،  واصبحت تجارتهم رائجة لما سبق ان سقناه ، ولاتساع نسبة الجهل والامية فى هذه البلاد ، والتى ادت الى خلق اجيال من المتطرفين الذين اختلط عليهم الامر بين صحيح الدين وما هو مدسوس عليه ، حتى صار مفهوم الجهاد ملتبسا ومضللا للدرجة التى نراه عليها الآن من قتل المسلم لاخيه المسلم او المختلف معه فى الديانة ، فى حين ان كل المسلم على المسلم حرام .. الحديث الشريف .

واذا ما كان الخطاب الدينى والذى هو عماد الخطاب الثقافى يبدو بكل هذا الارتباك فلابد ان يلقى بظلاله على الخطاب الثقافى محدثا هذا الارتباك الذى نلحظه فى واقعنا المصرى والعربى ، فما بين السماحة والتجاور ، وحمل السلاح فى وجه الاخر المختلف سواء كان مسلما او غير ذلك تدور رحى هذا الخطاب ،ويتصدر المشهد تلك الصور التى تقوم بها حركات مثل داعش وبوكو حرام والقاعدة والطوارق  والسلفية الجهادية من قطع الرقاب والحرق والقتل،  وترويع الآمنين والتمثيل بالجثث ، واستعادة فقه الرقيق وبيع السبايا ، وظهور ما يعرف بجهاد النكاح وغيره من الافكار التى لاتستند الى صحيح الدين فى اى شيى بل معظمها يقوم على اراء لأامة مثل ابن تيمية وابو الاعلى المودودى وبن باز  وحسن البنا وسيد قطب وغيرهم هذا الى جوار احاديث الآحاد والاحاديث المرسلة والمنقطعة وكلها تؤسس لما يشاع عن الاسلام وهو منها براء ، لقد صار هذا هو خطاب الاسلام الذى يراه الآخر الغربى فيترسخ لديه مفاهيم عن بشاعة هذا الدين الذى يدعوا الى القتل ، كما يفعل فعله فى الداخل فيشق الصف ويوسع الهوة ويشيع الفرقة بين ابناء الوطن الواحد فتختلط المفاهيم وتلتبس  ،  وتضيع القيم ، وتتفسخ الهوية فلا يعرف العامة وما اكثرهم لاى فريق ينحازون  ، او لاى قيم ينتصرون .

لقد كانت الاديان السماوية والوضعية فى قلب المصير الانسانى والتاريخ ولا تزال تلعب هذا الدور فى تأسيس  هويات متعددة ما بين ثقافية وعرقية وقومية وسياسة ، وما زالت تستخدم كقناع وغطاء لمنظومة من المصالح المتعددة فى معظم المراحل التاريخية ، ولعل دور الدين فى اغلب النزاعات الدولية والكونية المعاصرة لا يقتصر فقط على العمليات الارهابية ولا اشكاليات الهوية والامها الكثيرة على الحصر ، وانما على موقع المؤسسات الدينية والمذاهب الكبرى .

ولاننا لا ندرك قيمة التنوع والتعددية ، بل ونعجز عن ادارتهما داخل مكوننا فى  اطار انسانى رحب  ، لخلل  فى منظومة التعليم مدنيا كان او دينيا ، وكذا فى اعلامنا بكافة صوره وثقافتنا ونظرتنا للعالم ولانفسنا ، وافتتاننا بانفسنا على نحو خطير والتى هى جميعها تنطوى على اختلالات بنائية  تقف عقبة وحجر عثرة أمام تحرير زواتنا من الاساطير والاوهام التى يعاد انتاجها  عبر  الزمن على نحو ما نلحظه الان من خطاب ما ضوى  يفرض كل آلياته على الواقع المعاش ، بل ويلقى بكل ظلاله الفكرية التى لم تعد متناغمة مع ايقاع الواقع الذى يبتعد عنه بعشرات القرون .

