ظاهرة ترامب/  بقلم   سعادة أبو عراق

 

لأول مرة يظهر رئيسٌ لجمهورية طاعنة في الديموقراطية بهذا الشكل الفج، كما بدا به الرئيس ترامب، هذه الشخصية الأستعراضية القلقة التي ذكرتنا بالعقيد القذافي، هذا الذي يصر على أن يكون عمله مكشوفا وهو يوقع قراراته، ويحاول أن يعبر بجسدة عن اندفاعه وسلطويته وتبجحه العظيم بنفسه، بشكل يرى نفسه كما يريد أن يراها لا كما يجب أن تكون.
أنه ليس أول الرؤساء الذين خلدوا أنفسهم بشخصياتهم اللامتزنة، التي جعلت شعوبهم والشعوب الأخرى يسخرون منها ولا تحظى بالإحترام الكافي، فما زال في الذاكرة معمر القذاقي الذي كان يسعى إلى لفت النظر بأي ثمن، وعيدي أمين الذي يرى في قوته الجسدية اكبر مؤهلاته، وتوني بلير وساركوزي اللذان ظهرا ككمبرس بجانب بوش، وها هو كيم أل سونغ الطفل الدموي الدكتاتوري، الذي يحكم بالإعدام الميداني على اقرب الناس عليه, وبوكاسا، وتشومبي لمن يذكرهما.
لكن فوز ترامب في أكبر الديموقراطيات وأقوى الدول وأعظمها، أثار داخل امريكا وخارجها كل هذا الإستغراب والاستنكار، فهو أولا لم يعمل بالسياسة طوال حياته، لذلك نراه يحكم أمريكا ويديرها كواحدة من شركاته ومؤسساته التي يتصرف بها حسب هواه ، وهذا النهج من الحكم ليس من صلب الديموقراطيات الحديثة، حيث أن أوامر الرئيس ليست نافذ بالمطلق، بل هناك دساتير ومؤسسات تلزمة العمل وفق صلاحياتها.
لذلك فإن فوزه في أكبر الديمقراطيات، يعتبر تحديا لمتانة هذه الديمقراطيات العصية على الهدم والإختراق، وعليه يجب أن تتم دراسة هذه الثغرة التي استطاع أن ينفذ منها، وحسب تحليلي المتواضع استطيع أن أدلوا بدلوي في هذا المجال:
11- إن وجود نخب سياسية تتربع على أحزاب عريقة، يتداولون السلطة كما لو أنهم فريقا كرة قدم ، بتبارزون حول قضايا وهمية، وبتادلون ادوار الإنتصار والهزيمة, لكنهم في النهاية بدوا مفلسين ولا من جديد ، فالحزب الجمهوري والديمقراطي ما عاد لديهما شيئا مميزا يطرحانه في برامجهما، لذلك فإن
الشعب الأمريكي مل من هذا الروتين الذي اشبه بالأكلة التي يعاد تسخينها كل يوم.
22- ان عملية الإبداع في السياسة كما هو الإبداع في كل مجال، بحاجة إلى مبدع، وهذا المبدع لا يمكن صناعته من قبل الإعلام او غيره ، وخاصة في بلاد اخذت شوطا كبيرا في التقدم والحضارة، فالطبقة المثقفة الواعية تستطيع ان تميز ما هو مبتكر وما هو مكرر ومبتذل.
33- لكن الفكرة العبقرية التي لا نعلم كيف جاء بها ترامب وطاقمه، كانت في التوجه للطبقة العامة، عوضا عن التوجه إلى الطبقة المتنورة والمتعلمة والمثقفة، ما دام المطلوب هو الأصوات، التي يمكن احتسابها عدديا، وتؤهله لكي يدخل البيت الإبيض.
44- هنا كان على ترامب وفريقه ان يحسن مخاطبة الطبقة العامة، وأن يثير مشاعرهم وعواطفهم ويهيج غرائزهم، ولا يتعب عقولهم في تعقيدات السياسة وتوازنات النفوذ العالمي ومصالح امريكا مع العالم لذلك قام بالتركيز على ما يلي:
أ – اثارة فكر العنصرية التي تقوم على مبدا التمايز بين البشر على إي اساس أكان الدين او اللون اوالأصل أو الطبقة او المنشأ، وطبعا الطبقة العامة بحاجة إلى من يقول لها انت افضل من ألآخرين، لذلك وجد القومية ركيزة للتمييز ما بين الأمريكان والمكسيك، ووجد الدين يميز بينهم وبين المسلمين.
ب – كان كلامه عن عدوانية المسلمين وافعالهم الإرهابية ومنظماتهم الوحشية جاهزة للتوظيف، مع ان الإعلام الغربي والعربي يستنكر هذا الوحشية باسم المسلمين، لكن الطبقة العامة ليس عندها هذه التفكير، فراحت ترى ان المسلم في امريكا ما هو إلا قنبلة موقوته، يجب إبعادها والحذر منها، وبما ان الحذر نوع من التوتر فلذلك اصبح كما نقول ( لا تنام بين القبور ولا تحلم أحلام مزعجة)
ج – العزف على المبدأ الاقتصادي، بأن المهاجرين إلى أمريكا ما هو إلا لسلب فرص العمل من الأمريكيين، وهي فكرة تقال كثيرا في بلادنا، وكل البلاد التي تنتشر بها البطالة، وهذه فكرة كاذبة لو أمكن تحليلها لبطلت هذه الحجة، فأمريكا ما هي إلا قارة بحاجة لأيدي عاملة اكثر من أوروبا، وأن الذين يدخلونها ليسوا غزاة إنما اخذوا تأشيرات دخول، اما المكسيكيون فإن عملهم هو عصب الإنتاج الزراعي الذي تزخر به امريكا، فقد انقذوا امريكا من مجاعة اثناء الحرب العالمية الثانية، حينما كانت الأيدي العاملة منخرطة في الجيوش الأمريكية فيما وراء البحار
55 – إذن فإن الإستثمار في مستوى الطبقة العامة هو استثمار مربح للأصوات ومفيد جدا، ولكن هذا المنتج سيكون فاسدا بالضرورة، لأن العوام لا يحسنون الإختيار.
66 – لأول مرة تكون امريكا قد تعلمت منا شيئا سنعتز به، فظاهرة الاستثمار في الطبقة العامة، واستقطاب اصوات البسطاء من الناس، شيئ نمارسه في انتحاباتنا البلدية والنيابية والرئاسية، حيث لا يتعب المرشحون انفسهم في كتابة البيانات ولا البرامج ولا الخطط، إذ يكفي هؤلاء العامة خطبة عاطفية أو بعض المال السياسي او تحفيز الإنتماء العشائري أو المناطقي أو الأقليمي أو الطائفي أو الديني أو المذهبي
77 – و مع توقعي بأن الأمريكان سوف يجدون الحلول الكفيلة بسد هذه الثغرة لكي لا تتكرر مرة أخرى، علينا في هذه الحالة ان نتعلم من أمريكا الإجراءات التي ستخذتها، لكي نمنع استحكام هذه الظاهر في انظمتنا السياسية التي تفرز ما هو اسوأ من ترامب وأسوأ من بوكاسا وعيدي أمين
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!