ان كل دين او فكر او فلسفة لا تشتبك مع الحرية والتعددية والاجتهاد والتطلع والاستشراف لتبقى عاجزة عن الهام الافراد والمجتمعات القدرة على التفاعل ، وتشكيل الواقع المعاش وفق معطياته وآلياته .

ان الخطاب الدينى لفى حاجة ماسة الى ضخ دماء جديدة وافكار جديدة فى نهره المتدفق منذ عرف البشرية الاله الواحد المعبود كما فى الاسلام الذى عرفته البشرية منذ اراهيم ابو الانبياء وحتى الآن ، دين يحث على التجاور

ويعلى من قيم الاختلاف ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) صدق الله العظيم  فالمعيار التقوى وهى مراقبة الله فى كل قول وفعل ، والخلق الحسن  ، والابتعاد عن الغلو .

ولما كان الدين عقيدة وشريعة فالخطاب الدينى لا يتجدد الا فى الشريعة والتى تختص بالعلاقات بين الناس ، اما فيما يخص العقيدة فامرها موكول الى الله تعالى لانها علاقة شديدة الخصوصية بين البشر ورب البشر دون كهنوت او وساطات .

ان معظم ما يتم تدريسه داخل مدارسنا ليحتاج الى غربلة جيدة تستطيع ان ان تفصل  الغث عن الثمين وتعلى من شأن العقل والبحث العلمى  بتنقية هذه المناهج التى اكل الزمان عليها وشرب ، بل وتجاوزها بعدة مراحل . ويبقى للمؤسسة الدينية ان تقوم بدورها بتوضيح صحيح الدين وهو دور منوط بها وحدها سواء اكان كنيسة او ازهر وكذا ابراز خطاب  يليق بالدين

نجله ونصدره الى الاخر . خطاب لا يقصى ولا يتهم ،  ولا يعنف ولا يزدرى ، يتخذ من التنوع والتعدد  الدينى ثراء وطريقا لحرية الخطاب الثقافى ،   نفخربه ونعمل على  تجديده دائما ،  ومسايرته لروح العصر،  مراعين ما سيحدث فى المستقبل من متغيرات حياتية تندرج تحت باب المصالح المرسلة ، كما جاء فى نقل الاعضاء واطفال الانابيب وهى كلها قضايا مستحدثة عرفها عصرنا ،  ولم يعرض لها السابقون .

ان فتح باب الاجتهاد امام كل من لهم القدرة على ذلك لبوابة واسعة لتجديد الهواء وازالة الكلس الذى تراكم عبر وقف الاجتهاد على الأئمة  الاربعة ، واعادة تنقية صحيحى البخارى  ومسلم من احاديث  ثبت عدم صحتها وانقطاعها ، وضعف فيها السند ، والابقاء على ما تواتر منها ، وما لا يعيق تدفق الحياة ، عملا يالقول : اينما تكون مصلحة الناس فثم شرع الله ،  والعمل على ازالة المفاهيم الخاطئة  والملتبسة لدى الغرب عن الاسلام ،

فهو لا يراه الا ارهابا وسفك دماء وتخلف .

ان تجديد الخطاب الدينى ليس تغييرا فى صحيح الدين ،  ولكنه يكمن فى تجديد الاسلوب والطريقة التى اوصلته الى هذه الدرجة بعد تنقية الشوائب التى علقت بصحيح الدين على مر السنوات  ، عبر خطاب متماسك ومتوازن فى طريقة صياغته وفحواه ، يرعى حرية الفكر والابداع  ، ويحقق العدالة الاجتماعية ، وقادرا على مواجهة كل الافكار التى تتسم بالغلو بقوة الحجة ، ومتانة الاساليب ووضوحها ،  كما يجب ان يكون منفتحا على الآخر،

و غير منغلق على ذاته  يقنعنا اولا ،  ومن ثم يضع الاخر نصب عينيه  على اعتبار انه من اهم الركائز الاساسية فى بناء خطاب ثقافى  راق معبر عن امة عربية او وطن قوى يستطيع ان يجارى ويتفاعل مع عصره ببصمته الخاصة  ،  وتقاطعاته واشتباكه  مع الاخرين المختلفين ، مضيفا الى رصيد الانسانية كل ما هو اهل له .

 

آلية الخطاب

 

طالما وجد الخطاب لابد ان يوجد المرسل  ، وهوالمسئول عن كل ما يتعلق بالخطاب باعتباره صاحب الرسالة والموجه لها ، والمرسل اليه ن  وهو المستهدف والمنوط به فهم  الرسالة واستيعابها والاقتناع بها ، ومن ثم  العمل على تنفيذها ، وبه ينجح او يفشل الخطاب  ، الرسالة او الفحوى ،  وهى ما يراد بثه للاخر المستهدف ، ثم السياق ،  وهو ما يختص بطرفى الرسالة ويشكل الفضاء الذى من خلاله يتحقق الاتصال التفاعلى وينبغى ان يضع فى اعتباره الانشاء والاخبار والتوازن بينهما  ،  والاتصال ،  وهو ما يمثل القناة الطبيعية المستعملة بين المرسل والمستهدف  والوسائط التى يتم عن طريقها تبليغ الرسالة عبر ما هو مقروء وما هو مسموع ومرئى ، واخيرا الشفرة ،  وهى مجموعة من القواعد المشتركة فى ذهن المرسل والمستقبل ، عليها يلتقيان .

ولعل اهم ما يميز الخطاب هو البناء الصحيح ،  ووضوح الفكرة ، وانفتاح الخطاب والدلالة ،ومراعاته للقادم ورؤيته الواضحة له ، وتطوير الادوات ،  ومراعاة ملائمتها لفحوى الرسالة ، اللغة المناسبة للمستهدف .

 

الخطاب الثقافى

 

 

ولما كنا بصدد خطاب ثقافى لذا ينبغى ان ندرك كنه الخطاب الثقافى ونعرفه بانه همزة الوصل بين المهتمين بشئون الفكر والثقافة والرأى ،  وأبناء المجتمع وبسطاء الشعب، لتوجيه أنظارهم وأفكارهم نحو رؤية معينة تخدم الصالح العام والخاص ، وغالبًا  ما يهدف الخطاب الثقافى إلى تغيير اتجاهات فكرية معينة ، تهدف إلى هدم الدولة، أو تنتهج سياسة معادية تعمل على خلخلة الأمن الداخلي ، وزعزعة الاستقرار ، ويهدد الأمن القومى المصري   سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، ويعيق كل محاولات البناء والتنمية داخل الدولة بقصد ابعادها عن مجراها الطبيعى ( 5 )  ، وجرها الى صراعات ضيقة عبر اشاعة مفاهيم مغلوطة وملتبسه على العامة بقصد اثنائهم عن مشروعات الدولة وانصرافهم عنها الى تلك المفاهيم ، وهى غالبا ما تدور حول العرق والدين والجنس واللون … الخ

وعلى هذا الخطاب ان يرعى  المشتركات الوطنية في الخطاب الثقافى دائمًا بما تشكل وحدة الأمة، فجماعة الإخوان استطاعت من خلال خطابها المتطرف إنشاء بلدين تفكيرهما مختلف، حيث خلقت جيلا انتماؤه الأقوى للجماعة وليس للوطن ، ولديه الاستعداد لهدم الدولة مقابل بقاء الجماعة، وهو ما أثر سلبيا في وحدة الشعب، وخلق الصراع بين أبناء الوطن الواحد، مما يهدد الأمن القومى المصري ، حيث إن الصراع الداخلى يخلق جوًا من التوترات التي تقف عائقًا أمام تقدم ونمو الوطن، وتعكس صورة سيئة عن مصر خارجيًا، لذا نحن في حاجة إلى خطاب ثقافى جديد يوحد الأمة كلها.

 

على ان تكون الوحدة من خلال التنوع وهو  أمر لا يقبل النقاش، مع ضرورة وجود مشتركات وطنية، مثل الانتماء للوطن، والإقرار بحرية الرأى والحق في الاختلاف، مع الوضع في الاعتبار وجود مناخ ثقافى قادر على تصحيح الخطاب الثقافي بما يلائم هذا التنوع ، لمواجهة الأفكار الظلامية  التي اخترقت جميع هيئات ومؤسسات الدولة طوال الثلاثين سنة الأخيرة ، وبثت سمومها فى الثقافة المصرية ، والعمل على التصدى لكل فكر حر من شانه ان يطور المجتمع وفق آليات الحداثة ومستحدثات العصر .فلقد استطاعت هذه الجماعات استغلال  تدنى مستوى التعليم وإهمال الدولة للمناهج التعليمية، وعدم التركيز على مواد التربية الوطنية التي تعد بوابة الطلاب للتعرف على دستور وتاريخ البلد وآماله ، تفشى الجهل وارتفاع معدلات الامية ، ميل الشعب المصرى الى التدين بطبعه ، كل ذلك  سهل مهمة تيارات الإسلام السياسي في السيطرة على عقول الشباب، وانصاف المتعلمين والعامة وجذبهم، مما تسبب في وجود فروق في التنشئة، إلى جانب سيطرتهم على الخطاب الدينى في المساجد والزوايا الخاصة بهم ،  والمستوصفات الطبية زهيدة التكاليف  الذي سهل أيضًا وصولهم إلى قطاع عريض من المجتمع سواء الشباب أو بسطاء الشعب ،   لذا كان من الطبيعى أن الإخوان ينتشرون في المناطق المهمشة والأقل استنارة وتعليم وأهمها قرى الصعيد، وبعض ريف مصر شمالا وشرقا ، ويساعدهم في الانتشار تطلع الشباب إلى المثل الأعلى والتحقق ، وهى حاجة ملحة في النفس البشرية خاصة الأعمار السنية المتقدمة، ومن هنا يجب أن يكون لمثقفى الأقاليم دور في محاربة الأفكار المتطرفة، ويقدموا المثل والقدوة للشباب الصغار.
لكن هناك شعورًا لدى قطاع كبير من الشباب بالاغتراب.. وعدم الانتماء.. ما رأيك؟
ليس بالثقافة وحدها يحيا الإنسان، ويجب أن يدعمها مجموعة من الخدمات الإنسانية والاجتماعية، التي تسهم في ترسيخ فكرة الانتماء لدى الشباب، مثل حل مشكلة البطالة والزواج عند الشباب والشابات، لكى نتمكن من تفعيل برامج التنمية الثقافية ( 6 )

وبما ان الثقافة ظاهرة اجتماعية لا ينفرد بها فرد او جماعة او طائفة اذ هى كالارض للناس كل الناس فلا ينبغى حجبها او التحكم فى مصادرها لان فى ذلك اهدار لحقوق الانسان وحريته وممارساته فى الحياة .

( اننا نعيش ثقافتنا فى كل ما نراه من تفصيلات ذلك حيث تكون الثقافة المعينة منسابة فى عروق الناس مع دمائهم فحياتهم هى ثقافتهم وثقافتهم هى حياتهم    (7)  باختلاف طفيف لنخبة الوطن عن السواد الاعظم ومن هنا يجب ان نعرض لبعض المعوقات التى تؤثر فى الخطاب من الناحية الاجتماعية الا وهى العادات والتقاليد ، مكانة المرأة فى هذا الخطاب ، الحالة الصحية مستوى الوعى ، والسلوكيات التى لا يتقبلها المجتمع .

وفى الوضع السياسى هناك ايضا معوقات لن نأتى على تفصيلاتها بل نسوقها لتوضيح الرؤية فهناك ما هو خارجى ومنه على سبيل المثال التربص بامننا القومى واوضاعنا الداخلية لدفعنا الى كل متاهات الخلاف .

ومنها ما هو داخلى حيث ان حرية الخطاب الثقافى نابعة من تغير السياسات .

وفى الوضع الاقتصادى يتصدر الفقر القائمة كمعوق اساسى ويليه البطالة الناتج عنها .

لذا يجب ان ندرك ان الخطاب الثقافى ينبع من بيئتنا وقضايانا ومشاكلنا فلا يجب ان يتم اسيراد خطاب لا يدرك حقيقتنا ولا طريقة تفكيرنا او اسلوب حياتنا . لقد بات الخطاب الثقافى مطلبا ملحا بعدما توغل الفكر الظلامى وتبنى جماعات الاسلام السياسى لخطاب دينى متطرف  نجح فى اجتذاب عدد من الشباب من قليلى الخبرة بالحياة والدين والسياسة ومن ثم انضوى تحت لوائه عددا من البسطاء وجعل منهم ادوات لتنفيذ مخططاتهم فى الجامعات وما يقوم به البسطاء من اعمال بهدف زعزعة الاستقرار واشاعة الفوضى ومن ثم الانقضاض على الحكم لتنفيذ اجندات من صنعوهم

ومن ثم فنحن بحاجة الى خطاب يرقى الى مستوى النخبة  ، محققا لطموحاتها ، مستشرفا مستقبل هذا الوطن ، واضعا فى الاعتبار كل القضايا التى سوف تعرض لاحقا ، وآلية التعامل معها ، خطابا طامحا يضع نصب عينيه كل مسوغات التجاور لا التناحر ، والتناغم لا الفرقة والتشرزم ،

والتنوع لا الاحادية واحتكار حقوق الناس فى المعرفة ،ان يكون منفتحا على الآخر المختلف ، وغير منغلق على ذاته ، يؤمن بالتعددية ، ويعول على ما تحدثه من ثراء للواقع  دون ان يغمط السواد الاعظم من الشعب حقوقهم فى ذلك وفق الالية التى تتناسب وكل مستوى منها ، يعلى من شأن المعرفة، ويعلى من قيمة البحث العلمى واعمال العقل فى مواجهة الحفظ والنقل والتلقين وما يترتب عليهم من كوارث مازلنا نرى اثرها فى واقعنا اليومى المعاش  ، ويهدف الى سيادة العدل الاجتماعى الذى به تستقيم الامور ، يعول على التعليم من حيث كونه بوابة من بوابات الثقافة ، ويهدف بالدرجة الاولى الى توحيد الصف ،  ويحدث التناغم المطلوب بين خطابى الاصالة والمعاصرة  ، تقوم عليه عدة وزارات مع جماعة المثقفين  ، وجمعيات المجتمع المدنى  بهدف الالتفاف حول وحدة الوطن ، والعمل على نهوضه من هذه الكبوة ، ومن ثم تكون ثقافتنا اكثر مناعة لانها تحصن باستراتيجيات جديدة تضمن لها خروجا من حدودها المحلية الى التطور بالتبادل الحر والمتكافئ مع الثقافات الاخرى على اسس من المساواة والاحترام المتبادل . خطابا

يضع الدولة المدنية نصب عينيه ، متفهما للنسيخ المكون لفئات الشعب ، حريصا على وحة الصف ، متناغما مع كل هذه الفسيفساء والموزييك المكون للوطن ، جذابا فى فحواه ، ومكتملا فى اركانه ( مرسل ورسالة ووسائط ومستقبل ) يعلى من قيمة القوانين ويحض على احترامها وكون الجميع سواسية  امامها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش

 

1 ) د/ حسن حنفى  / الثقافة والوطن  / 357 / طبعة مركز الكتاب  2004

2 ) د / نصر حامد ابو زيد العقيدة الوسطية عند الامام الشافعى

ط الثانية دار المدى 2003

3) ماسيمو كمانينى  تاريخ مصر الحديث

4) د جابر عصفور / هوية مصر / مجموعة مقالات مجلة القاهرة 2006

5) صلاح عيسى  حوار فى جريدة فيتو 6سبتمبر 2014

6) طلاح عيس  نفس المرجع السابق

7) د/ ذكى نجيب محمود / تجديد الفكر العربى ص 71، 72 /

دار الشروق 2004

 

 

 

 

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!